أفق نيوز
الخبر بلا حدود

الأسباب العميقة لـ #ثورة_21_سبتمبر.. قراءة في عوامل الانفجار

49

أفق نيوز|

 لم تكن ثورة 21 سبتمبر 2014م مجرد ردة فعل على قرار اقتصادي، بل كانت انفجاراً حتمياً لتراكمات من الإخفاقات السياسية، والانهيار الأمني، والتدهور الاقتصادي، والتدخل الخارجي السافر.

في الفصل الثالث من رسالته “ثورة ٢١ سبتمبر وتأثيراتها على اليمن والمنطقة العربية”، يقدم الباحث مهدي المشاط تشريحاً دقيقاً للأسباب والعوامل المتعددة التي نضجت في رحم المرحلة الانتقالية (2011-2014) وأدت بشكل مباشر إلى اندلاع الثورة الشعبية.

 

 

 الإخفاق السياسي.. انتكاسة مسار ثورة فبراير وتفريغ الحوار الوطني
يرى الباحث أن السبب السياسي المباشر يكمن في فشل السلطة الانتقالية، التي تشكلت بموجب المبادرة الخليجية، في تحقيق أي من تطلعات الشعب اليمني.
  • صراعات أجنحة السلطة: بدلاً من العمل كفريق واحد، انخرطت حكومة الوفاق (المشكلة من حزبي المؤتمر والإصلاح) في صراعات مريرة على النفوذ والمناصب، وتحولت مؤسسات الدولة إلى ساحة لتصفية الحسابات، مما أدى إلى شلل تام في أداء الحكومة وعجزها عن تقديم أبسط الخدمات.
  • إفشال مخرجات الحوار الوطني: على الرغم من أن مؤتمر الحوار الوطني خرج بتوصيات مهمة، إلا أن السلطة الانتقالية، وبتوجيه خارجي، عملت على إفشالها، تبرز الرسالة كيف تم فرض “مشروع الأقاليم الستة” بشكل قسري، رغم رفض مكونات أساسية مثل أنصار الله والحراك الجنوبي، كان هذا المشروع، كما يحلله الباحث، يهدف إلى تمزيق اليمن وخدمة أجندات خارجية، وشكل تحدياً سافراً لمبدأ التوافق الوطني.
الانهيار الأمني والعسكري.. القاعدة كأداة في الصراع
توثق الرسالة بالتفصيل حالة الانفلات الأمني المريع التي سادت البلاد خلال تلك الفترة، والتي لم تكن عفوية، بل كانت جزءاً من مخطط لإثارة الفوضى.
  • الاغتيالات والتفجيرات: شهدت اليمن موجة غير مسبوقة من الاغتيال والتفجيرات التي طالت قيادات سياسية وعسكرية وأمنية، بالإضافة إلى استهداف المواطنين والمنشآت الحيوية، توضح الرسالة أن هذه العمليات كانت تهدف إلى إرباك المشهد وخلق حالة من الخوف والفوضى.
  • توسع الجماعات التكفيرية: يكشف الباحث كيف تم استخدام الجماعات التكفيرية (ما تسمى القاعدة وأنصار الشريعة) كأداة في الصراع السياسي، تم تمكين هذه الجماعات من السيطرة على مناطق ومدن بأكملها في المحافظات الجنوبية والشرقية، وتغاضت السلطة عن أنشطتها، بل وتواطأت معها في بعض الأحيان، وفي المقابل، تم تأجيج الحروب ضد أنصار الله في الشمال (دماج، كتاف، عمران) تحت غطاء محاربة “التمرد”، مما كشف ازدواجية معايير السلطة.
 الإخفاق الاقتصادي.. سياسة الإفقار الممنهج
كان العامل الاقتصادي هو الشرارة المباشرة التي فجرت غضب الشارع، لكنه كان نتيجة لسياسات اقتصادية فاشلة وموجهة.
  • الفساد وهدر الموارد: استشرى الفساد بشكل غير مسبوق في حكومة الوفاق، حيث تم هدر الموارد والمنح الخارجية في غير وجهتها الصحيحة، تناولت الرسالة بالتحديد الفساد في قطاع النفط والغاز، وتفشي التهرب الضريبي، مما حرم الخزينة العامة من موارد حيوية.
  • قرار الجرعة القاتل: في ظل هذا الوضع المتردي، جاء قرار الحكومة برفع الدعم عن المشتقات النفطية كضربة قاصمة للمواطنين، يحلل الباحث هذا القرار ليس كإجراء إصلاحي، بل كسياسة إفقار ممنهجة تم اتخاذها استجابة لإملاءات صندوق النقد الدولي، ودون أي مراعاة للآثار الكارثية على حياة الناس، مما جعله سبباً مباشراً للخروج الشعبي الواسع.
العامل الخارجي.. الوصاية التي قوضت السيادة
يؤكد المشاط في رسالته أن كل هذه الإخفاقات الداخلية كانت مرتبطة بشكل وثيق بالتدخل الخارجي الذي وصل إلى حد الوصاية الكاملة على القرار اليمني.
  • هيمنة السفراء: تحول سفراء “الدول العشر الراعية للمبادرة” إلى حكام فعليين للبلاد، يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة، من تشكيل الحكومة إلى صياغة الدستور وهيكلة الجيش.
  • تقويض السيادة: هذا التدخل السافر أفقد الدولة اليمنية سيادتها، وجعل قراراتها مرهونة برضا الخارج، وهو ما أدى إلى تبني سياسات تتعارض مع المصلحة الوطنية العليا، وكان قرار الجرعة الاقتصادية أبرز مثال على ذلك.
حتمية الثورة لتصحيح المسار
يخلص الفصل الثالث إلى أن ثورة 21 سبتمبر لم تكن انقلاباً أو تمرداً، بل كانت ضرورة تاريخية وحتمية فرضها فشل المرحلة الانتقالية على كافة الأصعدة، لقد كانت الثورة تصحيحاً شعبياً لمسار انحرف عن أهدافه، ورفضاً قاطعاً للفساد والتبعية والوصاية.
إن تراكم الإخفاقات السياسية والأمنية والاقتصادية، المقترن بالتدخل الخارجي السافر، هو ما خلق الظروف الموضوعية التي جعلت من الانفجار الثوري أمراً لا مفر منه.
المصدر: يمني برس | خاص