في خطابه الأخير، وجّه أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم كتائب القسام، تحية خَاصَّة لشعب اليمن، يمن الحكمة والإيمان.

كما خصّ بالتحية القوات المسلحة اليمنية وإخوان الصدق، حركة أنصار الله، الذين قال عنهم إنهم “فرضوا على العدوّ الإسرائيلي جبهة فاعلة وأقاموا الحُجّـة الدامغة على القاعدين والخانعين من أبناء الأُمَّــة”.

كلماتٌ عميقة وَمعبّرة، لم تكن مُجَـرّد مجاملة سياسية أَو تعبيرًا عابرًا عن التضامن.

بل جاءت كاعتراف ميداني صريح من قيادة المقاومة الفلسطينية بالدور النوعي والاستثنائي الذي تؤديه القوات اليمنية في دعم معركة الأُمَّــة المركزية: فلسطين.

 

أنصار الله من شعار يردَّد إلى موقفٍ يترجم على أرض الواقع كسلوك:

حين أطلقت القوات المسلحة اليمنية صواريخها وطائراتها المسيّرة باتّجاه العمق الصهيوني، وفرضت معادلة ردع في البحر الأحمر وباب المندب، كان ذلك بمثابة إعلان عملي أن القضية الفلسطينية ليست مُجَـرّد شعار يُرفع، بل معركة يُقاتَلُ مِن أجلِها.

لقد تجاوز أنصار الله مربع البيانات والإدانات، ودخلوا ميدان الفعل المؤثر، في وقتٍ خذلت فيه بعض الأنظمة الرسمية القضية، بل واندفعت في مسار التطبيع والتواطؤ.

ولهذا، فَــإنَّ وصفَ أبو عبيدة لهم بـإخوان الصدق لم يكن إلا ترجمةً واقعية لهذا الموقف الأخلاقي والعسكري النادر.

منذ انطلاق العدوان الصهيوني الأخير على غزة، كان هناك مَن يشكّك بمواقف أنصار الله، ويتهكَّمُ على إمْكَاناتهم، ويصوّر دعمَهم كضوضاء إعلامية بلا أثر.

لكن تطورات الواقع كانت كفيلة بكشف زيف تلك الادِّعاءات.

اليوم، لم تعد القضية بحاجة إلى دفاع أَو تبرير. فالحرب نفسها، ومعادلات الردع الجديدة، تتكلم. وحالة الذعر لدى الاحتلال من الجبهة اليمنية، واعتراف قادة العدوّ بأنهم يواجهون حربًا متعددة الجبهات، تؤكّـد أن المشكّكين لم يكونوا سوى صدىً لمشروع الهزيمة، وإن لبس بعضُهم قناعَ الحياد.

ما يمكن الحديث عنه اليوم هو أن يخرج الناطق باسم القسام وليس الخروج الأول ليخصّ اليمن وأنصار الله بتحية استثنائية، فذلك يحمل في طياته أبعادًا عدة أبرزها ما عبرت عنه المقاومة من تثمينها للموقف اليمني عبر الضغط البحري.

وهنا تكون الرسالة قد وصلت بوضوح لكل المشككين ومن جعلوا من أنفسهم المترس الأول للدفاع عن الصهيونية -بأن المعركة لا تقبل المواقف الرمادية.

إنه أَيْـضًا بمثابة رد اعتبار لكل يمني شريف وقف مع فلسطين في وقت تخاذل فيه كثيرون.

ورد على الأصوات النشاز التي أرادت أن تحصر اليمن في دائرة العُزلة فإذا به في صدارة الميدان والموقف.

وفي الأخير كلمة لا بُـدَّ منها..

لقد فرض أنصار الله معادلة جديدة في الصراع.

وأسقطوا ورقة التوت عن المتخاذلين.

وأكّـدوا أن من يصدق مع الله ومع قضايا أمته، فَــإنَّ له لسانَ صدق عند الأحرار.

وما كلمة أبو عبيدة ليست إلا شهادة من ميادين الجهاد بأن اليمن لم يتخلّف، بل تقدّم الصفوف.. وأن إخوان الصدق يُعرَفون وقتَ الشدائد.