أفق نيوز
الخبر بلا حدود

إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ

47

أفق نيوز|

عبدالإله عبدالقادر الجنيد

في ليلٍ حالكٍ ظلمته، وزمانٍ اشتدَّ على الأمة وطأته، واستحكم فيه طغاة الأرض على مصائر شعوب العالم برمته.

فأمست الأمة تعانق انتكاستها، وتتدثر بدثار هوانها، وترتدي رداء ذلها، وتلوذ بصمتها خوفًا وخشية من عدوٍّ يصطفُّ الغرب الكافر إلى جانبه، ويؤويه تحت حمايته، ويمنحه رعايته الكاملة وفائق عنايته.

وأضحت فلسطين السليبة تعاني الويل والثبور من عدوٍّ محتلٍّ مغرور، قد أحكم عليها قبضته.

والشعب الفلسطيني المستضعف من عدوٍّ لدود، متروكٌ من الأمة، يعيش الوحدة والغربة، ويتجرع ويلات التعذيب والإذلال من عدوٍّ بغى وتجبَّر، بدافع عنصريته وعنجهيته.

ولما لم تحرِّك الأمة ساكنًا حيال جرائمه، تمادى في تكبُّره وغطرسته، فأثخن في القتل والأسر والدمار والتهجير لأبناء الأرض من أرضهم، وإجلائهم من ديارهم، والتوسع في بناء المغتصبات بلا رادع يوقفه عند حده.

هنالك اقتضت مشيئة الله وإرادته رحمةً بعباده، وتلطُّفًا بهم بفضله وعظيم رحمته.

وحينما تخلَّى العرب عن مسؤوليتهم، استبدلهم الله بغيرهم، فاجتبى سبحانه وتعالى للقضية وليًّا ناصرًا من أوليائه، وعلمًا من أعلام الهدى، وقائمًا بالحق من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك هو الإمام الخميني قدس الله سره الشريف.

وحينما اكتسح العدو الغاصب جنوب لبنان حتى احتل بيروت العاصمة، رأى سَلَّامُ الله عليه بحكمته التي أوتيها من الله أن قيام مقاومة شعبية في جنوب لبنان وفلسطين هي الحل الأنجع لمواجهة العدو ولجمه وكسر شوكته.

ولا شك أن قدراتها ستتعاظم مع الوقت، وتصبح القوة الضاربة في المنطقة، والعصيَّة على المحتل، المُنكِّسة لكبريائه، القاصمة لظهره، الموقفة لأطماعه.

وفي بداية التسعينيات من القرن الماضي، سطع نجم القائد المجاهد شهيد الإسلام والإنسانية السيد حسن نصر الله رضوان الله عليه.

فما كان الله ليذر اليهود الغاصبين المحتلين، أعداء الله ورسوله وأوليائه والمؤمنين، يفسدون في الأرض ويهلكون الحرث والنسل، دون أن يسلط عليهم من عباده من يسومهم سوء العذاب، مصداقًا لقوله سبحانه وتعالى: *{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}* [الأعراف: 167].

فأضحى بتوليه منصب الأمين العام لحزب الله بعد استشهاد السيد عباس الموسوي سلام الله عليهما، أمل الأمة الذي بفضله ولى زمن الهزائم وأقبل زمان الانتصارات، التي توجتها المقاومة الإسلامية اللبنانية (حزب الله) في أوائل القرن الحالي.

فانبلج بمجيئه صبح زمن جديد بعد ليل طويل، وانجلت الكربة، وانكشفت الغمة، واستبشرت الأمة بميلاد فجر زمن النصر.

ولكأنما فيه نادى منادٍ في آفاق السماء الدنيا: ألا أيها المؤمنون الصادقون المستضعفون، إن الله سبحانه وتعالى قد استجاب لدعائكم، فاصطفى لكم وليًّا ناصرًا للمستضعفين من عباده، مجاهدًا في سبيل الله، لا يخشى في الله لومة لائم، وعلمًا من أعلام الهدى من آل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

حسنٌ في اسمه، فأوحى إلى أبويه أن يسمياه الحسن، وحسنٌ في رسمه، فأولاه الله سبحانه وتعالى بمكارم الأخلاق وأحسنها.

وإنه لنصر الله الذي وهبه الله للأمة، اسماً يدل على واقع وحقيقة النصر الإلهي الذي خصه الله به، وأكرم المؤمنين المستضعفين بعظيم فضله ومنته وجوده.

فإذا جاء نصر الله المقرون بالفتح الموعود لعباد الله الصالحين، نتيجة جهادهم وبلائهم في سبيل الله، فاشكروا الله على عظيم عطائه، وسبحوه لعظيم جلاله، واستغفروه لتستحقوا نصره وتمكينه، ولا تفرطوا فيه، إنه كان بعباده بصيرًا.

ولهكذا مكنه الله سبحانه وتعالى من عدوه، فنصر عبده وأعز جنده، وهزم الكيان ربنا الأعلى وحده، وتحقق للبنانيين النصر الإلهي في العام 2000م، وتلاه النصر العظيم في العام 2006م.

ولقد آتاه الله من الحكمة والعلم والفصاحة والقول الفصل ما لم يؤته أحدًا من أهل زمانه.

إذ كان يرعب العدو الصهيو-أمريكي بصدق كلامه وقوة بيانه، يحسب العدو لكل كلمة من كلماته وتهديد من تهديداته ألف حساب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله واسع عليم.

ولم يزل لجميع فصائل المقاومة الفلسطينية المدد والسند ومن خلال حزب الله عبر سوريا تصل كل الأسلحة المقدمة من إيران لمواجهة المحتل ومقاومته.

وفي معركة طوفان الأقصى، كان لنصره غزة أول مبادر وخير داعم ومساند، كما كان لليمن في العدوان عليها من قبل الحاضر والحامل لمظلوميتها، والداعم لها، في كل الأوقات وعند الشدائد.

إنه ذلك القائد الفارس، والليث الغالب، لمقارع الأعداء متأهب، وللشهادة راغب وطالب .

ذلك أن الدنيا هانت في عينيه، باذلاً نفسه في سبيل الله مهما بلغ حجم التضحيات والنوائب، متحديا لكل المصاعب متحملا للمتاعب.

وفي أقدس وأشرف معركة خاضها مع أعداء الله نُصرةً ودعمًا وإسنادًا للمستضعفين في غزة وفي سبيل رب العالمين نال أسمى أمانيه فتوج مسيرته الجهادية بالشهادة التي طالما دعا الله سبحانه وتعالى أن يختم له بها، ففاز فوزًا عظيمًا على خطى جده الإمام الحسين سلام الله عليهم أجمعين.

وكيف لا يمضي على درب الإمام الحسين، وهو الذي طالما تعلمنا منه دروس كربلاء ومصاب أبي عبد الله الحسين سيد الشهداء؟ فلكم كنا ننتظر إطلالته بمحبة وشوق في ليالي عاشوراء، لنستلهم منه معاني الصبر على الابتلاء وانتصار الدم على السيف بثبات وعزة وإباء، حتى حوَّل في واقعنا مأساة عاشوراء من حزن وبكاء إلى قيام بالمسؤولية، وتحرك وجهاد ووفاء.

فهنيئًا له حسن الخاتمة، ونيل وسام الله الأعلى الذي أنعم الله به عليه، فترقى إلى جوار الله الأعلى في خاصة أوليائه الشهداء، مع النبيين والصديقين، وجده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والإمام علي، والحسن، والحسين، وفاطمة الزهراء. إن الشهادة هي شجرة الخلد التي أنعم الله بها على عباده، والفوز بها انتصار على الموت، وفوز بالحياة الخالدة، وإحياء للقضية في الأجيال اللاحقة بحياة الشهداء، وإن ذلك لهو الفوز العظيم.

هنالك تسلم الراية السيد القائد المولى عبد الملك بن بدر الدين الحوثي رضوان الله عليهم، ليكمل المسيرة على خطى الإمام الحسيز وزيد وظن بعدهم أعلام الهدى، في معركة الجهاد المقدس، والفتح الموعود، والنصر المبين.