أفق نيوز
الخبر بلا حدود

صنعاء للرياض: معادلة الردع حاسمة

48

أفق نيوز|

محمد نبيل اليوسفي

في خِضَمِّ التصعيد المصيري الجاري ما بين مطالب صنعاء ومماطلة الرياض ومراوغتِها، تُصرّ صنعاء على مطلبٍ جوهري لا لبس فيه: المساواة كأَسَاس لأية تسوية سياسية.

فلا سلامَ مقبولًا دون تحقيق ثلاث خطواتٍ جوهرية:

أولًا: السيادة الكاملة على الأرض والثروات.

ثانيًا: رفض التدخلات الأجنبية في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعب اليمني.

ثالثًا: الشراكة الحقيقية في صنع القرار، لا التبعية أَو الهيمنة.

إن جواب صنعاء واضحٌ وحاسم: إما المساواة، أَو معادلة الردع.

فقرارها الوطني لم يكن يومًا موضع تفاوضٍ على الهوامش، بل كان دائمًا خالصًا، لا يضع على طاولة المفاوضات سوى محاور السلام، والمصداقية، والمساواة – لا محاور التنازلات أَو الحسابات الجانبية.

وقد جعلت صنعاء من مسار التفاوض فرصةً تاريخية لا تُعوَّض، داعيةً الرياض – بدعمٍ من الوسيط العُماني – إلى اغتنام هذه اللحظة قبل فوات الأوان.

فإن أخفقت الرياض في الاستجابة، فَــإنَّ حكومة صنعاء “لا تعجز عن قلب الطاولة”، وفرض معادلة الردع الكامل، واللجوء إلى استعادة الحقوق المسلوبة بالقوة في الميدان.

والمهم هنا أن معادلة الردع هذه ليست جديدة، بل كانت حاضرةً منذ اليوم الأول للعدوان السعوديّ-الإماراتي.

لكنها هذه المرة ستكون مختلفة تمامًا في طبيعتها ونطاقها.

فهي لن تقتصر على الرد العسكري فحسب، بل ستشمل:

مطارًا بمطار، ميناءً بميناء، بنكًا ببنك – أَو ما هو أعظم.

والأحداث الجارية اليوم تُشير بوضوح إلى منعطفٍ تاريخي، يؤكّـد أن اليمن لم يعد طرفًا منفعلًا، بل صانعًا لموازين القوة الإقليمية، يحوّل التحديات إلى فرص استراتيجية.

إن ما يُطرح اليوم على الساحة السياسية والعسكرية والاقتصادية ليس سوى بنود اتّفاق يجب أن تستجيب له الرياض بدون مماطلة أَو مراوغة.

والتفاوض نفسه لم يعد معيارًا للمناورات السياسية، بل مِحْكَةً للثقة – ثقةٌ تُقاس بقدرة الطرفين على تخفيف معاناة الشعب، لا بحسابات المصالح الضيقة أَو ألاعيب التسويف.

وفي هذا السياق، تؤكّـد “القيادة الثورية” في صنعاء – من خلال سلسلة المواقف المتتالية – ثباتها على موقفٍ سياسي وعسكري راسخ، ورؤيةٍ واضحة تجاه العدوان:

فإذا أرادت الرياض السلام الشامل، فالباب مفتوح..

وإذا اختارت المماطلة، فالردع جاهز.

كما أكّـد كُـلّ من الرئيس مهدي المشاط، والقائم بأعمال رئيس الوزراء محمد مفتاح، أن التمسك بالحقوق الوطنية دون تنازل أَو تلاعب هو القاعدة التي تُبنى عليها القرارات السياسية اليوم – قراراتٌ لم تعد كقرارات الأمس.

إن المطلبين الأَسَاسيين – إنهاء العدوان، ورفع الحصار الكامل عن اليمن – هما شرطان لا غنى عنهما لإنارة درب الحرية، ولإصلاح ما خلّفته عشر سنواتٍ من الحرب:

تدهور الاقتصاد، تدمير البنية التحتية، وتفشي الفقر والجوع، كُـلّ ذلك بفعل أجندة المرتزِقة في الداخل، ودعم العدوان السعوديّ-الإماراتي من الخارج.

والأهم أن صنعاء تؤكّـد أن الابتزاز الاقتصادي الذي يمارسه التحالف لم يعد مؤثرًا، لأن القرار السياسي اليوم في صنعاء سياديٌّ ومستقل؛ ولأن التوازن في التفاوض لم يعد رفاهية، بل واقعٌ ملموس.

والرياض تدرك جيِّدًا هذا التحوّل الاستراتيجي:

فاليمن لم يعد ذلك البلد الذي يتلقّى الضربات ويتحمّل الحصار، بل أصبح طرفًا مبادرًا، يحوّل معاناة شعبه إلى منصةٍ لبناء الكفاءة والاستقلال الشامل: عسكريًّا، اقتصاديًّا، وسياسيًّا.

بل إن صنعاء لم تعد تكتفي بحماية منشآتها، بل باتت قادرةً على دعم القضية الفلسطينية عسكريًّا وسياسيًّا، وفرض سيطرتها على المعابر البحرية الحيوية؛ ما شكّل ضغطًا مباشرًا على الشريان الاقتصادي العالمي، وأربك حسابات العدوين الإسرائيلي والأمريكي معًا.

في الختام: كل محاولةٍ من تحالف العدوان أَو الأمم المتحدة أَو مجلس الأمن لتهميش مطالب صنعاء العادلة، أَو تصويرها على أنها “تعطيل للسلام”، لن تؤدي إلا إلى نتيجةٍ واحدة:

استئناف معادلة الردع اليمني بشكلٍ غير مسبوق، أقوى من كُـلّ مراحل العدوان السابقة.

والرياض تعلم ذلك جيِّدًا، من كُـلّ النواحي السياسية والعسكرية والاستراتيجية.

فاليمن اليوم ليس كالأمس، والبحر والجو، والتحول الاستراتيجي على امتداد الجغرافيا، كلها شواهد حية على أن القوة الجديدة قد وُلدت.

وأن المساواة ليست خيارًا، بل شرطٌ لا مفرّ منه.