أفق نيوز
الخبر بلا حدود

ثورة 21 سبتمبر.. أحد عشر عامًا من كسر الوصاية وصناعة السيادة ونصرة فلسطين

43

أفق نيوز|

 تقرير خاص|

أحد عشر عامًا مضت منذ أن دوّى فجر الحادي والعشرين من سبتمبر، معلنًا ميلاد اليمن الجديد من رحم المعاناة والوصاية.. لم تكن الثورة حدثًا عابرًا في دفتر الأيام، بل زلزالًا اجتاح عروش الطغاة وأذنابهم، وفتح للأمة صفحة مضيئة كتبتها الإرادة الشعبية بالدم والوعي والإيمان.

واليوم، في العيد الحادي عشر، يوقد اليمنيون شعلة ثورتهم المجيدة، وهم أكثر رسوخًا وقوة وثقة بأن ما صنعوه لم يكن لحظة غضب عابرة، بل مسارًا تاريخيًا غيّر المعادلات، وأعاد تعريف معنى الحرية والسيادة والكرامة.. وجعل من صنعاء قبلةً للقرار الوطني الحر، ومن اليمن رأسَ حربةٍ في نصرة قضايا الأمة وعلى رأسها فلسطين وغزة.

لماذا اندلعت ثورة 21 سبتمبر؟.. الأسباب الجذرية والمحرك الفوري

لم تولد ثورة 21 سبتمبر من فراغ، بل كانت استجابة طبيعية لسنوات طويلة من التبعية والوصاية الخارجية التي كبّلت القرار اليمني، وفتحت البلاد أمام النفوذ الأمريكي والسعودي، حتى غدت السيادة الوطنية مسلوبة، والثروات منهوبة، والشعب محاصرًا بالجوع والفقر.. ومن أبرز أسباب قيام ثورة 21 سبتمبر المجيدة:

أ. سياق تاريخي طويل من التبعية والوصاية

  • سيطرة صنوف من الهيمنة الإقليمية والدولية، واتباع سياسات وقرارات متأثرة بمراكز قوة خارجية، حولت القرار الوطني إلى لعبة سفارات ومصالح خارجية.
  • تدخلات عسكرية واستخباراتية أضعفت مؤسسات الدولة وجعلت البلد رهينة لسياسات تهميش الموارد الوطنية وتوجيهها لصالح أجنبي.

ب. فشل النخب الحاكمة وبروز مراكز النفوذ

  • جيشٌ استُخدم كقوة لحماية مصالح عائلية ومراكز نفوذ بدلًا من كونه حاميًا للوطن؛ ما زاد شعور الإقصاء والغضب الشعبي.
  • فساد بنيوي واسع: اختلاسات، وظائف وهمية، نهب أراضي وأملاك الدولة، وخصخصة مشوهة تركت الاقتصاد هشًا.

ج. انهيار اقتصادي واجتماعي

  • ارتفاع مؤشرات الفقر والبطالة.
  • هشاشة الخدمات الصحية والتعليمية، وانتشار سلاسل فقر وسوء تغذية لدى الأطفال.

د. انفلات أمني وتمدد الجماعات الإرهابية

  • نشاط تنظيميّات إرهابية وتكفيرية استهدف بيئات الاستثمار وسبل العيش واستغل الفراغ الأمني لضرب الأمان المجتمعي.
  • عمليات اغتيال وتفجيرات وتوسع نفوذ مسلح في كثير من المحافظات.

هـ. الشرارة السياسية

المبادرات الخارجية مثل المبادرة الخليجية، ومحاولات إعادة هندسة المشهد السياسي أدّت إلى اختناق بدائل وطنية حقيقية، ما دفع الشارع للتحرّك لإنقاذ القرار الوطني.

النتيجة: تداخلت عوامل اقتصادية وسياسية وأمنية وثقافية فأنتجت غليانًا شعبيًا انطلق في 21 سبتمبر كحراكٍ يطالب باسترجاع السيادة وإقامة إدارة وطنية حقيقية.

وهنا جاءت الثورة لتقول كلمة فاصلة: لا وصاية بعد اليوم، ولا عودة لزمن الخنوع.. فخرجت الجماهير بعنفوانها لتكسر القيود، مدفوعة بالوعي العميق بأن الاستقلال هو الشرط الأول للحياة الكريمة، وأن الكرامة لا تُستجدى بل تُنتزع انتزاعًا.

كيف جاءت الثورة وماذا حملت من أهداف؟.. خصائص مشروع ثورة 21 سبتمبر

منذ لحظة انتصارها، حملت الثورة على عاتقها مشروع بناء الدولة الوطنية المستقلة، التي تحمل منهجية إيمانية وسياسية جامعة لكل أبناء الوطن.

رؤية وطنية جامعة

  • لم تكن الثورة دعوةً للإقصاء، بل طرَحَت نموذجًا للشراكة الوطنية والسلم الداخلي (اتفاق السلم والشراكة مثالًا على محاولة توسيع القاعدة الوطنية).
  • أهداف محورية: استعادة القرار الوطني، بناء جيش وطني يحمي السيادة، مكافحة الفساد وإعادة توزيع الثروة لصالح الشعب، تعزيز الأمن الغذائي والتنمية المحلية، والدفاع عن قضايا الأمة ونصرة المستضعفين.

منهجية إيمانية وسياسية

  • ربط ثورة الـ21 من سبتمبر بثقافة قرآنية وقيمية، أعطاها إطارًا أخلاقيًا يركّز على الصمود والاعتماد على الذات مع التأكيد على القيم الإنسانية.

ماذا تغيّر بعد 21 سبتمبر؟.. نتائج كبرى وتحولات جوهرية

كخلاصة سريعة: من دولة مرتهنة إلى دولة تقاوم الوصاية؛ ومن جيش أداة قمع إلى مؤسّسة دفاع وطنية؛ من اقتصاد ريعي إلى مسارات نحو الاكتفاء الذاتي؛ ومن صمت سياسي إلى موقف صريح وعملي مع قضايا الأمة وخاصة فلسطين.

أ. استعادة القرار والسيادة

  • انتهى زمن التحكم الخارجي في شؤون الدولة؛ استعادت صنعاء دورها كمركز قرار وطني.
  • رفض الخضوع لهيمنة السفارات كان تغييرًا جوهريًا انعكس في سياسة خارجية مستقلة وداعمة لقضايا الأمة.

ب. تحويل الجيش والمؤسسة العسكرية

  • إعادة بناء الجيش كمؤسسة وطنية حقيقية.
  • بناء قدرات ردع نوعية: تطوير نظم صاروخية فرط صوتية وباليستية مختلفة المديات (دك كيان العدو الصهيوني بضربات بعيدة المدى)، توسيع قدرات الطائرات المسيرة، تطوير قدرات بحرية وصواريخ بحرية مكنت من مداخلة بحرية استراتيجية وتغيير قواعد الاشتباك.

هذه القدرات جعلت لليمن قيمة حسابية جديدة في المعادلات الإقليمية وأدخلت واشنطن و”تل أبيب” في معادلة ردع غير مسبوقة.

ج. الأمن الداخلي

– تراجع نفوذ الجماعات التكفيرية وإحكام الأجهزة الأمنية سيطرتها على كثير من المناطق.

د. الاقتصاد والمجتمع: مسارات مقاومة واستثمار ذاتي

  • إطلاق مبادرات وطنية للزراعة لإعادة الأمن الغذائي: إحياء الأوديـة وتشجيع زراعة القمح والحبوب في محافظات منتخبة؛ تزايد العمل التعاوني الزراعي.
  • نمو لصناعة محلية في أدوية والسلع الغذائية ومواد أساسية، وازدياد ثقافة «اشتري المنتج المحلي».
  • مواجهة حملة الإسقاط الاقتصادي ومحاولات إغراق السوق بعملات مزيفة ومطبوعات في مناطق مختلفة، من خلال سياسات نقدية محلية، وإصدار فئات نقدية وطنية؛ جهود للحفاظ على استقرار نسبي للعملة في مناطق القرار الوطني.
  • جهود مجتمعية لتنشيط المشاريع الصغيرة والمتوسطة كمصدر للوظائف والدخل.

هـ. السياسة الإقليمية والدعم للقضايا

  • بروز موقف يمني صريح وعملِي غير مسبوق نصرة لغزة وأبناء الشعب الفلسطيني، تجاوز الشعارات إلى الأفعال، من المسيرات المليونية إلى العمليات البحرية والصاروخية التي أربكت العدو الصهيوني وأربكت داعميه، وأدّت إلى تأثيرات فعلية على حركة العدو الصهيوني وتعطيل ممرات وموانئ ومطارات استراتيجية، وإخلال بتوازنات لوجستية.
  • الدولة اليمنية وقيادتها أصبحت صوتًا يدافع عن المستضعفين، ما أعطاها وزنًا في معادلات المنطقة والاقليم.

أمثلة نوعية على الإنجازات العسكرية والاستراتيجية:

  • تطويرات في مجال سلاح الجو والطيران المسير، وتحقيقها ضربات دقيقة ومركزة على أهداف استراتيجية وحيوية داخل عمق كيان العدو الصهيوني.
  • إطلاق صواريخ فرط صوتية وباليستية ومجنحة واستعمال صواريخ بحرية ضد أهداف بحرية متحركة؛ ما فرض تعديلاً على قواعد الملاحة البحرية وأثر على خطوط الإمداد والإرسال لكيان العدو.
  • قدرات دفاع جوي مكنَت من إسقاط طائرات تابعة لأنظمة أجنبية متقدمة، ما يغيّر موازين الرعب التقليدية في المنطقة.

هذه القدرات ليست شعارات؛ بل انعكست في ردود فعل وقياسات اجتماعية وسياسية لدى الخصوم، وأجبرت قوى عظمى على إعادة حساباتها.

ما الذي أتى به 21 سبتمبر للشعب اليمني؟

تعزيز الهوية والكرامة

  • استعادة الشعور الوطني والكرامة، ورفع الوعي بأن الانعتاق الوطني لا يأتي إلا بقرار شعبي وجهد وطني.

المشاركة المجتمعية

  • انخراط واسع للمجتمع في مبادرات الإنتاج والزراعة والصناعة المحلية؛ تعاظم دور الجمعيات التعاونية والمؤسسات الأهلية.

حماية ونصرة المستضعفين

  • تبنّي قضايا المستضعفين داخل الوطن وخارجه، وإعطاء أولوية سياسية وأخلاقية لقضية فلسطين كجزء من منظومة قيمية تتماشى مع جذور ومبادئ الثورة.

واقع الردود الإقليمية والدولية: انعكاسات استقلال القرار اليمني

  • الدول التي راهنت على بقاء اليمن «حديقة خلفية» وجدت نفسها أمام واقع جديد: صراع مع سياسات مستقلة ونفوذ ردع يفرض نفسه على المعادلات البحرية والسياسية.
  • إعادة التموضع اليمني في محور المقاومة شكل شوكة في خطط ومشاريع أمريكا وكيان العدو الصهيوني، وأعاد إلى اليمن سمعة سياسية مؤثرة لدى قطاعات واسعة من الأمة.

قراءة نقدية

إنجازات ثورة الـ21 من سبتمبر المجيدة عظيمة، وجلية على أرض الواقع، لكنها واجهت تحديات داخلية وخارجية كثيرة.. وهنا تجدر الإشارة إلى أن كثير من الأزمات الحالية سببها العدوان والحصار، وليس الثورة التي كانت سدًا منيعًا أمام السقوط الكامل.

ثورة تتجاوز الذكرى إلى مشروع مستدام

في عيدها الحادي عشر، تقف ثورة 21 سبتمبر كدرس عملي أن الحرية والسيادة لا تُمنح بل تُنتزع.. فالثورة أعادت للشعب اليمني صوته وكرامته، وبنت مقومات دفاعية واقتصادية جعلت اليمن لاعبًا محوريًا في معادلات الإقليم.

وستبقى ثورة 21 سبتمبر أيقونة الحرية وراية الكرامة، ودليلًا على أن ثورة الشعب اليمني لا تُطفأ، لأنها ثورة إيمانية ومشروع قرآني، وثورة أمة في وجه الطغيان، حتى يتحقق وعد المستضعفين بالنصر والتمكين.

نقلا عن موقع 21 سبتمبر