ألم يتحدث عن الجنة والنار بأنها تسمى مأوى؟ أنها أمه التي يأوي إليها؟ يرجع إليها؟ {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} (القارعة:9).
لم يتحدث عنها بأنها هي الغاية من وجوده. ومن سار على هدي الله سبحانه وتعالى في هذه الدنيا، هناك وعود كثيرة له في الدنيا، ووعد عظيم في الآخرة، كما هناك تهديد شديد وعقوبات في الدنيا هنا، وعقوبات في الآخرة.

فعندما قدمت المسألة على هذا النحو: أصبحت لدينا مفاهيم كثيرة مغلوطة، وأصبحت نظرتنا إلى الدنيا هذه بأنها دنيا لا علاقة لنا بها أبداً، لا علاقة لنا بها أبداً! وفهمنا الدين في أنفسنا وفهَّمنا الآخرين بأنه دين لا علاقة له بالدنيا، والدنيا هذه هي الحياة، أي لا علاقة لهم بحياتنا الدنيا.
قدم الوعد والوعيد بأنه يعني فقط: [الجنة والنار] ولم يأت حديث عن ما وعد الله به أولياءه في الدنيا، عن ما وعد الله به من يستقيمون في الدنيا، من يهتدون بهديه في الدنيا، ألم يعد وعوداً كثيرة؟
وقدم الوعيد بأنه النار فقط!! ولم يأت حديث عن ما توعد الله به المجرمين والفاسقين والضالين والمعرضين عن هديه هنا في الدنيا.

فالذي يجب أن نفهم: وعداً ووعيداً، وعداً ووعيداً يبدأ من الدنيا هنا وينتهي بالآخرة، حتى أصبحنا – لخطورة سلبيات هذا المفهوم، مفهوم: الوعد والوعيد – أصبحنا نعيش في حالة وعيد هي مما توعد الله بها من يعرضون عن ذكره، من يقعدون عن نصرة دينه؛ فأصبحنا نعيش في حالة من الذلة، وحالة من الإهانة، وحالة من الاستضعاف، هي حالة عقوبة، ولكن لا نعتبرها عقوبة، وناسين، بل نتعبد الله بها! أليس هذا مفهوماً مغلوطاً؟.
أنت في حالة عقوبة على ما قصرت وإذا بك تنظر إلى ما أنت فيه فتتعبد الله بالصبر عليه! وتتعبد الله بالبقاء عليه إلى آخر أيامك؛ لأنه هكذا فهمنا: أن الوعيد هو ذلك الذي هو مرتبط بالنار.

ألم يذكر الله في القرآن الكريم في آيات كثيرة الوعد والوعيد هنا في الدنيا؟ {وَأن َلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً}(الجـن:16) أليس هذا وعداً إلهياً؟ {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}(الأعراف: من الآية96) أليس هذا وعداً إلهياً في الدنيا؟ {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} (نوح:10 – 12) أليس هذا الكلام وعداً من الله في الدنيا؟ {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج: من الآية40). {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(المنافقون: من الآية8) أليس هذا وعداً في الدنيا؟.

{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ}(القصص: من الآية5 – 6) أليس هذا وعداً إلهياً هنا في الدنيا؟ {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(آل عمران:112) أليست هذه عقوبة في الدنيا ووعيداً في الدنيا؟ {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}(الروم: من الآية41) أليس هذا وعيداً في الدنيا أن يذيقهم؟ {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} (الأعراف:152) أليس هذا وعيداً أن المفترين سيذلهم الله، سيعاقبهم الله؟
وهكذا تجد القرآن الكريم مليئاً بهذا، مليئاً بالوعد والوعيد، وأن تؤمن بأن الوعد والوعيد يبدأ من هنا من الدنيا؛ أنت ستستطيع أن تفهم واقعك، تستطيع أن تعرف وضعيتك التي أنت فيها، هل أنت في وعد أو وعيد؟ هل أنت داخل مثوبة من الله أو داخل عقوبة من الله؟.

لو كنا نفهم الوعد والوعيد يبدأ من هنا من الدنيا لما اختلطت الأوراق علينا، فأصبحنا نتعبد الله بالبقاء على حالة الذلة التي نحن عليها، كيف هذا؟ أصبحت العقوبات هنا في الدنيا لا نحس بها، العقوبات الإلهية، ألم يقل عن بني إسرائيل عندما ضرب عليهم الذلة والمسكنة بأنه بما عصوا وكانوا يعتدون، أي هكذا سيعمل بالعصاة وسيعمل بالمعتدين. هذه الأشياء التي نؤكد على ضرورة اعتماد القرآن الكريم فيها بالذات: أن نفهم الوعد والوعيد الإلهي بمعناه الكامل، الذي يبدأ من هنا من الدنيا وينتهي في الآخرة.
وأن كل ذلك الوعد والوعيد الذي يبدأ من الدنيا وينتهي في الآخرة، عندما يحدثنا عنه بأنه لن يتخلف، كله ليدفعنا إلى الإستقامة على هديه، والثبات على ما أرشدنا إليه.
جهنم، أليست جهنم هي لدينا وقدمت في القرآن الكريم هي العذاب الشديد؟ فعلاً نعوذ بالله من جهنم، جهنم هي مستقر غضب الله سبحانه وتعالى وسخطه، جهنم جعلها الله عذاباً شديداً فوق ما يمكن أن يتصور الناس {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}(الزمر: من الآية47).

دروس من هدي القرآن الكريم
معرفة الله وعده ووعيدة – الدرس التاسع
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 28/1/2002م
اليمن – صعدة