أفق نيوز
الخبر بلا حدود

ثورة الواحد والعشرون من سبتمبر .. هوية متجددة ومشروع تحرر شامل

45

أفق نيوز|

تقرير/ خاص

في ذكرى الثورة المتجددة، ومشروع التحرر الشامل لليمن الحديث ،  جاء خطاب السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حفظه الله، في العام 2016م لثورة 21 سبتمبر، بأحد أهم خطاباته الاستراتيجية التي لن تمحى من ذاكرة اليمنيين ،ليجسّد لحظة فارقة في مسار الثورة اليمنية، إذ لم يقتصر على إحياء المناسبة فحسب، بل قدّم مقاربة فكرية وسياسية تعيد تعريف الثورة باعتبارها مشروعاً مستمراً للتحرر والسيادة وبناء الدولة.

وفي الخطاب الثوري التاريخي الذي تزامن مع مناسبة عظيمة وهامة في تاريخ الأمة (عيد الغدير)، وجه السيد القائد هذا المقطع  في مرحلة دقيقة من المواجهة مع العدوان، ويستثمر رمزية الغدير لتأكيد البعد الإيماني والشرعي لمشروعية الثورة، ومن هنا، تتعدد الأبعاد والدلالات التي يحملها هذا الخطاب

البعد الثوري، إذ يُعاد فيه تعريف الثورة كحالة مستمرة من الوعي والتحرك الشعبي، لا تنتهي بإسقاط نظام، بل تبدأ مع كل خطوة نحو بناء دولة العدل والكرامة.

البعد السيادي، حيث تتجلى فيه رسائل حاسمة برفض الوصاية الخارجية، وتأكيد أن القرار اليمني يجب أن ينبع من إرادة الشعب الحرة، لا من تعليمات أجنبية أو مصالح دولية.

البعد التعبوي، فالقائد يُخاطب الحس الجمعي للأمة، ويعيد إحياء الروح النضالية التي تتجاوز الاعتبارات الحزبية أو المذهبية، مستدعياً قيم الإباء والحرية والكرامة في وجه الاستبداد والاستعمار.

البعد الأخلاقي والإنساني، حيث يفاضل بين مشروع التحرر الإنساني الشامل، ومشروع الارتزاق والتفريط، مبيناً أن المعركة ليست فقط سياسية أو عسكرية، بل صراع قيمي وجودي بين أحرار يتمسكون بالمبادئ، ومرتزقة يفرطون بكل شيء مقابل مصالح آنية.

بهذا الطرح، يبني السيد القائد رؤية استراتيجية للمستقبل، ويضع أسساً لتحول عميق في بنية الدولة والمجتمع، ترتكز على الاستقلال الكامل والتحرر الشامل والعدالة المنشودة.

 

في تثبيت الهوية الثورية وتجديد روح الثورة يقول السيد القائد لأبناء الشعب اليمني : ’’يجب أن نعيش الإحساس الثوري والوعي الثوري، والدافع الثوري، نحن ثوار، شعبنا ثائر، اليوم نحن ثورة في وجه العدوان والاحتلال، وبعد الغد نحن ثورة حتى إقامة دولة عادلة…’’ ، وهنا يعيد السيد القائد صياغة مفهوم “الثورة” ليس كفعل تاريخي منجز، بل كمسار حيّ يتجدد مع كل تحدٍّ ومرحلة. وهو تأكيد أن الثورة ليست محطة عابرة بل هوية نضالية وضرورة مستمرة لبناء الدولة العادلة.

ويشير هذا التوجيه إلى أهمية تحفيز الشعور الجمعي بالمسؤولية، وإبقاء الحالة الثورية في وجدان المجتمع، كحالة متفاعلة لا تنطفئ، مهما تباينت الظروف أو تبدلت الأولويات.

الثورة كأداة للتحرر من الاحتلال والوصاية يقول السيد القائد : “ثورة مستمرة حتى يتحقق لنا في هذا البلد حرية واستقلال .. لا وصاية لأمريكي، ولا لإسرائيلي، ولا لسعودي، ولا لأي كائن في هذه الدنيا..”

هذه الرسالة تنطلق من مرجعية واضحة في رفض التبعية السياسية والأمنية، وتحمل دلالة مباشرة على أن معركة التحرر لم تنتهِ، فالثورة هنا ليست مجرد تغيير نظام، بل هي تحرر من الهيمنة الخارجية، وبناء قرار وطني مستقل.

كما أن هذا الموقف يربط بين الإيمان بالله وبين التحرر من هيمنة الطغاة، يمنح المشروع الثوري شرعيته الإيمانية إلى جانب شرعيته الوطنية.

فرز القيم والمواقف بين الأحرار والمرتزقة يقول السيد القائد حفظه الله، في وصفه للمرتزقة والمنافقين : “معهم شوية من المنافقين والمرتزقة، عبيد، يشتوا بقية الـيَـمَـنيين عبيد مثلهم، معهم شوية من الأنذال الذين باعوا أنفسهم بشوية فلوس، مفرغين لا أخلاق ولا قيم ولا أي شيء، ويريدون كُلّ الـيَـمَـنيين كأولئك، ولكن هذا بعيد عليهم بعد السماء عن الأرض، وبعد الثريا من الثرى، لأن هناك في الـيَـمَـن مؤمنون، وهناك أحرار، وهناك من لا يزالون يختزنون في كُلّ وجدانهم ومشاعرهم وأحاسيسهم كُلّ المشاعر الإنْسَانية النبيلة والشريفة، أحرار أعزاء كرماء نبلاء شرفاء، لا يقبلون بالهزيمة ولا بالذل، ولا بالهوان ولا يخنعون ولا يخضعون إلا لرب السماوات والأرض رب العالمين”

في هذه الفقرة، يتجلّى الفرز الحاد بين مشروعين متضادين، مشروع التحرر والسيادة الذي يمثله “الأحرار، الكرماء، الشرفاء”، ومشروع الارتزاق والخضوع الذي يتجسد في “المنافقين والأنذال”، وهنا يعيد السيد القائد رسم خريطة الصراع لا كصراع سياسي، بل كصراع قيمي وإنساني وأخلاقي، بين من باعوا ضمائرهم مقابل المال، وبين من تمسكوا بكرامتهم.

مسؤولية النخب والقيادات في تعزيز الزخم الثوري يقول السيد القائد : “وعلى النخب مسؤولية كبيرة جداً أمام الله والتأريخ أن تتحرك على المستوى المعنوي والتعبوي بين أوساط الجماهير…”

هنا يُحَمّل الخطاب مسؤولية كبرى للنخب الثقافية والدينية والسياسية في تأطير الوعي الشعبي وتوجيهه، بما يتجاوز الشعارات إلى ترسيخ قناعة جماهيرية بأن الثورة ليست فقط فعل مواجهة، بل فعل بناء وتثقيف وتعبئة مستمرة، ويشير أيضاً إلى أهمية استلهام تجارب الأمم الحرة، ووضع الثورة اليمنية في سياق عالمي مناهض للاستبداد، ليمنحها بذلك عمقاً إنسانياً وحضارياً.

الثورة كوجدان، وكفعل، وكاستحقاق مستقبلي يقول السيد القائد يحفظه الله : “يجب أن نعيش الحالة الثورية إحساساً عالياً بالمسؤولية ترجمة للألم والأمل في موقف عملي مثمر… الثورة لم تنتهِ، الثورة خطت خطوة واحدة إلى الأمام…”

الثورة، وفقاً لهذا التصور، لا تقتصر على الفعل السياسي، بل تشمل حالة وجدانية تعبّر عن الألم الناتج عن العدوان، والأمل في المستقبل السيادي، ما يستوجب تحويل هذا الوجدان إلى فعل عملي منتج، وهنا تتجلى رؤية متماسكة، أن الثورة لا تموت لأنها لم تحقق بعد كل أهدافها، بل تتقدم بخطى محسوبة نحو تحقيق الحرية والعدالة.

السيادة والقرار الوطني ،، لا وصاية على اليمن يقول السيد القائد:  “نأبى إلا أن نكون شعباً حراً مستقلاً… نحن خاضعون لله، ونحن شعب مسلم، لنا الحق أن نكون أحراراً نقرر بأنفسنا…”

تأتي هذه الخاتمة في هذا الخطاب التاريخي كرسالة قاطعة تبلور عقيدة السيادة الوطنية، وتؤكد أن اليمن لا يقبل أن يكون تابعاً لأي طرف خارجي، أياً كان، ويتم هنا نفي شرعية أي نظام سياسي يتلقى قراراته من الخارج، في تأكيد على أن الثورة لم تُقَم لتغيير الوجوه، بل لتغيير منطق السلطة والقرار.

خاتمة

يمثل هذا الخطاب في مضمونه واتجاهه بياناً سياسياً وأخلاقياً وفكرياً جامعاً، يعيد تفعيل الذاكرة الثورية، ويثبت دعائم الوعي الشعبي في وجه مشاريع الاحتلال والتفريط، وبصوت عالٍ، يضع السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي،حفظه الله، معالم الثورة، لا توقف، لا مساومة، لا وصاية، فالثورة لا تزال في بدايتها، ومشروع التحرر الوطني ما زال يتقدم بخطى ثابتة، محمولاً على أكتاف المؤمنين الأحرار الذين يأبون إلا أن يكونوا عبيداً لله وحده، وأسياداً في أوطانهم.

نقلا عن موقع يمانيون