مرور ثماني سنوات على الأحداث… ومشروع قديم يعاود الظهور بوجوه صهيونية
أفق نيوز|
ثماني سنوات مضت، واليمن يعيد قراءة فتنة ديسمبر 2017م، يستخلص الدروس والعبر، ويكثّف الجهود، ويتصيد المحاولات المستنسخة، ويقلب بين سواعده الأمينة والاستخباراتية صفحات مشروعٍ كان حلماً للعدو، وأرادت من خلاله واشنطن وتوابعها إعادة تشكيل الداخل اليمني وفق مقاسات ورغبات الهيمنة والاستباحة، عبر بوابة عفاش ومنظومة الخيانة التي تربّت في حضن السفراء والأجهزة الخارجية، وسمحت للموساد الصهيوني بالعمل بكل أريحية، ودعت في أكثر من محطة للتطبيع معه، غير أن ما لم يحسب له العدو حساباً أن اليمن منذ 21 سبتمبر دخل في معادلة جديدة، تقودها رؤية قرآنية صاغت وعي الشعب، وأعادت تعريف معنى الدولة والولاء والانتماء.
في تلك الأيام العصيبة، تحركت أدوات العدوان لإسقاط العاصمة من داخلها، وتفجير شوارعها، وشلّ مؤسساتها، ووضع الجبهات في حالة ارتباك تخدم الغارات الأمريكية السعودية الإماراتية، لكنّ الداخل اليمني، الذي حاول العدو النفاذ منه، تحوّل بفعل الوعي القرآني ودماء الشهداء والأبرياء، إلى جدارٍ صلبٍ لا تخترقه الدعاية ولا الإغراء ولا التخويف، فسقطت الفتنة في أيام قليلة، وارتدّ مشروع العدو على أعقابه كما ارتدت كل حساباته الخاطئة، وأوصدت الأجهزة الأمنية الباب برأس الخائن الكبير.
واليوم، وبينما تحاول رأس الشيطان أمريكا إعادة تدوير ذات الأدوات وإحياء بقايا الخونة والعملاء من أحزاب ومنظمات وناشطين وجواسيس رخيصة، عبر غرف مظلمة وتحريض إعلامي مفضوح، يظهر الشعب اليمني أكثر صلابة ويقظة، وقد أرسى مع قيادته معادلة جديدة مفادها أن الداخل لم يعد ملعباً لأي قوة طامعة، وأن كل محاولة لإحياء الفتنة ستسقط قبل أن تكتمل، تماماً كما سقطت فتنة ديسمبر الأولى تحت أقدام المجاهدين من أبناء شعبنا اليمني الذين حملوا روح القرآن وتشبعوا بها، وأدركوا أن معركة الوعي هي أساس الانتصار في كل الميادين.
تخطيط خارجي وانخراط داخلي منسّق
في هذا السياق، يؤكد رئيس وكالة الأنباء اليمنية «سبأ»، الأستاذ نصر الدين عامر، أن ما جرى في ديسمبر 2017م كان “خطة ممنهجة امتدت لشهور”، تزامنت مع احتفالات الإمارات باليوم الوطني، في دلالة واضحة على الارتباط العضوي بين الفتنة وأجندة أبو ظبي، مشيراً إلى أن الفتنة شملت: “حملات إعلامية مركّزة لإرباك الجبهة الداخلية وتشويه الجيش واللجان الشعبية، وإعاقة طرق الإمداد المرتبطة بالجبهات، بهدف تعطيل مسار العمليات العسكرية ضد العدوان، وتهديد المدنيين والأحياء السكنية بالاشتباكات وزرع النقاط المسلحة، وتحريك امتدادات عفاش داخل مؤسسات الدولة لشلّ الأداء الرسمي في لحظة حساسة”.
ويقول عامر في حديثه “للمسيرة” إن هذه الفتنة كانت “أخطر محاولة لاختراق الداخل اليمني منذ بدء العدوان”، وإن التعامل الحاسم من الأجهزة الأمنية والدولة كان عاملاً مفصلياً في إسقاط المخطط في أيام محدودة.
حكمة القيادة وسرعة الحسم
من جهته، يشدد وكيل وزارة الإعلام الأستاذ محمد منصور على أن التوقيت الذي اختاره عفاش لإشعال الفتنة “كان تحركاً محسوباً ودقيقاً، وتم بإسناد خارجي، وتزامن مع ذروة نشاط العدوان في ذلك العام”، مشيراً إلى أن الخطة استهدفت “إرباك الجبهات العسكرية وإشعال الشوارع داخل العاصمة” بهدف تشتيت قوة الدولة.
ويؤكد منصور في حديثه “للمسيرة” أن الشعب اليمني، بقيادة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله والرئيس مهدي المشاط، وبمساندة الأجهزة الأمنية واللجان الشعبية المجاهدة، “تمكن من إفشال المؤامرة بسرعة” وحصر خطرها “في أوكارها قبل أن تمتد”.
ويوضح أن النجاح كان عسكرياً وأمنياً، وإنسانياً وأخلاقياً ووطنياً عبر سياسة العفو التي أعلنها السيد القائد، والدعوة إلى مسيرة شكر لله على إحباط المخطط، وهي خطوة “جسدت أخلاق القيادة وروحها الوطنية”، ورسّخت وحدة المجتمع بدلاً من تمزيقه، مضيفاً أن مواجهة الفتنة أكدت مجدداً أن “الجبهة الداخلية هي الأساس”، وأن الشعب قادر على حماية سيادته مهما كانت الضغوط.
صُنعت في الخارج… وتحطمت في الداخل
وعن محاولة عسكرة الشوارع وتمزيق المجتمع، يرى أن المواجهات المتفرقة في فتنة ديسمبر كانت مشروعاً شاملاً لإسقاط الدولة من الداخل، وشملت: “عسكرة الشوارع وإقامة نقاط مسلحة، واستهداف أسر ومنازل بعينها لإثارة الثارات الداخلية، ومحاولات حرق منشآت عامة وخاصة، إضافة إلى قطع الإمدادات عن الجبهات، وتحريك إعلام خارجي وداخلي مرتبط بالخونة”، غير أن المجتمع اليمني، بتماسكه ووعيه، نجح في عزل القوى المتورطة، وتبيّن الفارق الواضح بين المؤتمريين الوطنيين وبين من ارتبطوا بولاءات خارجية لعفاش والإمارات.
ويشير إلى أن محاولات واشنطن اليوم لإعادة تدوير أدوات الفتنة تكشف حجم الارتباك الأمريكي بعد تصاعد قدرات القوات المسلحة اليمنية، وتنامي قوة الأجهزة الأمنية، والوعي الشعبي اليمني، متابعاً: “تشير القراءة العسكرية والسياسية للمشهد والمقارنة بين تلك الفتنة ومخططات الخلايا التجسسية إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تملك إلا اللعب على ملف الفوضى ومحاولة استعادة أوراق فقدتها منذ 2017م، لكنها تواجه مجتمعاً صار أكثر وعياً وصلابة”.
ويعتبر أن الذكرى الثامنة لفتنة ديسمبر 2017م باتت اليوم درساً حيّاً يثبت أن اليمن قادر على إفشال أي مشروع تخريبي مهما كان داعموه، وأن أي محاولات لإحياء الخونة والعملاء ستسقط كما سقطت مؤامرة عفاش، وكما سقطت كل رهانات العدوان.
فالذكرى الثامنة لفتنة عفاش تظل درساً حيّاً في وجدان شعب الإيمان والحكمة والصمود والعنفوان والإرادة الصلبة والعقيدة الوطنية الراسخة، عبر عنها صمود المجاهدين في أكثر من 50 جبهة وساحة مواجهة مع جيوش متعددة الجنسيات مرتهنة للإدارة الأمريكية والمال السعودي، والعقيدة الصهيونية، وإصرار شعب يرسل آلاف القوافل من الرجال والمال على مدى عشرة أعوام لحماية وطنه.
إنها الروح القرآنية والوطنية التوّاقة للجهاد في سبيل الله التي خبر الشعب اليمني بكل مكوناته التعبير عنها في الوعي الجماعي واليقظة الوطنية، التي جسدتها ملحمة إسناد غزة، وساحات الحشود المليونية التي أذهلت العالم، وشكّلت فارقة تاريخية في تاريخ وحاضر ومستقبل شعب هو مقبرة للغزاة ومؤامراتهم، لتجدد التأكيد على أن أي مخطط لإشعال الفوضى أو استغلال الخلافات الداخلية سيصطدم دوماً بإرادة الشعب وصلابة قيادته.
وأثبتت الأجهزة الأمنية اليمنية الفتية خلال ما بعد فترة الفتنة الساقطة تحت أقدام المجاهدين الأباة أن الجبهة الداخلية تشكل الدرع الأساسي للدولة، وأن اليمن قادر على إفشال أي تجربة أمريكية جديدة أين كان منفذوها في الداخل، وأن أي محاولة لتقويض استقرار اليمن، مهما تنوعت الأدوات وتبدلت الوجوه، مصيرها الخيبة والخسران والإحباط قبل بدء التنفيذ. وإن الدروس المستخلصة من هذه الفتنة جعلت الشعب أكثر استعداداً لمواجهة المؤامرات، وأن أي محاولة لإعادة إشعال الفتنة أو إعادة تدوير أدوات الخيانة ستظل رهينة الفشل أمام قوة الوحدة والوعي والإيمان القرآني المحمدي اليماني الأنصاري الأصيل.
وتثبتت الفتنة أن الداخل اليمني، إذا ما تحرك على ضوء الهدي القرآني وتوجيهات السيد القائد، يتحول إلى حصن لا تهزّه الجيوش الأجنبية ولا غرف المؤامرات المعتمة. وأن أي محاولة لإحياء أدوات الخيانة، أو إعادة تدوير سيناريو الفوضى، ستظل محكومة بالفشل، تماماً كما سقطت مؤامرة عفاش تحت أقدام رجال لا يعرفون الهزيمة، وشعب جعل اليمن مقبرة لكل الغزاة ومشاريعهم.
نقلا عن موقع المسيرة