“ننام بعيون مفتوحة”.. أمهات غزة يروين كيف يحاصر الخوف أطفالهن كل ليلة
أفق نيوز|
في مدينةٍ غارقة في الدخان، حيث تتعاقب أصوات الانفجارات كنبضٍ لا يتوقف، يعيش الغزيون ليالٍ من الرعب لا تشبه أي ليلٍ آخر. لا ظلام يخيّم بسلام، ولا فجر يلوح ببداية جديدة، فقط سماء تُمطر نارًا وأرض تبتلع الأحلام.
منذ أن قررت حكومة العدو الإسرائيلي في الثامن من أغسطس الماضي، إعادة احتلال قطاع غزة تدريجيًا، بدأت فصول جديدة من الجحيم، ابتدأت من قلب مدينة غزة التي يقطنها أكثر من مليون فلسطيني.
هجوم شامل طال البيوت والمستشفيات والمخيمات، وامتد ليطال كل ما يحمل حياة. وبين الركام، تختبئ قصص النجاة المستحيلة.
نجلاء عادل، 30 عامًا، من حي الصبرة، بصوتٍ متعبٍ لا يخلو من ارتجاف، وكأنها ما زالت تسمع صدى الانفجار في أذنها تتحدث لـ وكالة سند للأنباء: “الليل هنا لا يعني راحة أو هدوء، بل خوف. ننام ونحن ننتظر الصوت القاتل… تخيّلوا، عربة صغيرة محشوة بأطنان من المتفجرات تنفجر وسط الأحياء، تأكل من البيوت، وتقتلع كل شيء حولها.”
تتوقف للحظة، تتنفس بعمق، ثم تتابع: “قبل أيام فقط، انفجر ريبوت قرب حارتنا، الهزة كانت قوية لدرجة أن الجدران تكسرت والنوافذ تحطمت.. شعرت أن روحي تُنتزع من جسدي.
أطفالي يختبئون كلما سمعوا صوت طائرة (كوادكابتر) في السماء، هذه الطائرات تطلق النار وتسقط صناديق متفجرة على الأسطح. لا نعرف متى يأتي دورنا.”
أما علاء السوسي، 50 عامًا، فيصف ما يجري بأنه سياسة تدمير ممنهجة: “لم يعد هناك أهداف عسكرية، بل عائلات تُباد. قصفوا منازل آل الخور ودغمش وبكر… كل مرة أسمع عن عائلةٍ أُبيدت بالكامل، أتخيل الأطفال والنساء تحت الأنقاض، لا وقت للهرب، ولا حتى صرخة أخيرة.”
يضيف بصوتٍ مثقلٍ بالحزن : “انفجار ريبوت واحد دمّر أكثر من عشرة منازل في حيّنا، لم ينجُ أحد دون إصابة أو فقدان. الآن، كل طائرة تحوم في الليل، تشبه لعنة لا تنتهي.”
في مخيم غرب غزة، تحاول نورهان الزبدة، شابة في العشرين من عمرها، أن تجد ملجأً لأطفالها بين جدران من قماش مهترئ: “تركنا كل شيء خلفنا.. بيتنا صار رمادًا. ننام على الأرض الباردة بلا ماء نظيف، ولا كهرباء. أطفالي مرضى، والماء ملوث. لا دواء، ولا أمل.”
تتحدث ودموعها تخنق صوتها: “كل صوت طائرة يجعل أطفالي يصرخون، وأنا معهم. أصبحت أعاني من نوبات هلع، لا أستطيع أن أطمئنهم، ولا أعرف إن كنا سننجو.”
بحسب شهادات السكان، فإن “العربات المفخخة” التي يستخدمها جيش العدو الإسرائيلي هي ناقلات قديمة محشوة بمواد شديدة الانفجار، تُرسل عن بُعد لتنفجر وسط الأحياء، مخلّفة دمارًا هائلًا في دائرةٍ تمتد لمئات الأمتار.
أما الطائرات المسيّرة الصغيرة، فتُحلّق على ارتفاع منخفض، تطلق النار بشكل عشوائي، وتُسقط متفجرات صغيرة تبث الرعب أكثر مما تُحدث من دمار.
جراء القصف الصهيوني المتواصل، تُرك آلاف الغزيين بلا مأوى، ينامون في مدارس مكتظة وملاجئ تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة.
المدينة التي كانت تضج بالحياة، صارت الآن مدينةً من رماد، يغطيها الغبار ويخنقها البارود، فيما وسط الركام والرماد، تتعالى أصوات الأطفال المتعبة، صرخاتهم تطلب النجدة، وتقول للعالم: نحن هنا، نحتاج إلى من يسمعنا.!