أفق نيوز
الخبر بلا حدود

“ومكر أولئك هو يبور” اليمن يواجه حرب الظلّ الاستخباراتية.

50

أفق نيوز|

خديجة طه النعمي.

في منعطف أمني بالغ الدقة، كشفت وزارة الداخلية اليمنية عن واحدة من أوسع الشبكات التجسسية المرتبطة بدول العدوان، في عمليةٍ نوعية حملت الاسم القرآني “ومكر أولئك هو يبور”.
العملية لم تكن مجرد ضبط لخلايا متناثرة، بل كشف معمّق لبنية استخباراتية متعددة الأطراف، امتدت خيوطها بين الولايات المتحدة وكيان الاحتلال والسعودية، وتدار من غرفة عمليات مشتركة على الأراضي السعودية.

تفاصيل التحقيقات تشير إلى أن الغرفة المشتركة شكّلت نواةً لتنسيق استخباراتي معادٍ لليمن، هدفه اختراق الجبهة الداخلية وضرب مراكز القوة العسكرية والإعلامية والأمنية.
تنوّعت مهام الخلايا بين الرصد والتصوير ورفع الإحداثيات، وعمل بعضها تحت غطاء منظمات تنموية وإنسانية لتسهيل الحركة والتغلغل في بيئات حساسة، في مشهد يعكس مستوى التنظيم والتقنية الذي بلغته الحرب الاستخباراتية ضد اليمن.

الاعترافات التي بثّتها وزارة الداخلية قدّمت صورة دقيقة عن حجم التورط والتنسيق.
فالجاسوس بشير علي مهدي تحدث عن مهام رصدٍ شملت قيادات الدولة والقوة الصاروخية والمؤسسات الإعلامية.
أما أنس أحمد صالح فاعترف بتصوير مبانٍ سكنية وتجارية في العاصمة بأوامر مباشرة من ضابط سعودي خلال شهر رمضان.
في حين كشفت الجاسوسة هدى علي عن زرع أجهزة تجسس داخل مطار صنعاء وتركيب جهاز تعقّب على سيارات مدنية.
وظهرت مهام أخرى شملت رصد مواقع عسكرية ومدنية، ومستشفيات ومؤسسات خدمية، وتنفيذ عمليات بث مباشر عبر منظومات إلكترونية متقدمة داخل السيارات.
تلك الشهادات، مجتمعة، ترسم ملامح حرب صامتة تدور بالكاميرا والبيانات، لا بالصواريخ والمدافع.

ما وراء هذه التفاصيل أعمق من مجرد شبكة تجسس، فاليمن، في ظلّ مواقفه الداعمة لفلسطين، أصبح هدفاً مباشراً لحرب استخباراتية إقليمية تسعى إلى تعطيل قدراته العسكرية وإرباك جبهته الداخلية.
العملية تأتي في سياق تصعيد العدوان ومحاولاته إضعاف الموقف اليمني المناصر لغزة، وهو ما يفسر التحالف الاستخباراتي الأمريكي الإسرائيلي السعودي الذي توحّد في مهمة واحدة… ضرب إرادة اليمنيين قبل بنيتهم التحتية.

رغم تعقيد الأساليب وحداثة الأدوات، استطاع الأمن اليمني أن يقلب المعادلة، في عمليةٍ وُصفت بأنها من أكثر العمليات دقة في تاريخ العمل الأمني اليمني.
تتبعٌ طويل، وتحليلٌ استخباراتي متقدّم، ويقظةٌ شعبية عالية، كلها قادت إلى تفكيك الشبكة وإحباط مخططاتها قبل أن تبلغ أهدافها.
بهذا الإنجاز، أثبتت صنعاء أن معركة الوعي لا تقل أهمية عن معركة الجبهات، وأن الاستخبارات اليمنية باتت رقماً صعباً في معادلة الأمن الإقليمي.

اللافت في العملية أن نجاحها لم يقتصر على الجانب الفني، بل امتد إلى تعزيز ثقة الشعب بأجهزته الأمنية، وترسيخ قناعةٍ جماعية بأن الحرب على اليمن لم تعد تُخاض في السماء أو على الحدود فقط، بل في الذاكرة والمعلومة والرأي العام.
وبقدر ما أظهرت العملية حجم التآمر، فقد أكدت في المقابل أن مكر الأعداء ينهزم حين يواجهه وعيٌ متجذّر وشعبٌ لا يُخدع بسهولة.

“ومكر أولئك هو يبور” ليست مجرد تسمية رمزية لعملية أمنية، إنها عنوان لمرحلةٍ جديدة من الوعي والسيطرة، حيث أفشل اليمنيون أكثر المشاريع الاستخباراتية تعقيداً بوسائلهم الذاتية، وأثبتوا أن السيادة لا تُحمى بالحدود وحدها، بل تُصان بالمعلومة، وبإيمانٍ لا يلين.