غزة تختبر ضمير العالم.. الظلم ومصير الطغاة وفق سُنة الله
أفق نيوز|
ق. حسين بن محمد المهدي
(قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يُبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَو مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَو يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ).
إن آثار الظلم على المجتمع الإنساني كله كبيرةٌ وكثيرةٌ وكارثيةٌ وخطيرةٌ ومدمّـرةٌ على جميع المستويات: سواءٌ أكانت ماديةً، أَو أخلاقيةً، أَو حضاريةً.
فالظلم لا يقتل فقط الضحايا المباشرين، بل ينتهك الروح العامة، ويخرب نسيج المجتمعات.
وأي ظلمٍ أكبر مما يشهده العالم من انتهاكاتٍ جسيمةٍ في غزة، وقتلٍ للأبرياء والأطفال والشيوخِ والنساء، وهدمِ الديارِ على رؤوس ساكنيها، واستخدام العنفِ ضدّ الفلسطينيين في أبشع صوره.
إنهم يمارسون حربَ إبادة تجرمها كُـلّ القوانين.
إنها حربٌ عنصريةٌ تمثّل جريمةَ حربٍ دوليةً بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالموافقة على «ميثاق عقوبة جريمة إبادة العنصر» في كانون الأول/ديسمبر 1948م.
وقد وُجِّهَ الاتّهام حينذاك لأركان النظام النازي، والمجتمع الدولي وعُصبة الأمم يجب عليه أن يوجه الاتّهام إلى قادة الاحتلال؛ فهو يمارس قتل الفلسطينيين ويهدم ديارهم، ويستولي على ممتلكاتهم، ويسعى إلى إبادتهم على مرأى ومسمعٍ من العالم.
إن تقديمَ الزعماء الذين يؤيدون استخدام العنف في غزة، ويقرّون التصفيات الجسدية برعونةٍ وطيشٍ منقطعي النظير، إلى محكمة الجنايات الدولية، سيعيد بارقةَ أملٍ في مصداقية المجتمع الدولي.
إن ما تشهده غزة من انتهاكاتٍ، وقتلٍ للمدنيين، وتدميرٍ للمساكن على رؤوس ساكنيها، وما تتعرض له من عنفٍ، يندى له جبين العالم الحر.
وهو ما يجعلنا نناشد المجتمع الدولي والضمير الإنساني الحي، وكل من يؤمن بالعدالة والكرامة الإنسانية، إلى التحَرّك الفوري، وتحريك الآليات الدولية، بضرورة إحالة هذه الانتهاكات إلى المحاكم الجنائية الدولية، لمحاسبة أركان كيان الاحتلال الصهيوني، وفرض العقوبات، ودعم المساعدات الإنسانية، وضمان وصولها دون عوائق إلى غزة.
إننا نقف اليوم أمام اختبار حقيقيٍ لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص في المادة [3]: «لكل فرد حق في الحياة والحرية والأمان على شخصه».
وفي المادة [7]: «الجميع سواسية أمام القانون، ولهم الحق في الحماية المتساوية من أي تمييز».
وفي المادة [28]: «لكل شخص حق في نظام اجتماعي يحقّق حقوق الإنسان والحريات الأَسَاسية».
فهذا الإعلان يدعو إلى حمايةِ الجميع بدون تمييز.
فهل يا ترى سيتم محاسبة النظام اليهودي الصهيوني في تل أبيب؟ فإن ذلك يتوافق مع أحكام القانون الدولي، ومع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
إن هدمَ آلاف المساكن في غزة، وقتلَ أكثر من 260 ألفًا وإصابة أكثر من 250 ألفًا من أبناء غزة دون أن يهتزّ له الضمير الإنساني أمرٌ يدل على تدنّي الأخلاق وعدم الاحترام لتقارير المنظمات الدولية مثل هيومن رايتس، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والأمم المتحدة نفسها، التي تُدين هذه الممارسات الفظيعة، ومع ذلك فإن محكمةَ العدلِ الدولية قد أصدرت قراراتٍ سابقةً بخصوص جدار الفصلِ العنصري، الأمر الذي يعني استمرار الصهيونية اليهودية وأركان النظام في فلسطين المحتلّة في سياساتٍ تم إدانتها، والمؤمل من المجتمع الدولي وعصبة الأمم ومجلس الأمن المسارعةَ لفرض عقوباتٍ على هذا النظام المتهور وتعليقَ عضويةِ النظام الصهيوني؛ مِن أجلِ إرغامه على التوقف عن هذه الممارسات البشعة.
فكم هناك من طفلٍ فقدَ عائلته تحت الأنقاضِ، وطبيبٍ يعمل دون كهرباء؟ فعلى المجتمع الدولي والإنساني أن يتذكّرَ بأن الضحايا بشرٌ أمثالنا، وأن الكرامة الإنسانية قيمةٌ عالميةٌ؛ فلماذا يصمت المجتمع الدولي أَو يتعامل بازدواجية؟
إن انتهاكات أركان النظام في تل أبيب لحقوق الشعب الفلسطيني يشهدها العالم كله، ولم يعد لكرامة الإنسان في ضمير الجيش الإسرائيلي ومن يمارسون جرائم الإبادة في غزة، وفي قاموسهم، أي وجود.
فمن يمارس الإبادة والظلم صار ديدنه الفساد في الأرض.
وإذا كان البعض يتذرع بحق الدفاع عن النفس فإن قتل الأطفال وهدم المنازل لا يمكن أن يندرج تحت هذا المبدأ، بأي حال من الأحوال، وفقًا للقانون الدولي الإنساني.
إذا كان التاريخ لا يرحم المجتمعات التي سمحت للظلم أن ينتشر أَو صمتت عنه، فإن الظلم قد جعله الخالق سبحانه وتعالى أَسَاس زوالِ المجتمعات وهلاكِها.
ومهما طال أمده، فإنه لا يدوم.
فتلكَ سنةُ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا.
إن المجتمعات والدول التي تؤيّد الظلم وتطيع الطغاة سيكون مصيرها الهلاك.
وهذا فرعون حين استَخَفَّ قومَه فأطاعوه، كان مصيرهم جميعًا الهلاك، كما ذكر الله في القرآن العظيم: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ، فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ، فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخرين).
فهل يعي نتنياهو وأركان حكومته وجيشه ورعيته ذلك؟ وأن الحضارات التي قامت على القمع مصيرها الانهيار بشكل مأساوي؟ ومع ذلك، فإن الظلم يولد الانتقام، ويدخل المجتمعات في دوامةٍ لا تنتهي.
إن ما يجري في غزة، وما أعلنه ترامب، يكشف الواقع وبما لا يدع مجالًا للشكّ أن ذلك ليس خطةَ سلامٍ، بل مخطّط للظلم، وشرعنةٌ للفساد، ومحاولةٌ لتصفية القضية الفلسطينية من أَسَاسها.
وهيهات أن يتم لهم ذلك.
فمحور المقاومة وأنصار الله وحزبه وكل أحرار العالم لهم بالمرصاد، ولن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الانتهاكات، وسيرفعون راية الجهاد لقتال هؤلاء المفسدين في الأرض في القريب العاجل بإذن الله.
فمحاربة الظلم ليست خيارًا، بل ضرورة وجودية لأي مجتمع يريد أن ينهض ويعيش بكرامة.
والقرآن الكريم يخاطب جميع المسلمين: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأموالكُمْ وَأنفسكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).