الواقع العالمي قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم
أفق نيوز|
تقرير خاص|
قبل بزوغ فجر الإسلام ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كان العالم يرزح تحت وطأة ظلماتٍ متعددة الأوجه، شملت الجوانب الروحية، والأخلاقية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، لم تكن هذه الظلمات مقتصرة على منطقة جغرافية بعينها، بل امتدت لتشمل معظم الحضارات الكبرى في ذلك العصر، مما خلق واقعًا عالميًا يتسم بالانحراف والفساد والاضطراب، لقد كانت البشرية في أمس الحاجة إلى نورٍ يضيء دروبها، وهدايةٍ تنتشلها من مهاوي الضلال، ورسالةٍ تعيد إليها قيمها الإنسانية السامية. هذا التقرير سيتناول بالتحليل والوصف الواقع العالمي قبل البعثة النبوية الشريفة، مبرزاً الحاجة الماسة التي كانت تقتضي ظهور الرسالة الخاتمة التي جاء بها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، والتي كانت بمثابة نقطة تحول تاريخية غيرت وجه العالم إلى الأبد.
أولاً: الظلام الشامل الذي عمّ العالم
عاش العالم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ظلمات الجهل والانحراف، حيث انعدمت القيم الروحية وانتشر الفساد على كل المستويات، كانت هذه الفترة تتسم بتدهور شامل في كافة مناحي الحياة، مما عكس حالة من الفوضى والضياع .
الانحراف العقدي
سيطرت الوثنية والشرك على معظم الأمم، حتى أهل الكتاب انحرفوا عن رسالاتهم السماوية، ففي الجزيرة العربية، كانت الأصنام تُعبد، وكانت القبائل تتفاخر بآلهتها المتعددة، مما أدى إلى تشتت عقدي وفكري عميق. لم يكن هذا الانحراف مقتصرًا على العرب، بل امتد ليشمل الإمبراطوريات الكبرى كالفارسية والرومانية، حيث كانت الديانات الوثنية أو المحرفة هي السائدة، مما أبعد الناس عن التوحيد الخالص لله.
الانحلال الأخلاقي
انتشرت الفواحش والظلم الاجتماعي، وضعفت القيم الإنسانية بشكل كبير، كانت الممارسات اللاأخلاقية مثل شرب الخمور، وقتل الأنفس المحرمة، وأكل الميتة، منتشرة على نطاق واسع، كانت القسوة سمة غالبة، والجهل متفشيًا، والمادية طاغية، مما أدى إلى تدهور العلاقات الإنسانية وانتشار الظلم والعدوان .
الاستبداد السياسي
تسلط الملوك والطغاة، فاستعبدوا الشعوب وأهدروا كرامة الإنسان، كانت الأنظمة السياسية في ذلك الوقت قائمة على القوة والهيمنة، حيث لم يكن هناك اعتبار لحقوق الأفراد أو كرامتهم. كانت الإمبراطوريات تتصارع فيما بينها على النفوذ، مما أدى إلى حروب مستمرة ومعاناة الشعوب .
الظلم الاقتصادي
ظهرت أنظمة الاستغلال والربا والاحتكار، فازداد الغني غنى والفقير فقرًا. كانت الثروة تتركز في أيدي قلة قليلة، بينما كانت الغالبية العظمى من الناس تعيش في فقر مدقع وحرمان. هذا الظلم الاقتصادي أدى إلى تفكك اجتماعي وزيادة في الفتن والصراعات.
ثانياً: حال العالم الإسلامي قبل الإسلام
لم يكن للعرب دولة موحدة أو نظام جامع، بل كانت الجزيرة العربية مسرحًا للصراعات القبلية المستمرة، مما أضعفها وأشاع الفوضى والاضطراب .
الصراع القبلي
كانت الحروب القبلية المستمرة سمة مميزة للمجتمع العربي قبل الإسلام، هذه الحروب، التي كانت تقوم لأتفه الأسباب، أدت إلى إضعاف الجزيرة العربية بشكل كبير، ونشرت الفوضى والنزاعات المستمرة بين القبائل، لم يكن هناك نظام سياسي موحد يجمع هذه القبائل، مما جعلها عرضة للتدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية .
الجهل والأمية
كان الجهل والأمية منتشرين بشكل واسع في الجزيرة العربية. لم يكن هناك اهتمام كبير بالعلم أو التعليم، مما أدى إلى غياب الوعي وتفشي الخرافات والعادات السيئة. هذا الجهل كان له تأثير كبير على كافة جوانب الحياة، من العقيدة إلى الأخلاق والمعاملات.
العادات الاجتماعية السيئة
انتشرت العديد من العادات الاجتماعية السيئة، مثل وأد البنات، وشرب الخمر، والميسر، والاعتداء على الضعفاء، كانت هذه العادات تعكس تدهورًا أخلاقيًا واجتماعيًا عميقًا، وغيابًا للقيم الإنسانية النبيلة .
غياب العدالة الاجتماعية
كانت العدالة الاجتماعية غائبة إلى حد كبير، حيث كان القوي يأكل الضعيف، وكانت الحقوق تُنتهك دون رادع. لم يكن هناك نظام قضائي عادل يحمي حقوق الأفراد، مما أدى إلى انتشار الظلم والفساد في المجتمع .
ثالثاً: الإمبراطوريات الكبرى المحيطة بالعالم الإسلامي
لم يكن التدهور مقتصرًا على الجزيرة العربية، بل امتد ليشمل الإمبراطوريات الكبرى التي كانت تحيط بالعالم الإسلامي آنذاك، وهي الإمبراطورية الفارسية (الساسانية) والإمبراطورية الرومانية (البيزنطية)، كانت كلتا القوتين غارقتين في الترف والانحلال والظلم الطبقي، واستبداد الملوك والكهنة، وكانتا منشغلتين بالهيمنة والنفوذ، لا برعاية القيم أو تحقيق العدالة .
الإمبراطورية الفارسية (الساسانية)
كانت الإمبراطورية الفارسية قوة عظمى في الشرق، ولكنها كانت تعاني من فساد داخلي عميق، كانت العقيدة الزرادشتية هي الديانة الرسمية، ولكنها كانت قد انحرفت عن مبادئها الأصلية، وانتشرت فيها الطبقية الشديدة والظلم الاجتماعي، كان المجتمع الفارسي مقسمًا إلى طبقات صارمة، حيث كانت الطبقة الحاكمة والكهنة يتمتعون بامتيازات هائلة، بينما كانت الطبقات الدنيا تعيش في فقر وحرمان، كما كانت الحروب المستمرة مع الإمبراطورية الرومانية تستنزف مواردها وتزيد من معاناة شعوبها.
الإمبراطورية الرومانية (البيزنطية)
في الغرب، كانت الإمبراطورية الرومانية البيزنطية تمثل قوة عظمى أخرى، ولكنها لم تكن أفضل حالًا من الفرس، كانت المسيحية هي الديانة الرسمية، ولكنها كانت قد انقسمت إلى مذاهب وطوائف متناحرة، مما أدى إلى صراعات دينية وسياسية داخلية، كانت الإمبراطورية تعاني من الفساد الإداري والمالي، ومن الظلم الاجتماعي، حيث كانت هناك فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء، كما كانت الحروب مع الفرس والقبائل الجرمانية تستنزف قواها وتضعفها .
الصراع بين الإمبراطوريتين
كان الصراع المستمر بين الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية سمة مميزة لتلك الفترة، كانت هذه الحروب الطويلة والمدمرة تهدف إلى الهيمنة والنفوذ، ولم تكن تضع في اعتبارها مصالح الشعوب أو القيم الإنسانية، هذا الصراع أدى إلى دمار واسع النطاق، وزيادة في المعاناة الإنسانية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المناطق المتنازع عليها.
رابعاً: الحاجة الماسّة إلى الرسالة الإلهية
في ظل هذا الواقع المظلم الذي كان يعيشه العالم، أصبحت الحاجة ماسة إلى رسالة إلهية جديدة تقود البشرية نحو النور، وتنتشلها من ظلمات الجهل والفساد، لم تعد القوانين الوضعية والفلسفات البشرية قادرة على تقديم حلول حقيقية لمشاكل الاستبداد والظلم والانحلال الأخلاقي. كانت النفوس تتوق إلى العدل والرحمة بعد أن أنهكتها الحروب والفتن، وباتت البشرية في انتظار منقذ يخرجها من هذا الضياع .
فشل القوانين الوضعية والفلسفات البشرية
على الرغم من وجود بعض الأنظمة القانونية والفلسفية في الحضارات القديمة، إلا أنها فشلت في تحقيق العدالة الشاملة والسعادة الحقيقية للبشرية، كانت هذه القوانين والفلسفات غالبًا ما تخدم مصالح طبقة معينة أو مجموعة حاكمة، وتتجاهل حقوق الغالبية العظمى من الناس. كما أنها لم تستطع معالجة الأمراض الروحية والأخلاقية التي كانت تعصف بالمجتمعات، مما أدى إلى استمرار الظلم والفساد .
التوق إلى العدل والرحمة
كانت البشرية في ذلك الوقت تتوق إلى العدل والرحمة، بعد أن عانت طويلًا من ويلات الحروب والفتن والظلم، كانت القلوب متعطشة للسلام والأمان، وكانت النفوس تبحث عن معنى وهدف لحياتها. هذا التوق الشديد إلى التغيير والإصلاح كان مؤشرًا واضحًا على أن العالم كان مهيأً لاستقبال رسالة سماوية جديدة تحمل في طياتها الحلول الشاملة لمشاكله .
غياب القدوة الصالحة
في ظل انتشار الفساد والانحلال، كان هناك غياب واضح للقدوة الصالحة التي يمكن للبشرية أن تقتدي بها، كانت الشخصيات القيادية في معظم الحضارات غارقة في الفساد والظلم، مما أثر سلبًا على المجتمعات وجعلها تفقد الأمل في التغيير، كانت الحاجة ماسة إلى قائد رباني يجسد القيم الإنسانية السامية، ويقدم نموذجًا حيًا للعدل والرحمة والأخلاق الفاضلة.
خامساً: بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم نقطة تحول تاريخية
جاءت الرسالة الخاتمة بقيادة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم لتغيّر مسار التاريخ، وتنتشل البشرية من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الهداية والعدل. لم تكن بعثته مجرد حدث عابر، بل كانت نقطة تحول جذرية في حياة البشرية جمعاء، حيث أحدثت تغييرًا شاملاً في كافة جوانب الحياة.
أحيت التوحيد
أعادت الرسالة المحمدية الإنسان إلى عبادة الله وحده، بعد أن كان غارقًا في الشرك والوثنية. لقد جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليصحح المفاهيم العقدية المنحرفة، ويؤكد على وحدانية الله، وأن لا إله إلا هو. هذا التوحيد الخالص حرر الإنسان من عبودية المخلوقات، وربطه بخالقه ومولاه، مما أضفى على حياته معنى وهدفًا ساميًا [.
أصلحت المجتمع
حاربت الرسالة الإسلامية الجهل والفقر والظلم، وأقامت مجتمعًا قائمًا على قيم العدل والمساواة والرحمة، لقد عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إصلاح العادات الاجتماعية السيئة، مثل وأد البنات، وشرب الخمر، والميسر، واستبدلها بقيم أخلاقية رفيعة. كما عمل على محاربة الفقر والظلم الاقتصادي، وأرسى مبادئ العدالة الاجتماعية التي تضمن حقوق الجميع .
وحّدت الأمة
جمعت الرسالة الإسلامية القبائل المتناحرة في كيان قوي موحد على أساس الإيمان. فبعد سنوات طويلة من الصراعات والحروب القبلية، جاء الإسلام ليوحد القلوب والصفوف، ويجعل من المسلمين أمة واحدة متماسكة. هذه الوحدة لم تكن قائمة على العصبية القبلية أو العرقية، بل على رابطة الإيمان القوية، مما أدى إلى بناء دولة قوية ومزدهرة.
أقامت العدل
أسست الرسالة الإسلامية نظامًا متوازنًا في السياسة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية، قائمًا على مبادئ العدل والإنصاف. لقد جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقيم العدل في كل جوانب الحياة، من الحكم إلى المعاملات المالية، ومن العلاقات الأسرية إلى العلاقات الدولية. هذا النظام العادل ضمن حقوق الأفراد والجماعات، وحقق الأمن والاستقرار في المجتمع.
خاتمة
إن بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كانت بحق نقطة تحول تاريخية غيرت وجه العالم، لقد جاءت رسالته لتضيء دروب البشرية، وتنتشلها من ظلمات الجهل والفساد إلى نور الهداية والعدل، إن إحياء ذكرى مولده الشريف هو إحياء لرسالته، وتجديد للعهد بمنهجه، الذي هو السبيل الوحيد لنهضة الأمة وتحقيق عزتها وكرامتها في هذا العصر.