أفق نيوز
الخبر بلا حدود

عامان من الدم والنار .. غزة تنزف والعالم يتواطأ بالصمت

45

أفق نيوز| تقرير|

مرّ عامان على السابع من أكتوبر 2023، وغزة ما زالت تنزف كما لو أن الجرح لم يُفتح إلا البارحة. جرحٌ يتجدد يوميًا، ينزف أطفالًا، أمهاتٍ، وأحلامًا لم تُولد بعد، في غزة، لا زالت الحياة تتآكل تحت وطأة آلة صهيونية تمتهن القتل وتمارس الإبادة دون هوادة، عامان من الحصار والموت والخذلان، تُغلّف فيهما الجريمة الإسرائيلية بغلاف الصمت الدولي والتواطؤ الأممي. جريمة مكتملة الأركان، يُمارسها الاحتلال الإسرائيلي دون رادع، ويشاهدها العالم بلا حراك، كأنما تواطأ الضمير الإنساني مع القاتل، فقط لأن القاتل يهودي والضحية فلسطيني مسلم.

أرقام تتحدث بلغة الفاجعة
في الذكرى الثانية للعدوان، أصدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بيانًا موجعًا كشف عن أرقام لم تعد مجرد إحصاءات، بل تحوّلت إلى مقابر جماعية من المعنى والإنسانية، يوميًا، يُضاف إلى غزة، 77 طفلًا جديدًا يُصبح يتيمًا، و29 سيدة تفقد زوجها وتتحول إلى أرملة، و16 امرأة حامل تُجهض جنينها بسبب الجوع، الرعب، أو القصف، إنها دورة موت يومي، لا تعرف توقفًا، ولا تميّز بين صغير وكبير، ولا بين حلمٍ وواقع.

 

حصيلة الإبادة الجماعية
وفق وزارة الصحة في غزة، بلغت حصيلة العدوان حتى الآن، 67173 شهيدًا، و 169780 جريحًا، ومن بين الشهداء، 20179 طفلاً، و10427 سيدة، و 4813 من كبار السن .

هي أرقام لا تصف الموت فقط، بل تُوثق انقراض حياةٍ كاملة، عائلاتٌ أُبيدت من السجلات المدنية ومن الذاكرة، لم يتبقَ منها إلا بقايا تحت الركام، وصور معلّقة على جدران مهدّمة.

 

الطواقم الطبية في مرمى النار
العدو لم يكتفِ بقتل الجرحى، بل استهدف من حاول إنقاذهم، 1701 من الطواقم الطبية استُشهدوا، من أطباء، ممرضون، ومسعفون، و 362 من الكوادر الصحية أُسروا قسرًا، ومُنعوا من العلاج، والغذاء، وحتى من الاعتراف بإنسانيتهم.

طبيب يُغادر غرفة العمليات ليسعف جريحًا، فيُقصف معه، ممرضة تحمل طفلاً جريحًا، فتُستهدف بذراعها التي ما زالت تحضنه. إنها رسائل واضحة من العدو المجرم ، أن لا نجاة لأحد في غزة.

 

المستشفيات .. من مراكز شفاء إلى أنقاض
العدوان دمّر البنية التحتية الصحية بشكل شبه كامل، 25 من أصل 38 مستشفى خرجت عن الخدمة كليًا، والـ 13 الباقية تعمل جزئيًا وتحت نيران القصف، و103 من أصل 157 مركز رعاية صحية دُمّرت، نسب العجز لا تصدق ، في الأدوية تصل إلى 55% ، كما تصل نسبة العجز في المستهلكات الطبية إلى 66%، ونسبة تصل إلى 68% في المستلزمات المخبرية.

تحوّلت غرف العمليات إلى مقابر صغيرة، يعمل فيها الأطباء بأدوات صدئة، وأجساد مرتجفة من الجوع والسهر والدموع.

 

المجاعة .. سلاح آخر للإبادة
ليست المجاعة توصيفًا عابراً، بل حقيقة موثقة بالأرقام، 460 شهيدًا قضوا جوعًا، بينهم 154 طفلًا، و 51196 طفلًا دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد، هذه المجزرة البطيئة تُنفَّذ بلا صواريخ، بل عبر حرمان الأطفال من الحليب، والمرضى من الدواء، والعائلات من لقمة العيش، مع إغلاق المعابر، يُحكم على الآلاف بالموت، انتظارًا لتصريح لا يأتي.

 

4900 قصة بتر .. وأمل مبتور

4900 إصابة أدت إلى بتر أو إعاقة دائمة، أغلبهم من الأطفال، هؤلاء لا يجدون أطرافًا صناعية، ولا مراكز تأهيل، ولا حتى سريرًا بمشفى، والأطفال الذين ركضوا وراء الطائرات الورقية، باتوا يزحفون خوفًا من الطائرات الحربية، ويجمعون أحلامهم المبتورة من بين الأنقاض.

أكثر من 18 ألف مريض حُرموا من السفر للعلاج، ببنهم 5580 طفلاً، بعضهم قضى وهو ينتظر تصريحًا، وعاد ملفوفًا بكفنه.

ما يجري لا علاقة له بأمن إسرائيل، بل هو مخطط إفناء منهجي، تُغلق فيه الطرق كما تُغلق الحياة، ويُجرَّم فيه الهواء كما يُجرَّم الدواء.

 

صرخة من تحت الأنقاض
في ظل هذا الانهيار الكامل للقطاع الصحي، أطلقت وزارة الصحة نداءً عاجلًا، دعت فيه المجتمع الدولي للتحرّك، لا فقط لتوفير الدواء، بل لوقف الجريمة المستمرة بحق الإنسانية، حيث قالت الوزارة  أن ما تبقّى من النظام الصحي في غزة يتهاوى، والمستشفيات تعمل في ظروف قاهرة، والعاملون فيها يخوضون معركة إنقاذ بأجسادهم العارية.

لكن الصدى الوحيد للنداء كان صمتًا دوليًا مدويًا، وصفقات سلاح جديدة، وغزة تُربّي الصمود كما تُربّي الوجع، ورغم كل الخراب، غزة لم تمت، المدينة التي فقدت معالمها وسويت بالأرض، لا تزال تنبض بالحياة، وتخوض معركة البقاء بإصرار أسطوري، وتوثق هناك قصص الصمود الأسطوري لإامرأة تبحث في الركام عن دمية لابنتها، وطفل يجمع بقايا كتبه ليؤسس مدرسة من خيمة، وطبيب يكتب وصيته على كمامة قبل الدخول لغرفة العمليات بلا تخدير،  هذه ليست روايات من الخيال إنها من واقع موثق عجز العالم أن يراها كما هي .

غزة تعيش لأن البقاء فيها فعل مقاومة، ولأن الموت فيها لم يعد يرعب من ماتت حوله الدنيا.

 

عامان من الإبادة .. والعالم شريك بالصمت
عامان مضيا، ولم يحاسَب العدو الإسرائيلي، ولم تُفرض هدنة، ولم تُقدَّم المساعدة الكافية، العالم الذي أقام الدنيا لأسيرٍ واحد، تجاهل مئات آلاف الشهداء، وغض الطرف عن أبشع مجازر العصر الحديث، العدالة تُقاس باللون والجنسية والمصالح، وغزة تدفع الثمن.

ورغم الجراح، تبقى غزة شاهدة على واحدة من أكبر جرائم التاريخ، هي الجرح المفتوح، وصوت الذاكرة، ورمز الإنسانية التي لا تُهزم، قالها أساطير غزة وأبطالها الأفذاذ للعالم الذي خذلهم، لن نُباد مرتين، مرة بالسلاح ومرة بالنسيان.

المصدر: نقلا عن موقع يمانيون