أفق نيوز
الخبر بلا حدود

الإخلاص في الجهاد وتمييزُ الصفوف في زمن الابتلاء

55

أفق نيوز|

شاهر أحمد عمير

من أعظم نعم الله على عباده أن يختار منهم من يشرّفهم بنعمة الجهاد في سبيله، تلك النعمة التي ترفع صاحبها إلى أعلى المقامات، وتجعله من الذين باعوا أنفسهم لله طلبًا لرضوانه، غير ملتفتين إلى زخارف الدنيا وشهواتها الزائلة.

فالمجاهد في سبيل الله يعيش لغايةٍ أسمى من اللذة المؤقتة أَو المكسب العابر؛ إنه يعيش لفكرةٍ مقدسةٍ تتجسد في الدفاع عن الحق وإعلاء كلمة الله، وفي نصرة المستضعفين ومواجهة الطغيان مهما كانت التضحيات.

القرآن الكريم يصف هذا المقام وصفًا بليغًا حين قال الله تعالى:

{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أنفسهُمْ وَأموالهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالقرآن ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].

هذه الآية ترسم ملامح الصفقة الإيمانية الكبرى بين العبد وربه؛ صفقةٌ مضمونها الجنة، وثمنها النفس والمال في سبيل الله.

وتلخّص المعنى الحقيقيَّ للجهاد: ليس مُجَـرّد عملٍ قتاليٍ، بل مسارٌ روحيٌ عظيمٌ يتصل بالنية والإخلاص واليقين بوعد الله.

لذا، فإن من ينعم الله عليه بشرف الجهاد وشرف التوالي لقيادةٍ قرآنيةٍ حكيمةٍ بقيادة السيد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي -حفظه الله- لا ينبغي له أن يلتفت إلى القاعدين أَو إلى من زيّنت لهم الدنيا أهواءها.

الطريق الذي يسلكه المجاهد طريق الأنبياء والأولياء والصادقين، طريقٌ لا يُقاس بالمنفعة بل بالعطاء، ولا يُوزن بالراحة بل بالثبات.

وما عليه إلا إغلاق سمعه عن المثبطين والمنافقين والعملاء الذين يحاولون زرع الشك في قلوب المجاهدين ليُخلّوا عن طريق الجهاد.

تمرّ الأُمَّــة الإسلامية اليوم بمرحلة دقيقة تشبه ما مرّ به قوم طالوت عندما ابتلاهم الله بالنهر، ليُظهر الصادقين من المدَّعين والثابتين من المتردّدين.

تلك الحادثة التاريخية لم تكن مُجَـرّد قصة، بل نموذجٌ إلهيٌّ يتكرّر في كُـلّ زمان ومكان: حين تُبتلى الأُمَّــة لتُصفّى صفوفها، فلا يبقى في الميدان إلا من صدق العهد وصبر على البلاء.

وفي واقعنا اليوم نرى كثيرين يسقطون عند أول اختبار للقيادة، أَو عند أول منعطفٍ من الشدائد، أَو حين تواجه الأُمَّــة تحديها الأكبر في وجه قوى الطغيان والاستكبار.

لكنّ السُنّة الإلهية في التمحيص والغربلة تُثبت أن النصر لا يكون إلا على يد فئةٍ قليلةٍ مؤمنةٍ صادقةٍ، لا تضعف أمام الإغراءات ولا تساوم على مبادئها.

هذه القلة هي التي تتحمل أعباء الطريق وتستمد قوتها من إيمانها، وتثق بوعد الله الذي لا يخلف الميعاد.

فالله تعالى وعد المؤمنين بالنصر ولو بعد حين، فقال في محكم كتابه: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].

إنّ الجهاد ليس مُجَـرّد بندقيةٍ أَو معركةٍ تُخاض، بل هو وعيٌ وصبرٌ وإخلاص وموقفٌ منسجمٌ مع فطرة الإنسان ودوره في هذه الحياة.

فالمجاهد الحقّ لا يقاتل لغرضٍ شخصيٍ أَو بدافع العصبية أَو الانتماء الضيّق، وإنما يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وليبقى الدين قائمًا على أَسَاس العدالة والكرامة.

ومن هذا الفهم يتضح أن الأُمَّــة اليوم في امتحانٍ عظيمٍ تُميَّز فيه الصفوف بين من باع نفسه لله، ومن باع دينه للدنيا.

لقد بات واضحًا أن الصراع القائم في عصرنا ليس صراعًا سياسيًّا فحسب، بل صراعٌ وجودي بين مشروعٍ يسعى لإحياء الأُمَّــة وإعادتها إلى موقعها الطبيعي تحت راية العدل والإيمان، وبين مشروعٍ استكباريٍ يعمل على إذلال الشعوب وتمزيقها وإخضاعها للهيمنة.

وفي خضم هذا الصراع تتجلى أهميّة الإخلاص في النية والثبات على الموقف؛ لأن النصر ليس بكثرة العدد والعدة، بل بالصدق والإيمان والثقة بالله.

نحن اليوم نشهد مرحلة فاصلة من تاريخ الأُمَّــة، مرحلةً تتقلّب فيها الموازين وتتبدّل المواقف وتنكشف فيها حقيقة النفوس.

فالمجاهدون الصادقون أدركوا أن طريق الجهاد وإن كان شاقًا ومليئًا بالتضحيات، فهو الطريق الوحيد إلى الحرية والكرامة، والطريق الذي يوصل إلى الفوز العظيم في الدنيا والآخرة.

نسأل الله الثبات في زمن الفتن، وأن يجعلنا من الذين يصدقون الله في أقوالهم وأفعالهم، فلا نزيغ عن درب الجهاد ولا نميل إلى القاعدين، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يكتب لنا حسن الختام في سبيله، إنه سميع مجيب.

اللهم ثبِّتنا على طريق الجهاد والاستشهاد.