أفق نيوز
الخبر بلا حدود

الــ 30 من نوفمبر .. خروج آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن بين إرث التحرير وتحولات الواقع

31

أفق نيوز| تقرير| طارق الحمامي

تحلّ على الشعب اليمني، ولا سيما في الجنوب، الذكرى السنوية لليوم المجيد 30 نوفمبر 1967، اليوم الذي غادر فيه آخر جندي بريطاني أرض اليمن الجنوبي بعد احتلال امتد لأكثر من 129 عاماً، لا يمثّل هذا التاريخ مجرد يوم في الروزنامة الوطنية، بل هو خلاصة قرن من النضال، وتعبير واضح عن قدرة الشعوب على كسر الطغيان مهما طال، وفيما يتجدد الاحتفال بهذه المناسبة، تتقاطع الذكريات العظيمة مع أسئلة الحاضر المأزوم، خاصة في ظل وجود إحتلال جديد في الجنوب يمثل شكلاً جديداً من الوصاية.

بدأ الوجود البريطاني في عدن سنة 1839، حين دخلت القوات البريطانية الميناء الاستراتيجي لتأمين طرق الملاحة الدولية وربطه بمستعمراتها التي تمتد عبر القارات، وعلى مدار عقود طويلة، عملت بريطانيا على ترسيخ سيطرتها السياسية والعسكرية من خلال تقسيم السلطَنات والمشيخات، واستقطاب بعض القيادات القبلية، وإنشاء إدارات محلية خاضعة لنفوذها.

لكن الجنوب لم يكن أرضاً قابلة للابتلاع، فقد ظلت المقاومة الشعبية تتأجج بين حين وآخر، ومع منتصف القرن العشرين بدأ التحول الجذري نحو العمل المنظم، إلى أن انفجرت ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963 في ردفان، لتشعل شرارة التحرير، تبنّى الثوار مختلف أساليب النضال، من حرب العصابات في الجبال إلى العمليات الفدائية في المدن، حتى بات الاحتلال البريطاني أمام واقع عسكري وسياسي يستحيل تجاهله.

 

30 نوفمبر .. عندما انحنت الإمبراطورية أمام إرادة الشعب

شكّل فجر الثلاثين من نوفمبر لحظة فارقة لا تُنسى، إذ غادرت آخر دفعة من القوات البريطانية عدن، معلنة نهاية حقبة استعمارية كاملة، خرجت الجماهير إلى الشوارع تهتف للحرية وترفع صور الشهداء، بينما أعلنت القيادة الوطنية قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية أنذاك، وكان المشهد انتصاراً لصمود شعبٍ أعزل إلا من إيمانه العميق بحقه في الحرية، ودليلاً على أن الإمبراطوريات تنهزم حين تفشل في كسر إرادة الشعوب.

 

الدلالات الكبرى لاستقلال جنوب الوطن

يحمل يوم الاستقلال تاريخياً دلالات لا تزال حاضرة حتى اليوم، من أهمها، كسر سلاسل الاستعمار مهما طال زمنه، وتعزيز الهوية الوطنية واستعادة القرار، وإلهام حركات التحرر العربية والعالمية، وكذلك تأكيد أن إرادة الشعب أقوى من السلاح والقوة العسكرية.

لكن هذه الدلالات، بكل رمزيتها، تواجه اليوم تحديات كبيرة في ظل واقع مرير ومعقد يعيشه الجنوب اليمني.

 

بين الماضي المجيد والحاضر المتشابك .. الجنوب تحت الاحتلال السعودي _ الإماراتي

في الوقت الذي يُحيي فيه أبناء اليمن عامة وأبناء الجنوب بشكل خاص ذكرى خروج المحتل البريطاني، تبرز في الساحة السياسية أسئلة حول طبيعة الوجود العسكري والسياسي السعودي _ الإماراتي، أبناء اليمن قاطبةً يرونه استعماراً وشكلاً جديداً من الاحتلال والوصاية، ويرى كثير من المحللين والمراقبين على أن الجنوب يعيش اليوم مرحلة غياب سيادة كاملة، وازدحاماً في القوى المؤثرة على الأرض، ما يجعل ذكرى الاستقلال مناسبة تتجاوز البعد الرمزي إلى مراجعة الواقع الراهن.

حيث بات أنبا الشعب اليمني يعقدون مقارنات بين الاستعمار البريطاني القديم والوجود الاستعماري الحالي، ويرون أن الجنوب، وإن تغيّرت ملامح العلاقة، لا يزال يفتقر لقراره السيادي، وهو ما يجعل 30 نوفمبر لحظة تساؤل عن مدى تحقق حلم الاستقلال الذي دفع الشهداء حياتهم ثمناً له.

كما تحرك الذكرى مشاعر شعبية واسعة ترفض أي تدخل خارجي في القرار الوطني، وتدعو إلى استعادة الإرادة الحرة التي صنعت الانتصار عام 1967، بعيداً عن الاصطفافات الإقليمية والحسابات الضيقة.

 

المرتزقة يبيعون التضحيات 

يستحضر اليمنيون وأبناء الجنوب خاصة، تضحيات شهداء ثورة أكتوبر الذين قدّموا أرواحهم من أجل التحرر الكامل، لكن قطاعاً واسعاً من اليمنيين يعرب عن استيائه وغضبه الشديد من بيع تضحيات الشهداء من خلال ارتهان بعض القيادات المحلية للوصاية السعودية والاماراتية اللتان تتحكمان في القرار اليمني، ويرى الجنوبيون اليوم أن ما دفعه أبناء ردفان وعدن والضالع من دماء لم يكن من أجل استبدال استعمار بآخر، بل من أجل سيادة كاملة، ويعتبرون أن مرتزقة اليوم تتصرف بعكس هذا المبدأ من خلال ارتباطها السياسي أو العسكري بدول الاستعمار الجديد السعودي _ الاماراتي.

ناشطون يؤكدون إن بعض القوى السياسية في الجنوب ،  تعاملت مع الوصاية السعودية الاماراتية ،باعتبارها طريقاً للحصول على مواقع ومكاسب، بينما لم يكن ذلك إلا تخلّياً عن الثوابت الوطنية، وتقليلاً من عظمة يوم الاستقلال.

وبدلاً من أن يكون اليوم مناسبة للتأكيد على التحرر والسيادة، أصبح لدى المرتزقة ساحة للتجاذب السياسي، في وقت يرى فيه أبناء الوطن الواحد  أن روح التحرر يجب أن تكون بوصلة لاستعادة القرار الوطني.

وتطالب القوى الوطنية والأحرار في هذا الوطن ،بضرورة إعادة الاعتبار لدماء الشهداء وقيم الثورة، وتدعو كل القيادات إلى اختبار مواقفها أمام سؤال تاريخي، هل يسيرون على خطى شهداء أكتوبر ونوفمبر، أم سيستمرون في طريق الارتهان للوصاية؟

 

ذاكرة تصنع المستقبل

إن ذكرى 30 نوفمبر ليست صفحة من الماضي، بل رسالة متجددة، رسالة تقول إن الحرية لا تُمنح، وإن السيادة تُنتزع بإرادة صلبة، وإن الشعوب التي انتصرت على أقوى الإمبراطوريات قادرة على استعادة قرارها مهما كانت الظروف.

في هذا اليوم المجيد، يستعيد الجنوبيون السيرة البطولية لمن صنعوا الاستقلال، ويضعون أيديهم على قلب الحقيقة، أن الوفاء للشهداء يبدأ من رفض التبعية، وإحياء روح التحرر، وإعادة الاعتبار للوطن شماله وجنوبه في سيادته وقراره ومستقبله.

نقلا عن موقع يمانيون