من قطر إلى غيرها… الاستباحة مستمرة وتحذيرات السيد القائد تتجدد
أفق نيوز|
في لحظةٍ بالغة الحساسية من الاستباحة الصهيوأمريكية للأمة، وجَّه العدو الصهيوني ضربةً عسكريةً مباشرة إلى عاصمة قطر، الدوحة، مستهدفًا وفد حركة “حماس” التفاوضي.
لم يكن العدوان على قطر تصعيدًا عسكريًا فحسب، بل هو تحوّلً نوعيً خطيرفي مسار الهيمنة، يُظهِر الوجه الحقيقي لتحالف الشر الأمريكي–الصهيوني، ويعيد رسم خارطة “الاستباحة” التي حذّر منها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي _يحفظه الله_ منذ اللحظة الأولى للعدوان على غزة.
الدوحة، التي وُصفت سنينَ بأنها “العاصمة الوسيطة”، وجدت نفسها فجأةً في قلب النار، فسقطت بذلك أوهام الحياد والحصانة.
فالعلاقات الأمنية العميقة مع واشنطن، واحتضان القواعد الأمريكية، ومسار التطبيع مع العدو الصهيوني المجرم المتغطرس… لم تمنع طائرات العدو من التحليق فوق عواصم العرب، والضرب في قلب بلدٍ يتفاخر بتوازنه بين العمالة المستترة والتفاوض الداعم إعلاميًا لغزة.
العدوان لم يكن منفصلًا عن سياق الضغط السياسي على المقاومة، بل جاء رسالة نارٍ موجهة إلى طاولة المفاوضات: القبول بالإملاءات الأمريكية أو مواجهة مزيدٍ من الاستهداف في أي وقت، وأي مكان، وبدون استئذان.
الاسْتِباحَةِ”.. بَيْنَ التَّحْذِيرِ وَالتَّجْسِيدِ
سبق وحذّر السيّد القائد مرارًا من فرض “معادلة الاستباحة” الجديدة في المنطقة، التي تتيح للعدو أن يقتل من يشاء، ويقصف من يشاء، في أي عاصمةٍ عربيّة أو إسلاميّة، بينما يُمنع على الشعوب أن تردّ أو حتى أن ترفع صوتها. واليوم، تتجسّد هذه المعادلة في أرض الواقع، لا في غزّة وحدها، بل في الدوحة وبيروت وبغداد ودمشق.
إنّ الصمت الخليجي، والعجز العربي الرسمي، بل وربّما التواطؤ الضمني، قد شكّل غطاءً للعدوان؛ فقد كانت الطائرات القطريّة والأمريكيّة للتزوّد بالوقود تحلّق قبل الضربة، والمنظومات الدفاعيّة الحديثة بقيت صامتة.
ومنظومة الإنذار المبكر في الخليج لم تتحرّك، والطائرات المعادية مرّت عبر أجواء دولٍ عربيّة، في مشهدٍ يفضح مقدار التنسيق أو على الأقلّ الرضى المسبق.
وليست هذه حادثة عابرة، بل هي “صفعة استراتيجيّة” موجّهة إلى كلّ نظامٍ عربيّ راهن على تطبيع الحماية الأمريكيّة.
وضُربت الدوحة، على الرغم من كلّ ما قدّمته، لأنّها لم تتنازل بما يكفي، ولأنّها ما تزال تحتفظ بعلاقةٍ ما مع المقاومة؛ فهي رسالة: إمّا الولاء الكامل، أو القصف، ظاهرياً، وما خفي لا يدرك قعرة، أن تكون الدوحة على تنسيق مسبق بهدف ابتزاز المقاومة الفلسطينية، وكونها خاضعة تحت رحمة القاعدة الأمريكية فلا يمكنها غير التنفيذ فقط، والخروج ببيان استنكار وشجب للحفاظ على ماء الوجه.
تعريفُ الأمانِ والحمايةِ المزعوم
إن من أبرز ما يكشفه هذا العدوان سقوط فكرة “الاستثناء” من الاستهداف، فلم تبقَ عاصمة في مأمن، ولا نظام في حرز، مهما قدّم من تنازلات. ولم يعد للحياد موضع في ساحة المعركة. وهذا ما يجعل النظر في العدوان من منظور السيد القائد أمراً ذا شأن عظيم، إذ قالها صريحة: “لن نقبل أبداً بتثبيت معادلة الاستباحة لأمتنا، لا في بلادنا ولا في غيرها… فهذا أمر غير مقبول البتة.”
هذا البيان يعيد ضبط بوصلة الوعي، فمن ظن أن النجاة في الارتماء بأحضان واشنطن والكيان الغاصب، فإنه يصير عاجلاً أو آجلاً هدفاً لابتزاز الأمة، ومن ترك المقاومة، فإنه لا يحصّن نفسه، بل يفقد شرف الوقوف مع الحق، ولا ينال بذلك أمناً.
وما يجري اليوم يفضح وظيفة ما يُسمّى بـ”النظام العربي الرسمي”، وفي مقدمته مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، فلم يعد يصح اعتبارهما أدوات تنسيق دبلوماسي أو صوتاً عربياً موحداً.
إن صمتهما عمّا جرى في الدوحة، كما صمتهما عن المجازر في غزة ولبنان، يكشف أنّهما قد أصبحا أداتين لتبرير الخضوع وإدارته، لا وسيلتين لحماية الأمّة، بينما يذهب كثير من الخبراء إلى تأكيد الشراكة الصهيونية الأمريكية السعودية الإماراتية لإخضاع الأمّة بحكوماتها وشعوبها، مشيرين إلى وجود أحقاد مشتركة بين هذه المنظومة ضد الدوحة وتوجّهها الإعلامي المساند إلى حدٍّ ما للمقاومة الفلسطينية، ودورها فيما يُسمّى بـ “الرّبيع العربي”.
إن العدوان على الدوحة ليس خاتمة المشهد، بل هو مبتدأ طور أشد خطراً، إنها ساعة الصدق، الساعة التي يتميّز فيها الصف، وتظهر فيها السرائر، فإمّا أن تنهض الأمة بمقاومتها وشعوبها وجيوشها، وإعلامها ونخبها لتواجه هذه المعادلة وتكسرها، وإمّا أن تتساقط عواصمها واحدةً تلو أخرى تحت وابل الابتزاز بالقصف.
وما كان من أمرٍ لم يكن موجهاً إلى حماس وحدها، بل إلى كل مقاوم يأبى الخنوع، ولم يكن موجهاً إلى قطر وحدها، بل إلى كل طرفٍ عربيٍ مسلم يهمّ أن يكون وسيطاً من غير إذن واشنطن، والرسالة بيّنة: من لم يُصفِّ المقاومة، يُقصف معها.
إن التهديد الذي تمثله معادلة الاستباحة لا يواجهه إلا موقف موحد، شعبي ورسمي، يرتكز إلى خيار المقاومة كحق وواجب، ويعيد الاعتبار لمفهوم السيادة العربية والإسلامية، فوحدة الموقف اليوم لم تعد ترفًا، بل هي شرط وجود.
وكشفت الضربة الصهيونية على الدوحة أن الحصانة ليست مسألة تحالفات، بل مسألة موقف، وإن كل من لا ينحاز إلى المقاومة، سيُستباح في صمت، وإن كل تأجيل للمواجهة، هو تسريع لوتيرة السقوط، فإما أن تنتصر الأمة بكرامتها، أو تُدفن تحت ركام خضوعها.
خريطة إنذار مبكر
إن تحذيرات السيد القائد ـ يحفظه الله ـ منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة، تمثل خريطة إنذار مبكر لما سيأتي على الأمة، وقد أثبتت الأيام صدقها ودقتها في توصيف طبيعة المرحلة وخطورة المسار الذي يدفع العدو الأمة إليه.
وقد نبه السيد القائد بوضوح إلى أن ما يجري ليس صراعاً محدوداً بزمان أو مكان، بل هو محاولة شاملة لفرض معادلة استباحة كاملة، تُسقط فيها السيادة، وتُقيَّد فيها الإرادة، وتُصادر فيها حتى الحقوق الطبيعية في الدفاع والرفض.
ولم تكن تحذيراته تحليلات نظرية، بل كانت مواقف استراتيجية نابعة من قراءة عميقة لمعادلات الصراع وتحولات النظام الإقليمي والدولي، ووعي متقد بطبيعة المشروع الصهيوني الأمريكي وأدواته في المنطقة، قراءة منبثقة من قرين قرآن وسليل نبوة ومعدن رسالة، وعلم هداية من آل البيت سفينة نجاة الأمة عليهم السلام.
واليوم، بعدما بلغت الاستباحة عاصمة مطبعة ومفتوحة على واشنطن كـ”الدوحة”، تتأكد أهمية تلك التحذيرات التي كانت بمثابة جرس إنذار لكل الأحرار.
ولم يطرح السيد القائد التحذير فحسب، بل قدم كذلك الرؤية البديلة والطريق الآمن لمواجهة هذا الخطر، والمتمثل في: اليقظة، والوعي، والموقف، وتكامل جبهات المقاومة، ورفض سياسة الحياد أو التواطؤ أو الخضوع؛ فهو لا يرى المقاومة خياراً آنياً، بل هي هوية حضارية ومسار استراتيجي لتحصين الأمة وصيانة كرامتها، بل هي امتداد لخيبر وبني النضير وغزوة الخندق، بتجلياتها ومواقفها.
وفي ظل صمت كثير من العواصم، يبقى صوت السيد القائد صوتاً واضحاً لا يتلعثم في قول الحق، ولا يساوم على دماء الشهداء، ومع كل واقعة استباحة جديدة، يزداد صدق هذا الصوت إشراقاً، وتغدو كلماته المسبوقة والمتبوعة بالصواريخ والمسيرات مرجعاً لكل من بقي لديه بقية من وعي أو بوصلة انتماء.
إن الإصغاء لتحذيرات السيد القائد والعمل بها لم يعد أمراً يخص اليمن وحده، بل صار ضرورة مصيرية لسائر الأمة، إذ إن المستقبل، كما قال، أشد خطراً مما مضى، وإن لم تتداعَ الأمة في هذا الوقت، فسوف تتداعى على حواضرها ضرباً وانتهاكاً، كما يتداعى الأكلون إلى قصعتهم.