تحذيرات سياسية: مشروع خطير يستهدف حضرموت ويهدد وحدة البلاد
أفق نيوز|
تعيش محافظة حضرموت شرق اليمن حالة من التقاسم والسيطرة والمواجهة المتصاعدة، بين الأدوات العميلة، مع تسارع الأحداث على الأرض بوتيرة دراماتيكية تعيد رسم خارطة النفوذ الاستعماري الجديد لليمن عبر المحافظات الشرقية الغنية بالثروات النفطية.
وجاءت زيارة وفد العدو السعودي إلى حضرموت في توقيت دقيق، في محاولة لضبط إيقاع الصراع بين الميليشيات المحلية المدعومة من الإمارات والسعودية، وضمان عدم خروج الصراع عن السيطرة، خاصة في ظل أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية باعتبارها أغنى محافظات اليمن بالثروات النفطية والموانئ الحيوية.
ما يحدث في حضرموت اليوم جزء من مشروع أكبر لتقسيم الجنوب اليمني والسيطرة على الموارد، ومحاولة فرض أجندات خارجية بالقوة والصفقات السياسية المسبقة، مستغلة الانقسامات الداخلية وضعف الرقابة الوطنية، ورضوخ العملاء المحليين، بينما تراقب صنعاء المشهد وتُحضّر لمعركة التحرير الكامل لكل ذرة رمل يمنية من الغزاة المستعمرين وأدواتهم.
أدوات محلية وأجندات خارجية
في هذا السياق يؤكد سفير وزارة الخارجية عبد الله صبري أن المشهد في حضرموت يمثل تصعيداً جديداً في مشروع التقاسم بين أطراف العدوان السعودي والإماراتي، مستخدمة أيادٍ محلية يمنية لتنفيذ أهدافها، وأن هذا التقاسم يشكل استهدافاً للوحدة الوطنية واليمنية، مستهدفاً صميم الهوية الحضرمية اليمنية التاريخية والجغرافية والثقافية.
ويضيف صبري في حديثه لقناة “المسيرة” أن دخول قوات الانتقال الجنوبي المدعومة إماراتياً إلى حضرموت يسعى لجر المحافظة إلى مشروع الانفصال والتقسيم، مستغلة الانقسامات الداخلية، والسعي للسيطرة على الوادي والشركات النفطية والموانئ، بما يضمن مصالح الأطراف الإقليمية على حساب سيادة اليمن ووحدته الوطنية. ويشير صبري إلى أن هذا الصراع يظهر جلياً في سلوكيات ميليشيات الانتقال، والتي تتعامل بعنف مع العلم الوطني، وهو مؤشر واضح على مشاريع الاحتلال والسيطرة بالقوة، وليست مجرد خلافات محلية بين أطراف سياسية.
من جهته، يشير الكاتب الصحفي فهمي اليوسفي إلى أن ما يحدث في حضرموت هو استمرار لمشروع قديم مستهدف لتقسيم اليمن عبر السيطرة على المحافظات الجنوبية، تحت غطاء انفصال أو سياسات محلية متشددة، وأن المخطط الإماراتي-الأمريكي-البريطاني يسعى لفصل حضرموت عن الجسد اليمني، ثم الانتقال لاحقاً إلى المهرة وشبوة وغيرها، لضمان السيطرة على المربع النفطي والثروات الاستراتيجية، مستفيداً من ضعف الرقابة الوطنية وغياب التوازن بين الأطراف المحلية.
ويوضح اليوسفي في حديثه “للمسيرة” أن حضرموت الكبرى محددة بخرائط الكومنولث البريطاني منذ عام 1922، وما تم استقطاعه لاحقاً وتسليمه للسعودية أو استغلاله اقتصادياً من قبل الإمارات يشكل امتداداً لمخططات الاستعمار القديم، التي ما تزال مستمرة عبر أدوات محلية تدعمها القوى الإقليمية. ويضيف أن السعودية والإمارات كان لهما دور تاريخي في احتضان رأس المال الحضرمي ومنح الجنسية لقبائل معينة، بهدف إضعاف النسيج الاجتماعي، وتهيئة الأرضية لتقسيم المحافظة وضمان ولاء بعض القوى المحلية.
ويؤكد اليوسفي أن مشروع التقسيم والاحتلال لحضرموت يستند إلى توازن مزدوج بين الأطراف المحلية والإقليمية؛ فالمشروع الإماراتي-البريطاني يركز على الساحل الغربي والموارد النفطية، ويستخدم الانتقالي الجنوبي كأداة لتنفيذ أجنداته في الداخل، في حين يهدف المشروع السعودي-الأمريكي للحفاظ على نفوذ خاص في حضرموت وتأمين مصالحه الاستراتيجية، مستفيداً من الانقسامات المحلية وصراعات الأدوات نفسها. ويتابع اليوسفي: “إن نتيجة هذا التنافس هي فوضى منظمة، حيث تتحرك الميليشيات المحلية كأدوات تنفيذية لمخططات خارجية، ويظل العلم الوطني عرضة للإهانة، وهو مؤشر على فرض واقع جديد بالقوة والصفقات المسبقة، مشيراً إلى أن هذا المشروع التاريخي يسعى إلى السيطرة على حضرموت بشكل كامل، مع خطط لاستكمال اغتصاب باقي المحافظات الجنوبية والشرقية، مستفيداً من الاتفاقات السابقة التي قدمت تنازلات للعدو السعودي والإماراتي منذ صيف 1994 وما بعده.”
أبعاد الاستهداف التاريخي والاقتصادي
في هذا الصدد يؤكد محافظ حضرموت، اللواء لقمان باراس، أن محافظة حضرموت كانت هدفًا لتحالف العدوان منذ البداية ولا تزال، مشيراً إلى وجود أهداف خفية للاحتلال تتعلق بالسيطرة على ثروات المحافظة، مبيناً أن الصراع الدائر حاليًا يُدار بأدوات محلية. ويقول باراس في تصريح له على قناة “المسيرة” أن الأهداف الحقيقية وراء هذا الاستهداف تتمحور حول قطاعات النفط، داعياً أبناء وأحرار حضرموت أن يصطفوا لمواجهة المؤامرة الدنيئة التي تستهدف المحافظة ونسيجها.
من جانبه يرى أمين سر جبهة التحرير الجنوبية، الأستاذ عارف العامري، أن التحركات والمناوشات في محافظتي حضرموت والمهرة من قبل ما يسمى بالمجلس الانتقالي والميليشيات التابعة لتحالف العدوان تأتي ضمن مخطط أكبر تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها، بدعم النظامين السعودي والإماراتي، بهدف فرض أجندات خارجية والسيطرة على مفاصل الدولة اليمنية وثرواتها الحيوية.
ويصف العامري في حديثة لقناة “المسيرة” هذه التحركات بأنها “الفصل الأخير من المسرحية” التي بدأها العدوان منذ سنوات، حيث لم تتمكن القوى الأجنبية أو أدواتها العسكرية والسياسية، بما في ذلك الحصار الممتد لأكثر من عقد، من هزيمة المكونات الوطنية في صنعاء، لافتاً إلى أن الهدف النهائي هو تضييق الخناق على السلطة الوطنية والمكونات اليمنية وفرض أجندات قد تعيد خلط الجغرافيا السياسية والتاريخية للمحافظات لخدمة مصالح القوى الخارجية.
ويؤكد أن تدنيس العلم اليمني في المهرة يظهر خضوع المجلس الانتقالي للأوامر الخارجية، بينما يرفع العلم في كافة الأراضي اليمنية الحرة ولم تتأثر المؤسسات الوطنية في صنعاء، مشيراً إلى أن القبائل الحضرمية والمهرية لا تسمح بتنفيذ أي أجندة خارجية، وتبقى موقفها مستقلاً عن الأطراف المحلية والخارجية المتحالفة مع العدوان.
ويستخلص العامري دروس الأحداث الأخيرة، مشيراً إلى استغلال الأنظمة الأجنبية للميليشيات المحلية، وسحب الصلاحيات والمصادر من الأحزاب المحلية مثل حزب الإصلاح، والتعامل مع المجتمع اليمني كأداة قابلة للتحريك وفق السيناريو المخطط له، كما يظهر في محاولات فرض النفوذ الخارجي وتقسيم المجتمع في حضرموت والمهرة.
ويشدد على أن أي محاولة لإخضاع أو تجويع أبناء المحافظتين ستبوء بالفشل، وأن القبائل والمجتمع المحلي يظلون صمام أمان لوحدة الأرض، محذراً من تصعيد شعبي وعسكري محتمل في حال استمرار محاولات السيطرة على المنافذ الطبيعية والثروات الاستراتيجية، ومؤكداً أن أدوات العدوان لن تفرض سيطرتها على الإرادة الشعبية والقبائلية في المحافظتين.
وتشير المعلومات إلى أن حضرموت كانت هدفاً لمخططات استهدافية منذ القرن العشرين، بدءاً من خرائط الكومنولث البريطاني، مروراً بمحاولات الملك فيصل للتمدد، وصولاً إلى السيطرة الحديثة على حقول النفط مثل عروق الشيبة والخرخير والوديعة، التي يتم نهبها يومياً بكميات هائلة لصالح القوى الإقليمية، بما في ذلك السعودية والإمارات بدعم أنجلو-أمريكي. كما أن هذا المشروع يشمل استهداف النسيج الاجتماعي عبر توظيف القبائل والأطراف المحلية، بما يضمن ولاءها لمصالح خارجية، وإضعاف الوعي الوطني والحضرمي، وإدخال المحافظة في صراع داخلي دائم يسهّل عملية التقسيم.
أمام هذه المعطيات والشواهد لم تقف صنعاء مكتوفة الأيدي، وسبق لها أن أعلنت في يوم 30 نوفمبر جهوزيتها لخوض معركة التحرير الشامل، ودعت كل أبناء الشعب اليمني إلى فتح آفاق جديدة لتوحيد الصفوف لطرد المستعمر الجديد وأدواته من المحافظات الجنوبية والشرقية، واستعادة السيادة اليمنية على كل ذرة رمل من تراب الوطن.
وإذا استمرت هذه الديناميكيات دون رادع، فإن حضرموت ستصبح بؤرة لتصفية الحسابات الإقليمية، مع تهديد مباشر لوحدة اليمن ومستقبل التسوية السياسية، ويكمن الحل في استعادة حضرموت الكبرى وفق الخرائط التاريخية ووثائق الاستقلال، وحماية الثروات الوطنية والموانئ الاستراتيجية من الاستغلال الخارجي، وتعزيز القدرة الوطنية على ضبط الأمن والسيادة، ومواجهة التدخلات الإقليمية التي تسعى لتكريس التقسيم. وفي حال لم تواجَه هذه المخططات بحزم ووعي، فإن مشروع تقسيم اليمن سيستمر، وسيصبح كل شبر من الأراضي اليمنية عرضة للنهب والتقسيم، مع تهديد مباشر للوحدة وسيادة الدولة.