الهجوم “الإسرائيلي” على وفد حماس في الدوحة ليس مُجَـرّد عملية عسكرية استهدافية عابرة، بل هو تصعيد خطير يستشرف مرحلة جديدة أكثر دموية وتعقيدًا، وهو رسالة مبطنة لا تهدف فقط إلى تصفية القادة بل إلى تصفية القضية برمتها، وإلى إرسال إنذار شديد اللهجة لكل من يقف حتى على أطراف مناصرة الحق الفلسطيني بأنه ليس في مأمن من بطش الآلة العسكرية الصهيونية المدعومة بأكبر قوة في العالم.

هجومٌ على أرض عربية، وفي عاصمة دولة عربية كانت تدَّعي دور الوسيط وتحمل راية الدعم للإعلام الفلسطيني، يكشفُ بوضوح أن العدوّ الصهيوني لم يعد يفرق بين دم على أرضه ودم على أرض مطبعة معه، وأن كُـلّ ما يريده هو إخضاع المنطقة بالكامل لإرادته دون أدنى اعتبار لسيادة دولها أَو كرامة شعوبها.

فعلٌ جراميٌّ لن يزيد المنطقة إلا اشتعالًا؛ لأَنَّه يثبت للمقاومة وللشعوب العربية أن العدوّ لا يفهم إلا لغة القوة، وأن كُـلّ محاولات التهدئة والمفاوضات كانت مُجَـرّد تضيع وقت للعدو ليعيد ترتيب أوراقه ويجهز ضرباته الأكثر قسوة.

وفي خضمِّ هذا التصعيد، يبرز سؤالٌ مؤلم عن دور الأنظمة العربية، وتحديدًا سياسة قطر الضبابية التي تترنح بين خطاب داعم للمقاومة في الإعلام وبين استمرار العلاقات المتينة مع الغرب الذي يزود العدوّ الصهيوني بأحدث الأسلحة.

إن الهجومَ العدواني على وفد حماس في الدوحة نفسه هو إهانةٌ بالغةٌ لسيادة قطر ودول الخليج، واستخفاف صارخ بها، ولكن رد الفعل الرسمي القطري والخليجي كان أقرب إلى الصمت المشبوه، مما يطرح تساؤلات كبيرة عن طبيعة الدور الحقيقي الذي تلعبه الدوحة، هل هو دور الوسيط المحايد أم دور الشريك الصامت في لعبة التطبيع الكبرى؟!

على قطر تفهم أن سياسة اللعب على الحبلين التي تنتهجها هي وبعض الأنظمة العربية، لم تعد مجدية، بل تحولت إلى فخ خانق يهدّد الأمن القومي العربي برمته، ويشكل طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني الذي يدفع كُـلّ يوم دماء أبنائه ثمنًا لصمت العرب وتخاذلهم وتطبيعهم.

الشعب الفلسطيني يعاني تحت نير احتلال لا يرحم، ويعاني من حصار ظالم، من تهجير قسري، وتدمير منهجي للمنازل والمستشفيات والبنى التحتية، وقتل ممنهج للأحلام والطموحات، وهو يرى أن بعض الأنظمة العربية تتسابق لتطبيع العلاقات مع جلاده، وتغلق أمامه الحدود، بينما تفتحها للعدو.

لقد آن الأوان لكشف هذه الألاعيب السياسية، آن الأوان؛ لأَنَّ تدرك هذه الأنظمة أن السلام الحقيقي لن يتحقّق بمعزل عن إرادَة الشعب الفلسطيني، ولن يتحقّق بإنهاء المقاومة، بل بإنهاء الاحتلال نفسه، وأن كُـلّ خطوة نحو التطبيع مع العدوّ الصهيوني خيانة للقضية وللأُمَّـة.

الهجوم على الدوحة هو جرس إنذار آخر، لكنه هذه المرة ليس للفلسطينيين وحدهم، بل للعرب جميعًا، للشعوب أولًا وللأنظمة ثانيًا.

إنه يقول بكل وضوح: لا أمان مع المحتلّ، لا سلام مع المغتصب، لا استقرار مع من لا يحترم الإنسان ولا القانون الدولي.

لذا على الأنظمة العربية أن تختار بين أمرين: إما أن تكون في خانة الشرف مع الشعوب وقضاياها العادلة، أَو في خانة الخزي مع المحتلّ وأسياده.

فالدعم الجاد لم يعد يكفي فيه خطابات إعلامية أَو مساعدات إنسانية، بل يحتاج حاجة ماسة إلى مواقف عسكرية أَو على الأقل ومواقف سياسية حاسمة، من قطع للعلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية مع هذا العدوّ الصهيوني المجرم، ودعم المقاومة بالمال والرجال، والسلاح، ومحاصرة (إسرائيل) دوليًّا.