الفساد والعلوُّ مقدماتٌ للزوال
أفق نيوز|
د/عبدالرحمن المختار
وصف الله سبحانه وتعالى اليهود في عدد من سور القرآن الكريم بصفات متعددة تجسد خبثهم وحقدهم وحقارتهم، وكلها صفات متجسدة على أرض الواقع، خُصُوصًا الصفات المُستمرّة على مر العصور والأزمنة وفي مختلف الأمكنة، بعد ختم الله سبحانه وتعالى للنبوة بالرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن تلك الصفات القبيحة: الكفر، وقتل النفس التي حرم الله بغير الحق، والسحر، والشرك بالله، والفساد، وأكل الربا، والتحريف، والبخل، والرشوة، والنفاق، والأنانية وسوء الخلق، والتحايل، والجبن، والخوف من البشر أكثر من الخوف من الله، والحسد، والحقد والكراهية، والكبر والغرور، والعناد، والتزوير، والجحود، ونقض العهود والمواثيق، والخداع، والعدوان، والقسوة، والانحراف، وحب الباطل، وغيرها من الصفات الذميمة.
ويعد الفساد في الأرض أخطر صفة من صفات اليهود، ارتبط بها علوهم وكبرهم وغطرستهم وظلمهم وإجرامهم وتوحشهم وخطرهم على البشرية بأسرها، وليس على فئة بذاتها، لعموم الدلالة على شمول الأرض بالفساد والعلو، كما ورد في قول الله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إسرائيل فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾.
ووفقًا لسنة الله سبحانه وتعالى، فَــإنَّه يعقب فساد اليهود في الأرض وعلوهم الكبير عقاب شديد من الله في الدنيا، جزاءً لهم على فسادهم وكبرهم، وأن هذا العقاب ينزله الله بهم على أيدي عباده المؤمنين الصادقين الموصوفين بالبأس الشديد، وهذه الصفة ملازمة لهم في الحالتين: الأولى التي قد انقضت، والثانية التي تشير معطيات الواقع إلى قرب موعدها.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ما حَـلّ باليهود من نكال عقب حالة الفساد الأولى، فقال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا﴾.
ويبدو أن شروط تحقّق عقاب الله لليهود للمرة الثانية على أيدي عباده المؤمنين، جزاء فسادهم في الأرض وعلوهم، باتت أكثر وضوحًا في زمننا الراهن؛ فهم الأكثر فسادًا في الأرض، وهم الأكثر إجراما، وهم الأكثر أموالا، وهم الأكثر استنفارا للعالم إلى صفهم، وهم الأكثر إساءة إلى خلق الله أجمعين، قال تعالى عن وعد الآخرة: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأنفسكُمْ، وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أول مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾.
ويعد تبجح نتنياهو فيما يتعلق برؤية(إسرائيل الكُبرى) مؤشرًا مهمًا على قرب تحقّق وعد الله الآخرة، فأن يتجاوز كيان اليهود الصهاينة أسوار الأراضي المحتلّة فذلك أمر إيجابي ومؤشر مهم على قرب موعد الزوال؛ باعتبَار أن من صفات اليهود الجبن وعدم القدرة على المواجهة، وأنهم كما حكى الله سبحانه وتعالى عنهم لا يقاتلون إلا عن بعد ويتحاشون الاشتباك المباشر، قال تعالى: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جميعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَو مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جميعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾.
وتعد معدات ووسائل وتحصينات العصر التي يستخدمها اليهود في الفساد والإجرام والعدوان، هي الأشد فتكًا من وسائلهم السابقة، وهي الأشد تحصينًا من تحصيناتهم في العصور الغابرة، وقد غرهم ما هم فيه اليوم من تمكّن، ودفعهم لمزيد من الفساد والعلو، وأن اتساع رقعة الأرض التي يعلنونها نطاقًا جغرافيًّا لدولتهم، يعني تشتتهم فيها وتخليهم عن التمسك بنطاق جغرافي محدود يبنون حوله الأسوار ويجهزونه بأحدث تجهيزات العصر.
وما أعلنه رسميًّا نتنياهو عن (إسرائيل الكُبرى)، وفقًا للنطاق الجغرافي المحدّد والمعلن عنه سابقًا، سيؤدي إلى مزيد من الانكشاف للأنظمة الوظيفية العربية التي تشكل طوقًا أمنيًّا للكيان الصهيوني المجرم في نطاقه الجغرافي الراهن، وفي النطاق الجغرافي لدولته الكبرى التي يبشرون بها.
وقد يؤدي هذا الانكشاف للأنظمة الوظيفية العميلة أمام الشعوب العربية إلى تحَرّك هذه الشعوب لإسقاطها، وهو ما سيسمح لعباد الله المخلصين أولي البأس الشديد باجتياز الحواجز الأمنية والوصول إلى تحصينات العدوّ الصهيوني في مختلف النقاط الجغرافية في النطاق الجغرافي الضيق للأراضي الفلسطينية المحتلّة، أَو في النطاق الجغرافي الواسع لما يسمى (إسرائيل الكُبرى).
ولن يتم تدمير قدرات الكيان الصهيوني عن بعد، ولن يتم إسقاطه من علوه عن بعد أَيْـضًا، ولن يتم ذلك إلا بوصول عباد الله أولي البأس الشديد إلى عقر دار مجرمي الكيان، ومهما تحرزوا واحتاطوا، فسيترك الفساد الصهيوني العريض والعلو الكبير طريقًا لم يحسبوا له حسابًا، وسيمر أولي البأس الشديد لتحقيق وعد الآخرة.
وحينئذ لن تكون لمعداتهم ووسائلهم وتحصيناتهم أي قيمة أَو قدرة على تقديم أي قدر من الحماية، كما سبق لتلك التحصينات أن خذلتهم في الزمن الماضي، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهل الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ من حَيثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾.
وعند تحقّق وعد الآخرة بإذن الله تعالى، ستبدأ عملية دك كُـلّ التحصينات، ولن يُسمع بعدها دوي صوت صفارات الإنذار؛ لأَنَّ كيان الإجرام ذاته سيكون في حالة زوال، ولن يكون في الأرض المقدسة من علو إلا لكلمة الله، ولن يسمع فيها إلا أصوات التكبير والتسبيح والتحميد والتمجيد لله سبحانه وتعالى.