أفق نيوز
الخبر بلا حدود

ما الذي يحاك للبحر الأحمر ومن المستهدف الأول؟

71

أفق نيوز|

يشهد البحر الأحمر اليوم حالة من التعقيد الاستراتيجي غير المسبوقة، إذ تتقاطع المصالح الإقليمية مع النفوذ الدولي لتتحول الممرات البحرية الحيوية إلى ساحة صراع محوري بين القوى الكبرى.

ما كان يُعد شريانًا تجاريًا يربط الشرق بالغرب أصبح اليوم ساحة تنافسية، تتداخل فيها الاعتبارات الاقتصادية مع الأمن العسكري والسياسي، وسط تصاعد الاهتمام العالمي بسيطرة القوى الكبرى على مضيق باب المندب وقناة السويس ومنافذ بحرية أخرى.

وتتزايد الأطماع الأمريكية والصهيونية والغربية في البحر الأحمر، خاصة بعد الموقف اليمني الأخير الداعم لغزة، والذي شكّل ضغطًا على قوى الاستكبار العالمي، أمريكا وإسرائيل، وحوّل البحر الأحمر إلى محور حساس في المعادلات الاستراتيجية.

وفي هذا السياق، تسعى القوى الدولية لاستثمار الاضطرابات الإقليمية عبر الدفع نحو إنشاء قواعد عسكرية وتثبيت موطئ قدم دائم يضمن لها النفوذ في البحر الأحمر، في وقت تؤكد فيه الدول العربية المطلة على الممر، وفي مقدمتها اليمن، ضرورة حماية الممرات البحرية من أي تدخلات خارجية تُهدِّد الأمن القومي العربي والاستقرار الإقليمي.

وفي خضم هذا التصاعد، يحذّر الرئيس الإرتيري من محاولات إنشاء قواعد أجنبية في الجزر اليمنية أو التدخل المباشر تحت ذريعة حماية الملاحة، مشدّدًا على أن مثل هذه التحركات لا تُعزّز الأمن، بل تزيد من تعقيد المشهد وتفاقم حالة التوتر.

ويرى أن جزءًا كبيرًا من عدم الاستقرار في اليمن يعود إلى سعي القوى العالمية لترسيخ وجودها العسكري في البحر الأحمر، الأمر الذي يحوّل المنطقة إلى مسرح مفتوح للصراعات الدولية بدل أن تكون ممراً آمناً للتجارة العالمية.

ويبرز الخبراء أهمية البحر الأحمر كأحد أهم الممرات المائية في العالم، حيث تمر عبره نحو 30٪ من التجارة البحرية العالمية، وتشكل الصادرات النفطية السعودية جزءًا كبيرًا من هذا التدفق الحيوي للطاقة.

ويشير رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية، جمال زهران، إلى أن المنطقة تشهد تحركات دولية مكثفة، من الولايات المتحدة إلى روسيا وإسرائيل وتركيا، في محاولة لتأمين مصالحها، مبينًا أهمية البحر الأحمر كحلقة وصل استراتيجية تربط الشرق بالغرب عبر مضيق باب المندب وقناة السويس، مع وجود منافسة دولية شرسة للسيطرة على الممرات البحرية.

ويضيف: “إن التجارة العالمية تمر بنسبة كبيرة عبر البحر الأحمر، حيث تعتمد الهند والصين على هذا الممر بشكل كبير لتصدير وارداتها ووارداتها، فيما تصدر السعودية ملايين البراميل من النفط عبر أنابيب شرق-غرب إلى ينبع، ما يجعل أي تهديد أمني للممر تهديدًا مباشرًا للاقتصاد الإقليمي والعالمي.”

 

ويُعدّ البحر الأحمر شريانًا تجاريًا ومحورًا استراتيجيًا يتحكم في أسواق النفط والغاز العالمية، فضلاً عن كونه بوابة رئيسية لعبور الحبوب والسلع الأساسية نحو مختلف القارات. وفي هذا الإطار، يؤكد السفير عبد الله الصبري أن انهيار الدولة في الصومال عام 1991 فتح الباب أمام موجة واسعة من القرصنة، ما جعل كل خمس سفن تجارية تحتاج إلى سفينة حربية لحمايتها، في مشهد يعكس هشاشة منظومة الأمن البحري ويفرض ضرورة التوصل إلى استراتيجية عربية موحدة.

ويحذّر الصبري من سعي بعض القوى الإقليمية لاستغلال الممر الحيوي لتحقيق أهداف سياسية خاصة، مثل محاولات إثيوبيا تأمين منفذ بحري عبر أرض الصومال، ومساعي تركيا وروسيا والكيان الصهيوني لإقامة قواعد عسكرية وتكريس نفوذها في المنطقة.

ويرى أن تعزيز التعاون العربي يمكن أن يشكّل عامل توازن مهم، يحدّ من التدخلات الخارجية ويحوّل البحر الأحمر إلى منطقة آمنة ومستقرة، بعيدة عن التوترات والصراعات التي تهدد مصالح الدول المطلة على ضفتيه.

 

بدوره، يشدد عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، الطيب الدجاني، على أن التحركات العسكرية والسياسية في البحر الأحمر باتت تمثل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي، مشيرًا إلى أن الوقائع على الأرض تكشف توجّهًا عدائيًا متناميًا يستهدف اليمن بشكل خاص، في إطار شراكة أمريكية–صهيونية مدعومة من السعودية والإمارات. ويؤكد أن هذا الواقع يفرض على الدول العربية المطلة على البحر الأحمر تبني رؤية موحدة تضمن حماية مصالحها وأمنها القومي.

ويشير الدجاني إلى أن المناورات المشتركة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني جزء من مشروع استراتيجي واسع يهدف إلى تعزيز الهيمنة على البحر الأحمر وتهيئة بيئة إقليمية تسمح بفرض مزيد من الضغوط على اليمن، في ظل الدعم السياسي والعسكري الذي تقدمه الرياض وأبو ظبي لهذا المسار.

ويرى الدجاني أن هذا التحالف الذي يتشكل حول البحر الأحمر يفاقم التوترات ويزيد احتمالات التصعيد العسكري ضد اليمن، محذّرًا من أن استمرار هذا النهج قد يفتح الباب أمام جولة جديدة من العدوان، لافتًا إلى أن مواجهة هذه التحديات تتطلب موقفًا عربيًا موحدًا وقادرًا على تأمين الممرات البحرية وردع التدخلات الأجنبية التي تستهدف أمن المنطقة واستقرارها.

 

يمكن القول إن البحر الأحمر تحول اليوم إلى مرآة عاكسة لحقيقة الصراع وموازين القوة، كاشفًا حجم الأطماع التي تتحرك فوق مياهه منذ عقود، فبين تحذيرات الرئيس الإرتيري، ورؤى الخبراء العرب، وبين تزايد التدخلات الأجنبية التي تتمدد كالأسراب البحرية، يبرز البحر الأحمر كساحة اختبار حقيقية: من يملك القرار فيه؟ ومن يرسم مستقبله؟

وفي الجوهر، تدرك القوى الدولية التي تزحف نحو هذا الممر الحيوي، تحت لافتة “حماية الملاحة”، أنها في الحقيقة تسعى للسيطرة لا للحماية، ولتثبيت نفوذ لا لإرساء استقرار، وما كان يدور في الخفاء أصبح اليوم مكشوفًا بوضوح: مشروع أمريكي–صهيوني مدعوم إقليميًا يتقدم بثبات لفرض وقائع جديدة على حساب الأمن القومي العربي وسيادة دول المنطقة، وفي مقدمتها اليمن.

ومع ذلك، فإن ما كشفته السنوات الأخيرة يثبت أن القوة ليست حكراً على من يملك الأساطيل، بل على من يملك إرادة المواجهة وصمود القرار.