الوعي القرآني ..البوصلة الاستراتيجية لمواجهة المشروع الصهيوأمريكي
أفق نيوز| عبدالحكيم عامر
في واقع عربي وإسلامي يطفح بالتشظي والتضليل، ويُدار فيه الإعلام والثقافة والدين بأدوات الهيمنة والارتهان، يبرز “الوعي القرآني” كأداة استراتيجية وفكرية لتحصين الأمة وتوجيهها في معركة وجودية مع المشروع الصهيوأمريكي، فالوعي القرآني رؤية شاملة تنطلق من القرآن لفهم الواقع، وتحليل الصراعات، وتحديد العدو، واستنهاض الأمة
منذ نشأة الكيان الصهيوني على أنقاض فلسطين، لم يكن الكيان الإسرائيلي كيانًا منعزلًا، بل رأس حربة في مشروع أوسع ترعاه أمريكا، هدفه الهيمنة على مقدرات المنطقة، ونهب ثرواتها، وتمزيق شعوبها، وتحريف وعيها، وتدمير هويتها، تمظهر هذا المشروع في حروب عسكرية مباشرة، وتدخلات ناعمة عبر الاقتصاد والإعلام، وصناعة “نخب تابعة” تُكرّس ثقافة التبعية والتطبيع والانهزام.
وفي قلب هذا المشروع، عملت أدواته على خلق أعداء وهميين للمسلمين من الطائفية، إلى صراع المذاهب، إلى الشيطنة الممنهجة لقوى المقاومة، وبذلك، نُقلت المعركة من القدس حروب طائفية يغذيها العدو، وتحوّل السلاح الإسلامي من مواجهة العدو إلى الاقتتال الداخلي.
إن الوعي القرآني هو إطار إدراكي يُعيد تعريف العدو والصديق، ويربط السياسة بالمبدأ، والجهاد بالمسؤولية، والموقف بالإيمان، وقد قدّم هذا المفهوم الشامل الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي كمشروع نهضوي في مواجهة الغزو الثقافي الأمريكي والصهيوني، مؤكدًا أن الأمة لن تنتصر إلا إذا أدركت طبيعة المعركة، ومصدر الخطر، ووسائل المواجهة.
في القرآن الكريم، العدو واضح (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)، أما أدوات المواجهة، فهي الوعي، والقول الحق، والبراءة، والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والصرخة في وجه المستكبرين. بهذا الإطار، لا يمكن أن يضلّ المسلم طريقه، ولا أن يُخدع ببريق “السلام الأمريكي” أو “التحالفات التطبيعية”.
أخطر أدوات المشروع الصهيوأمريكي لم تكن الدبابات ولا الطائرات، بل الإعلام المضلل، وحرب السرديات، وتفتيت الوعي الجمعي. تم تزوير القيم، وتقديم العملاء كـ”مصلحين”، والخونة كـ”صنّاع سلام”، والمقاومين كـ”إرهابيين”.
هنا يظهر الوعي القرآني كسلاح تحرري يحصّن العقل المسلم من التضليل، ويُعيد تعريف المفاهيم، الخيانة هي خيانة، مهما كانت تحت عباءة الدبلوماسية، والمقاومة شرف، ولو طاردتها قنوات العار، الصهيوني محتل، ولو صافحه زعماء العرب، وأمريكا عدو، ولو أقاموا معها قواعد عسكرية.
الوعي القرآني لم يبق حبيس النظرية، بل نزل إلى ميادين المواجهة، في اليمن، بات هذا الوعي قاعدة لحركة شعبية تصدت للعدوان الأمريكي السعودي، وربطت بين العدوان على اليمن والمشروع الصهيوأمريكي الأشمل، في لبنان، قدّمه حزب الله كركيزة لصياغة عقيدة قتالية تضع العدو الإسرائيلي هدفًا مركزيًا، وفي فلسطين، يترجمه المقاومون في غزة صواريخ وصمودًا وتحديًا.
هذا الوعي بات يُنتج خطابًا إعلاميًا قوياً، وأجيالًا لا تقبل الخضوع، بل تسير على نهج: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
الرهان اليوم هو على توسيع دائرة هذا الوعي، وتحصين الشعوب من الداخل، وكشف خيوط المشروع الصهيوأمريكي التي تتغلغل في السياسة والتعليم والإعلام والدين، فالمعركة اليوم كما هي عسكرية، هي حضارية وثقافية ومعرفية، ولن تُحسم إلا ببناء وعي استراتيجي جامع، ينطلق من القرآن، ويستند إلى الحقائق، ويقاوم الهيمنة بكافة صورها.
الوعي القرآني هو مشروع تحرري شامل، هو البوصلة في زمن التيه، والمنارة في ليل الفتن، به نعيد ترتيب الأولويات، ونكشف الأقنعة، ونحرر العقول قبل الأوطان، وفي زمن تتآمر فيه الأنظمة، وتتواطأ فيه النخب، وتُشيطن فيه المقاومة، يصبح هذا الوعي ضرورة وجودية، فالمعركة مع المشروع الصهيوأمريكي باقية وممتدة، ولن يُهزم هذا المشروع إلا بأمة مؤمنة واعية، تعرف من هو عدوها، ومع الوعي القرآني، لن تُضل الأمة بوصلتها أبدًا.