أفق نيوز
الخبر بلا حدود

غربال الحقيقة بعد طوفان الأقصى

49

أفق نيوز|

بشير ربيع الصانع

منذ السابع من أُكتوبر، ومنذ أن دوّى صدى طوفان الأقصى في أرجاء الأرض، انكشفت الأقنعة وسقطت أوراق التوت عن وجوهٍ كانت تتغنّى بالقضية الفلسطينية صباح مساء. كنا نسمعهم في القنوات، نراهم على المنابر، يرفعون الشعارات ويجمعون التبرعات وينشدون الأناشيد.. حتى خُيِّل إلينا أنهم حُرَّاسُ القدس وحُماتها. لكن حين جاء يوم الجد، يوم المواجهة، لم نجد لهم أثرًا، وكأننا كنا نتابعُ فيلمًا طويلًا في ذاكرةٍ من خيال.

سقطت الكلمات الرنانة، وتبخّرت تلك الأصوات التي كانت تُغرِقنا بالعواطف، لتظهر حقيقة مُرّة: كثيرٌ ممن ادّعوا حبّ فلسطين لم يحملوا همّها إلا ليركبوا الموجة، وليتاجروا بدموع الناس ووجدانهم. وما أن ارتفعت راياتُ المقاومة الحقيقية حتى وقفوا ضدها، يطعنونها من الخلف ويُبرّرون للعدو جرائمه تحت مسمّياتٍ واهية.

أين إعلامهم اليوم؟ أين خطباؤهم الذين ملؤوا المنابر نداءً للجهاد؟

هل ذهبوا إلى فلسطين؟ هل حملوا السلاح أَو حتى الكلمة في وجه الكيان المغتصب؟

لا، بل انقلبت بوصلتهم، فصاروا يحرضون على من يساند غزة، ويُكفّرون من يدافع عنها، ويُشيطنون كُـلّ يد تمتد لنصرتها.

لقد تحوّل بعضهم إلى نسخةٍ طبق الأصل من الصهيوني، يردّدون ما يقول العدوّ حرفًا بحرف، يبرّرون قصفه، ويبرعون في جلد المظلوم بدلًا من المجرم.

قال الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه: “ربما نحن في آخر الزمان، ينقسم الناسُ إلى صفين: مؤمنين صريحين أَو منافقين صريحين”.

فالقضية الفلسطينية كانت ولا زالت ميزانًا للحق والباطل، ومحرارًا يكشف معادن البشر. فمن وقف مع المظلوم كان مع الله، ومن صمت أَو تواطأ أَو خذَّل فقد اختار خندق الباطل.

القرآن الكريم رسم ملامح هؤلاء بوضوح:

قال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أولياء مِنْ دُونِ الْـمُؤْمِنِينَ}.

وقال سبحانه: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَو أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أنفسهِمْ نَادِمِينَ}

إنها صفات تتكرّر اليوم كما هي، وكأن الآيات نزلت تصف واقعنا.

فالمنافق لا يريد أن تُرفع راية، ولا أن يُقال إن هناك من انتصر للمظلومين، لأنه يخاف أن تنكشف خيانته.

هؤلاء لم يكونوا يومًا أنصارا لفلسطين، بل كانوا يستثمرون في مشاعر الناس ليصعدوا إلى المنابر، وليحكموا باسمها، حتى إذَا جاءت ساعة الصدق، انكشف زيفهم وسقطت أقنعتهم.

أما أُولئك الذين رفعوا شعار فلسطين بصدق، فرفعهم الله، وأعلى ذكرهم، وأبقى أثرهم، مهما حاولت جيوش الإعلام وأموال الخيانة أن تطمس نورهم.

لقد أصبحت القضية الفلسطينية خافضة رافعة، ترفع الأحرار الصادقين، وتُسقط المزيفين الذين باعوا دينهم ومبادئهم بثمنٍ بخس.

انظروا اليوم إلى من نصرها، كيف منحهم الله كرامة الموقف، وهيبة العزة، ومحبة الناس.

وانظروا إلى من خذلها، كيف ضاعوا في ذُلّهم، لا مكان لهم في وجدان الأُمَّــة ولا في صفحات التاريخ.

في النهاية، لا عزاء للخونة، ولا خوف على المقاومة ما دامت تستمد قوتها من وعد الله.

قال تعالى: {لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جميعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئك هُمُ الْخَاسِرُونَ}، صدق الله العظيم.