أفق نيوز
الخبر بلا حدود

شهيد الإسلام والإنسانية.. أيقونة المقاومة التي أعادت للأمة الأمل وصاغت معادلة النصر

47

أفق نيوز|

تقرير | صادق البهكلي 

ألقى السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في يوم السبت الخامس من ربيع الثاني 1447هـ، الموافق 27 سبتمبر 2025م، كلمة بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيد حسن نصر الله، ورفيق دربه السيد هاشم صفي الدين، ورفاقهم الشهداء من حزب الله؛ وقد جاءت الكلمة في سياق تأبيني وتحليلي عميق، جمع بين البعد الروحي والمعنوي للشهادة، وبين البعد الاستراتيجي للمقاومة، حيث تناول السيد القائد مكانة الشهيد نصر الله كقائد استثنائي، ودوره في مواجهة المشروع الأمريكي الإسرائيلي، وإنجازات المقاومة في تحرير لبنان عام 2000 وانتصار 2006، بالإضافة إلى التحذير من مؤامرات نزع السلاح، وفضح التآمر العربي والحرب الناعمة ضد المقاومة، والتطرق إلى المشهد الدولي وسباق التسلح، وعجز الأمم المتحدة، وأخيراً التأكيد على دور اليمن في محور المقاومة، وأن خيار الجهاد والمقاومة هو الخيار الحاسم للأمة.

مكانة الشهيد السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)  وحضوره المستمر

في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد شهيد الإسلام والإنسانية، السيد حسن نصر الله، ورفيقه السيد هاشم صفي الدين، ورفاقهم الشهداء من حزب الله، تتجدد لحظة الحزن القومي مع لحظة الاعتزاز التاريخي، حيث يفرض حضورهم نفسه على وجدان الأمة، وعلى صفحات التاريخ المقاوم. في كلمته التأبينية يستحضر السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي  المعنى العميق للفقد، والرسالة الكبرى التي تركها هؤلاء القادة، قائلاً: “نتقدَّم من جديد بالعزاء إلى كل أُمَّتنا الإسلامية، وإلى إخوتنا في حزب الله والمقاومة اللبنانية، والشعب اللبناني. عامٌ مرَّ على استشهادهم ‘رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم’، لكنهم حاضرون بقوَّة”.

وسماحة شهيد الإسلام والإنسانية السَّيِّد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، هو:

  • حاضرٌ في وجدان الأحرار من كل العالم.
  • وحاضرٌ بنهجه الراسخ الذي أرساه في الجهاد والمقاومة.
  • وحاضرٌ بقضيته العادلة، وبموقفه الحق.
  • وحاضرٌ بالثمرة العظيمة لجهوده، التي بنت جيلاً مجاهداً، ووسَّعت دائرة الوعي والشعور بالمسؤولية على نطاقٍ واسعٍ في أُمَّتنا الإسلامية، وعلى المستوى العالمي.
  • وحاضرٌ بالنتائج الكبرى والعظيمة والمهمة، التي حقَّقها الله على يديه، وبجهاده، وأصبحت راسخةً باستشهاده، وقوية البنيان.

 

بهذا التوصيف، يبرز شهيد الإسلام والإنسانية ليس فقط كرمز لمرحلة، بل كفكرة ممتدة في الزمان والمكان، تصنع التحولات وتجترح النصر من رحم الهزيمة. يشدد السيد عبد الملك على أن “حسن نصر الله ‘رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ’، شهيد الإسلام والإنسانية، من القادة التاريخيين النادرين، فيما وهبه الله من مؤهِّلاتٍ لدورٍ عظيم، وما حقَّقه الله على يديه”، ويضيف: “هذا الجيل عايشه، وعاصره، وتعرَّف عليه، وعَرَفَ ما يتمتع به هذا القائد العظيم من مزايا عظيمة، وصفاتٍ راقية، وما قام به من دورٍ عظيمٍ ومميزٍ في مواجهة العدو الإسرائيلي”.

وهنا يتجاوز السيد القائد التوصيف العاطفي لتقديم دور القائد الشهيد السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) في هندسة الوعي المقاوم وقيادة التحول الاستراتيجي في المنطقة، بكونه (رضوان لله عليه) بحسب رؤية السيد القائد مثّل “صمَّام أمانٍ للمنطقة، ووقف كالجبل الشامخ في مواجهة مشروع [الشرق الأوسط الجديد]، الذي أطلقه المجرم (بوش) في عام 2002م، وشَرَع في تنفيذه بعد غزو العراق واحتلالها، وكانت لبنان نقطةً محوريةً في ذلك المشروع، ومثَّلت حرب 2006م على لبنان خطوة فارقة في ذلك المشروع”.

 

يستحضر السيد عبد الملك تعبيرات السياسة الأمريكية عبر تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس خلال الأيام الأولى من عدوان تموز 2006: “[ليس لديَّ أيُّ استعدادٍ للقيام بعمليةٍ دبلوماسية، ما نراه الآن هو آلام المخاض لشرق أوسطٍ جديد، ومهما كنا فاعلين، فإنَّه يتعين علينا التأكُّد من أننا نتَّجه إلى الشرق الأوسط الجديد]، ولكن بعد النصر الكبير الذي تحقَّق للبنان وللأُمَّة، سقط المشروع وتهاوى تحت أقدام المجاهدين في لبنان، ولو وعى العرب ذلك، وأسندوه، وتركوا التآمر عليه؛ لتغيَّرت الأمور لصالح الأُمَّة، ولكانت النتائج على مستوى الأُمَّة بكلها أكبر وأهم”.
في هذا السياق يقول السيد عبد الملك: ” السَّيِّد الشهيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، كان ولا يزال رعباً وكابوساً حقيقياً للصهاينة، لأكثر من أربعة عقود، وغرس في الوعي الصهيوني مفهوم الهزيمة، بعد عقودٍ من الهزائم السهلة للعرب، صرخته الشهيرة: ((إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت))، فرضت نفسها على الذاكرة اليهودية الصهيونية، وتحوَّلت إلى هاجسٍ أمنيٍ لم يستطع الصهاينة وكبار قادتهم التَّخَلُّص من ذلك الهاجس، الذي يثبت حالة الضعف البنيوي الثابت المستمر للكيان المجرم الظالم”.
ويلفت السيد القائد إلى الآثار النفسية والسياسية التي تركها الشهيد القائد السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، إذ أعاد “الأمل للأُمَّة، بعد أن كادت تصل إلى مرحلة اليأس، بعد سلسلة الانكسارات، والخيانات، والهزائم، التي كوت وعي الأُمَّة، وحطَّمت الكثير نفسياً تجاه العدو الإسرائيلي”، وكان له “دورٌ رائدٌ ومتقدِّم في: تصحيح المفاهيم، وكسر السَّردية اليهودية، وإفشال محاولات الصهاينة الهادفة إلى ترسيخ حالة الانهزامية والضعف والوهن في الأُمَّة، وجعلها مستسلمةً كلياً”.

ويرى السيد القائد أن شخصية الشهيد السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) لا يمكن اختزالها في خطاباته أو مواقفه المعلنة، بل إن القيمة الحقيقية تكمن في وحدة القول والفعل، وفي الانسجام بين الكلمة والعمل الميداني. ولهذا يؤكد قائلاً: “والمسألة ليست فقط بكلماته النيِّرة، وخطاباته الحماسية؛ وإنما كان صوته صوتاً وصدًى لعملٍ عظيم، وجهودٍ كبيرة، وفعلٍ حقيقي، وإنجازٍ كبير، لم يشهد له التاريخ المعاصر مثيلاً، وعجزت جيوشٌ مجتمعة أن تفعل معشار ما صنعه حزب الله”. هكذا يلتقي التحليل الإعلامي مع التوصيف الأدبي ليصنع صورة متكاملة للرمز والحدث.
الشهيد السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) ـ كما يرى السيد عبد الملك ـ لا يحتاج إلى مقدمات مطولة أو تعريفات مسهبة، فهو “غنيٌ عن التعريف كمجاهدٍ عظيم، وقائدٍ سياسيٍّ محنَّك، وعالمٍ ربَّاني، قضى جُلَّ عمره الكريم في مواجهة العدو الإسرائيلي، لحماية لبنان والأمة”. من أهمِّ رسائله ووصاياه، وكلماته النيِّرة، التي تبقى خالدةً مع الأجيال، قوله: ((نحن لا نهزم، عندما ننتصر ننتصر، وعندما نستشهد ننتصر، نحن على مشارف انتصارٍ كبير، لا يجوز أن ننهزم نتيجة سقوط قائدٍ عظيمٍ من قادتنا، بل يجب أن نحمل دمه، ورايته، وأهدافه، ونمضي إلى الأمام، بعزمٍ راسخٍ، وعشقٍ للقاء الله))، وهذه الكلمة كافية، تضمَّنت الخلاصة التي يجب أن نعيها جميعاً، كل أحرار هذا العالم، وكل أحرار الأُمَّة الإسلامية، قدَّمت ما ينبغي استيعابه بشكلٍ كبير، تجاه ما حدث، وما قد تحقَّق، وما ينبغي العمل عليه بشكلٍ مستمر بناءً على ذلك.

 

انتصارات المقاومة الإسلامية من تحرير الأرض إلى بناء الوعي الجمعي في مواجهة المشروع الصهيوني

توقف السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي أمام محطات مفصلية صنعتها المقاومة اللبنانية، راسماً لوحة بانورامية للإنجازات التاريخية التي حققها شهيد الإسلام والإنسانية السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) ورفاقه الشهداء، ومؤكداً أن تلك الإنجازات لم تكن حكراً على لبنان وحده، بل امتدت آثارها لتشمل المنطقة بأكملها، ولتؤسس لوعي مقاوم جديد في وجه المشروع الصهيوني الأمريكي.
يقول السيد عبد الملك: “ما حقَّقه السَّيِّد الشهيد ‘رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ’، ورفاقه الشهداء، وحزب الله، والمقاومة في لبنان، والحاضنة المجاهدة للمقاومة في لبنان، ما تحقَّق بجهودهم، وجهادهم، وتضحياتهم، وأعمالهم، وصبرهم، للبنان وللمنطقة بشكلٍ عام، هو شيءٌ عظيم، وشيءٌ ثابتٌ وواضح”. بهذا التوصيف، يضع السيد القائد الانتصارات اللبنانية في سياق قومي عريض، يلامس وجدان الأمة، ويمنحها معنى يتجاوز حدود الجغرافيا إلى رحابة التاريخ والمصير المشترك.
يستعيد السيد عبد الملك زخم التحرير في العام 2000، ذلك الحدث الذي “كان نصراً عظيماً تاريخياً، لم يحصل مثله بالنسبة للعرب، لم يتحقَّق مثل ذلك النصر، وكان بعد هزائم متتالية للحكومات العربية، والأنظمة العربية، وتمَّ بذلك النصر الطرد للعدو الإسرائيلي من المساحة الأكبر التي كان يحتلها في لبنان، لم يبقَ إلَّا مناطق محدودة، كـ(مزارع شبعا)، وبعض المناطق المحدودة”. النصر لم يكن مجرد حدث عابر، بل “كان له صداه العالمي، وتأثيره الكبير جداً، وتأثيره على مستوى ترسيخ المفاهيم الصحيحة بالنسبة لأُمَّتنا الإسلامية بشكلٍ عام، والتي ينبغي أن تبقى حاضرةً في وعي الأُمَّة، وفي وجدانها”.

لم يتوقف رصيد المقاومة عند حدود التحرير، بل شهدت الساحة اللبنانية محطة حاسمة في حرب تموز 2006، حيث جاء الانتصار “عظيماً، وكبيراً، ومهماً، وواضحاً، وكان له أثره الكبير جداً في تحقيق ردعٍ عظيمٍ ومستمرٍ للبنان، قدَّم الحماية والاستقرار للشعب اللبناني على مدى أكثر من ثمانية عشر عاماً، وهي من أهمِّ فترات الاستقرار للبنان، والحماية له من العدو الإسرائيلي”. وهنا يلفت السيد عبد الملك إلى أن كل محاولات زعزعة الاستقرار في لبنان، أو إثارة الفوضى والمشاكل الاقتصادية، كانت تأتي “من أطرافٍ أخرى، أطراف مرتبطة بالأمريكي، بالسفارة الأمريكية، بالمخططات الأمريكية، التي كانت تشن حرباً مكثَّفةً مستمرَّة على المستوى الإعلامي، وعلى المستوى الاقتصادي؛ لاستهداف الحاضنة الشعبية لحزب الله والمقاومة في لبنان”.
بهذا المعنى، لم تكن الحرب على المقاومة حرباً عسكرية فحسب، بل كانت حرباً متعددة الجبهات، استهدفت الوعي والبنية الاجتماعية والاقتصاد، محاولة إضعاف الحاضنة الشعبية، وخلق حالة من الشك والاضطراب حول جدوى المقاومة. لكنه يؤكد أن “ما حقَّقه الله ‘سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى’ لحزب الله، وللمقاومة اللبنانية، ولكل الحاضنة التي كانت تحضن المقاومة وتؤيِّدها، هو إنجازاتٌ كبرى، ثابتة، واضحة، لا يمكن التنكُّر لها، والجحود لها، ومحاولة تضييع هذه الحقائق، التي هي حقائق ثابتة، حتى لو حاول البعض ذلك، من خلال حملاتهم الزائفة، الهادفة إلى تزييف الوعي”.

ثم يتسع التحليل ليشمل الأثر الإقليمي الواسع للمقاومة اللبنانية، إذ يشدد السيد القائد أن “الانتصار الذي حقَّقه الله ‘سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى’ لحزب الله، وللمقاومة اللبنانية، كان له أهمية كبيرة على مستوى حماية المنطقة بكلها، في مواجهة الخطر الإسرائيلي”. ويضيف بوضوح: “قد ثبت الآن وتجلَّى بوضوح، أنَّ العدو الإسرائيلي فعلاً يستهدف كل هذه الأُمَّة، كل بلدانها، كل شعوبها، وأنَّ عنوان [الشرق الأوسط]، الذي رفعه آنذاك (بوش)، واستمر الأمريكي يسعى له، وهو كذلك مشروعٌ مشترك، ومخططٌ مشترك ما بين الأمريكي والإسرائيلي، هو استهدافٌ لهذه الأُمَّة بكلها، لشعوب وبلدان هذه المنطقة بدون استثناء”.
عبر هذا التوصيف، تتحول المقاومة من تجربة محلية إلى نموذج استراتيجي، وترتقي فكرة الجهاد والمواجهة إلى خيار مصيري للأمة بأسرها. يصرح السيد عبد الملك بأن “الحفاظ على ذلك الإنجاز العظيم، هو بعهدة أُمَّةٍ مجاهدة، وحاضنةٍ وفية. حزب الله يحمل الراية بقيادته ومجاهديه، مستمرٌ في إطار عنوانٍ صادق: (إنَّا على العهد)، وفعلاً هذه الأُمَّة المجاهدة ليست أيضاً لوحدها في الساحة، هي جزءٌ من أُمَّةٍ مجاهدةٍ، ثابتةٍ، صامدة، وجبهاتٍ مستمرَّة، بكل ثبات، بكل إيمان، بكل وعي”. ويؤكد أن حزب الله “ليس وحيداً، ولن يُتْرَك وحيداً، هو جزءٌ من محور، جزءٌ من أُمَّة، هو أيضاً رائدٌ في هذه الجبهات، التي تتحرك وترفع الراية، في مواجهة أخطر مخططٍ إجراميٍ عدوانيٍ يستهدف الإنسانية بكلها، ويستهدف أُمَّتنا الإسلامية في المقدِّمة”.

ومع تصاعد الهجمة الإسرائيلية ووضوح همجيتها أمام العالم، يبرز خيار المقاومة كخيار حتمي، حيث يقول السيد القائد: “الواقع بكل ما فيه من أحداث ومستجدات، وبالهمجية الإسرائيلية، التي باتت جليَّةً أمام كل العالم، يثبت صِحَّة خيار الجهاد والمقاومة، أنَّه خيارٌ حتمي، خيارٌ حكيم، خيارٌ صحيح؛ لأنه لم يعد من بديلٍ عنه إلَّا خيار الاستسلام”. ويرى أن الأمة الإسلامية والمجتمع البشري عامة يقفان عند مفترق طرق: “إمَّا أن يتحرك ضد هذا المخطط. أو أن يستسلم”.

ويحذر من أن “المجرمين” لا يستثنون حتى من يسعى للتطبيع معهم، بل “ليس بمنأى عن هذا الخطر، الذي يستهدف الجميع”. ولهذا يدعو إلى أن يكون “خيار الجهاد في سبيل الله، والمقاومة، والمواجهة للمخطط الصهيوني، خياراً حاسماً، وأن يقبل به الجميع، وأن يدعمه الكل، وفي نفس الوقت أن يكون حافزاً على البناء، حافزاً على تصحيح وضعية هذه الأُمَّة، ومعالجة كل مشاكلها التي يستثمر فيها العدو، ويستغلها؛ بهدف تحقيق مخططاته ومؤامراته”.

ولا يكتفي السيد عبد الملك بالدعوة النظرية، بل يرسم خارطة طريق عملية للنهوض بالأمة، داعياً إلى “السعي لكلِّ عناصر القوَّة في داخل هذه الأُمَّة: على مستوى التعاون. على مستوى تظافر الجهود. على مستوى إدراك أننا بحاجة إلى كل ما يزيدنا قوَّةً لدرء ذلك الخطر، الذي هو خطرٌ على الجميع”.

سلاح المقاومة بين مطلب الهيمنة ومقتضيات الدفاع

في سياق الهجمة الدولية على قوى المقاومة في المنطقة، تبرز دعوات متكررة لنزع سلاح المقاومة في لبنان وفلسطين، بل وتتسع لتشمل إيران وصواريخها، ليغدو ذلك مطلباً أمريكياً إسرائيليا، “ومن الطبيعي بالنسبة لهم كأعداء حاقدين، يسعون إلى تحقيق أهدافهم الشيطانية، ومخططاتهم الإجرامية، الرامية إلى الاحتلال والسيطرة على هذه الأُمَّة، أن يطلبوا إزاحة أي عائق يمثِّل عائقاً أمام سيطرتهم، وأمام تحقيق أهدافهم”. بهذه الكلمات، يضع السيد عبد الملك الحوثي يده على جوهر الاستهداف الذي تتعرض له المقاومة وسلاحها في المنطقة.

و يسلط الضوء على حقيقة الخيارات أمام الشعوب المستهدفة، إذ يقول السيد القائد: “نحن كأُمَّة إسلامية، وكشعوب عربية وإسلامية، نحن الأحوج في هذا العالم إلى أن نمتلك كل أصناف السلاح، والعتاد الحربي اللازم لمواجهة ذلك الخطر الذي يستهدفنا. نحن أُمَّةٌ مستهدفة، ليست المشكلة في أن نمتلك السلاح، أو أيّاً من عناصر القوَّة، المشكلة حينما لا نمتلك السلاح الذي يردع العدو، الذي يوقفه عن عدوانه، هذا ما يمثِّل مشكلةً علينا”.

تطرح هذه الرؤية سؤال الدفاع المشروع، وتعيد تعريف الخطر الحقيقي؛ فالخلل ليس في امتلاك السلاح، بل في غيابه حين يكون الردع ضرورة وجودية.

 

ومن زاوية توصيفية دقيقة، يشدد السيد القائد على أن “السلاح الذي يمتلكه حزب الله يشكل مشكلةً على الإسرائيلي، وعائقاً له عن احتلال لبنان، عن السيطرة على المنطقة، وأن يكون السلاح الذي بأيدي الإخوة المجاهدين في كتائب القسَّام، والفصائل المجاهدة في قطاع غزَّة، أن يكون عائقاً للعدو الإسرائيلي عن إكمال سيطرته بسهولة على فلسطين، فهذه مسألة لا ينبغي أن تكون إشكالية لدى الأُمَّة نفسها”. هنا يطرح السيد القائد معادلة القوة في مواجهة مشروع الاحتلال، ويستنكر انخراط بعض الأنظمة العربية في ترويج المطالب الغربية: “حتى تنبري أنظمة عربية لتبنِّي الإملاءات الإسرائيلية والأمريكية، أن يكون مشكلة أمام الإسرائيلي، هذا هو المطلوب، أن يكون عائقاً يعيق العدو الإسرائيلي عن تحقيق أهدافه المدمِّرة، أهدافه الشيطانية، أهدافه العدوانية، هذا هو المطلوب”.
ويلفت السيد عبد الملك إلى واقع الإنفاق العسكري العالمي، فيقول: “اتَّجهت معظم القوى والدول الأخرى في العالم، إلى رفع مستوى شراء السلاح، وتصنيع السلاح، وإعداد الميزانيات الضخمة والكبيرة من أجل السلاح، الدول الكبرى في الغرب فعلت ذلك، التحالفات الدولية فعلت ذلك، سعت أغلب الدول في العالم إلى رفع إنفاقها العسكري، مستشعرةً الأخطار التي تواجه تلك الدول، كلاً من منطلق أمنه القومي”.
يدعم هذا السرد بأرقام وإحصائيات دقيقة: “الإنفاق العسكري العالمي وفق بعض الإحصائيات هو الأعلى منذ ما اصْطُلِحَ عليه بـ [الحرب الباردة]: في أوروبا: ارتفع الإنفاق العسكري بنسبة 17%. في روسيا: رفعت كذلك من إنفاقها العسكري بنسبة تصل إلى 38%. كذلك الأمريكي هو صاحب الإنفاق العسكري الأكبر في العالم، ما يقارب (تريليون دولار) في إنفاقه العسكري. في شرق آسيا، التي لا توجد فيها حروب حالياً: اليابان رفعت من إنفاقها العسكري بنسبة 21%. حلف الناتو كذلك اتَّفق على رفع الإنفاق العسكري. وهكذا مختلف البلدان”.

في ظل هذا الواقع، يتساءل السيد القائد برؤية نقدية: “ونحن الأُمَّة التي أوطانها محتلَّة، وهي أُمَّةٌ مستهدفة، ويستهدفها العدو الإسرائيلي، أسوأ عدو في الدنيا، أحقد عدو في الدنيا، أكثر عدو إجراماً وانفلاتاً من كل القيم والضوابط في الدنيا، بأطماعه الكبيرة، وحقده الكبير، وبالدعم الهائل الذي يتلقاه من أمريكا، من شحنات الأسلحة التي لا تتوقف، بمليارات الدولارات، وبانتقاء أكثر الأسلحة فتكاً، وتدميراً، وإبادةً، يقتل بها الأطفال، يقتل بها النساء؛ في مقابل ذلك يأتي من يقول: [يجب أن تبقى هذه الشعوب، هذه الأُمَّة، هذه البلدان، بدون سلاحٍ يحميها]!”.
ويستنكر السيد عبد الملك الأصوات العربية التي تتماهى مع المطالب الأمريكية والإسرائيلية: “ولهـذا نسمع هذه الأصوات التي تتبنَّى نفس المطلب الأمريكي والإسرائيلي، في المطالبة بنزع سلاح حزب الله في لبنان؛ لسببٍ وحيد، هو: أنَّه العائق الأساس عن الاحتلال للبنان، والكل يعرف أنَّ وضعية الجيش اللبناني ليست في مستوى أن يدافع عن لبنان، وأن يمنع الاحتلال الإسرائيلي للبنان “.

رهانات العرب والمسلمين بين شكاوى المنابر الدولية وضرورة الفعل العملي

في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وتواصل الجرائم بحق المدنيين في غزة وباقي بلدان المنطقة، يطرح السيد عبد الملك الحوثي سؤالاً جوهرياً على العرب والمسلمين: “على ماذا يمكن أن يراهن العرب والمسلمون؟”. في هذا التساؤل تختصر إشكالية الاستراتيجية العربية والإسلامية في التعامل مع القضية الفلسطينية، حيث تتحول المنابر الدولية إلى فضاء للاعتراف بالمظلومية فقط، دون أن تترجم الأقوال إلى أفعال تردع الإجرام وتوقف الإبادة.
في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، كما يصف السيد عبدالملك، “ألقيت فيها الكلمات، فيها اعتراف بالحق الفلسطيني، المظلومية الفلسطينية، والهمجية الإسرائيلية، والعدوان الإسرائيلي، والجرائم الإسرائيلية، والإبادة الجماعية، كل الكلمات كانت عبارة عن شكاوى، وليس هناك أمل حتى فيما يتعلَّق بمخرجات هذه الدورة في أن تتضمن مواقف عملية، وإجراءات عملية فعلية تمنع العدوان الإسرائيلي، تمنع الإبادة الجماعية التي يمارسها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، تحمي لبنان، أو تحمي سوريا، أو تحمي أيًّا من بلدان هذه الأُمَّة، ليس هناك ما يمكن أن يحقَّق هذه النتيجة المطلوبة”.
يستند السيد القائد هنا إلى رصد واقعي لطبيعة المخرجات الدولية، حيث لا تتجاوز الإدانة اللفظية، ولا تتقدم باتجاه “مواقف عملية”. فكل ما يقدمه المجتمع الدولي هو “توصيفات، هناك إقرار، إقرار بالطغيان الإسرائيلي، بالإجرام الإسرائيلي، بالحق الفلسطيني، بمظلومية هذه الشعوب، وهذه الأُمَّة، هذا مفيدٌ إلى حدٍ ما، لكنه لن يدفع عن الأُمَّة ذلك الخطر، تلك الجرائم، تلك الإبادة، لابدَّ من مواقف عملية”.
ويرتفع منسوب النقد حين يصف السيد القائد حضور نتنياهو إلى الأمم المتحدة: “يذهب المجرم (نتنياهو) إلى الأمم المتَّحدة، ومن العار على الأمم المتَّحدة أنها قَبِلت منذ البدء بـ”إسرائيل” عضواً فيها، ومن العار عليها أن تفتح المجال ليذهب المجرم (نتنياهو) ويدخل إلى قاعتها، ويلقي كلمةً فيها، وهو مجرم بالإجماع عالمياً، الإجماع البشري على أنَّ (نتنياهو) مجرم، كل البلدان والدول تُجْمِع على ذلك؛ ما عدا الأمريكي الذي هو شريكٌ في الجرائم الإسرائيلية”. هنا تتبدى الفجوة بين المبادئ المعلنة في المحافل الدولية وبين المواقف العملية الجادة، حيث يستفيد الجلاد من الشرعية الدولية في التباهي بجرائمه.

ويصف السيد عبد الملك المشهد الصادم قائلاً: “في كلمته تلك تباهى بجرائمه، تبجَّح بأبشع وأفظع الجرائم، وبالعدوان على شعوب هذه الأُمَّة، وبلدان هذه الأُمَّة، وتنكَّر للحقائق الواضحة، الجليَّة، الثابتة، وأصبحت معلومةً بالضرورة عالمياً، يشاهدها العالم في مختلف أقطار الدنيا بشكلٍ يومي”.
ورغم وضوح المظلومية الفلسطينية، إلا أن العالم يكتفي بالمشاهدة، بينما يستمر القاتل في تبرير الإجرام. يقول السيد عبد الملك: “مظلومية واضحة تماماً، يعرفها كل الناس، وهو يحاول أن يتنكَّر لتلك الحقائق، أن يمجِّد الإجرام الإسرائيلي الرهيب، الفظيع، المخزي للعالم، وأن يحاول أن يقدِّم موقفه أنَّه هو الموقف الصحيح”.
تأسيساً على ذلك، يدعو السيد عبد الملك إلى ضرورة الانتقال من منطق الإدانة والتوصيف إلى مواقف عملية، قائلاً: “لابدَّ من المواقف العملية، لابدَّ- بالدرجة الأولى المسؤولية الكبرى على المسلمين، وكذلك على غيرهم- من المواقف العملية، مع التوصيفات، لابدَّ من المقاطعة الاقتصادية، المقاطعة الدبلوماسية، المقاطعة السياسية، في الحد الأدنى، في الحد الأدنى أن تكون هناك مقاطعة فعلية حتى على المستوى الاقتصادي، والعلاقات الاقتصادية، وفرض عزلة كبيرة فعلية على العدو الإسرائيلي”.
ويشدد أيضاً على أهمية “احتضان ودعم للجبهات، التي تتصدَّى للطغيان الإسرائيلي، في مقدِّمتها: غزَّة، والشعب الفلسطيني، والمجاهدين في فلسطين من فصائل المقاومة، يجب أن تحظى تلك الجبهة بالدعم من كلِّ الأُمَّة، بالمساندة الإعلامية، والسياسية، والدعم المادي، وكل أشكال المساندة، وكذلك المساندة والدعم لحزب الله في لبنان، بدلاً من التآمر، بدلاً من الطعن في الظهر، بدلاً من تبنِّي الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية، التي هي عدوانية، وبهدف تسهيل مهمة الاحتلال للبنان، والسيطرة على لبنان، يجب أن يكون هناك تبنٍ ودعم من أبناء هذه الأُمَّة بمختلف أطيافها وبلدانها، للخيار الصحيح، والاتِّجاه الصحيح، وللجبهات القائمة في التَّصَدِّي للعدوان الإسرائيلي”.

اليمن في مواجهة العدوان الإسرائيلي: ثبات الجبهة وتنامي خيار المقاومة

وفي خضم التصعيد الإقليمي وتوالي الاعتداءات الإسرائيلية بحق شعوب المنطقة، يأتي الموقف اليمني ليؤكد مجدداً أن خيار المقاومة ليس شعاراً عابراً، بل نهج متجذر في وعي الشعوب الحرة. ففي كلمته الأخيرة، وصف السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي العدوان الإسرائيلي الذي استهدف إصلاحية تابعة لجهاز الأمن والمخابرات في اليمن بأنه “جريمة مضافة إلى سجلِّه الإجرامي في الاستهداف لليمن، وسجلِّه الإجرامي على مستوى المنطقة، وعلى مستوى البلدان الأخرى، هي خطوة فاشلة، هو استمرارٌ في الإجرام، لكنه لن يؤثِّر على موقف شعبنا العزيز”.
هذا الاعتداء لم يكن سوى حلقة في سلسلة الاستهدافات الإسرائيلية التي تطال اليمن ومحيطه العربي والإسلامي، إلا أن الرد الشعبي اليمني جاء معبّراً وراسخاً، إذ خرجت الجماهير بالملايين يوم الجمعة، “مؤكِّدة على ثبات موقفها، وعلى استمرارها في جهادها”، على حد تعبير السيد القائد. هذه الحشود لم تكن مجرد تظاهرة، بل رسالة سياسية وأخلاقية تعكس حجم الالتزام الشعبي بخيار المقاومة والتصدي للطغيان.

ويؤكد السيد عبدالملك أن هذا الخيار ليس ردة فعل ظرفية، بل مسار استراتيجي يتواصل ويتصاعد: “فنحن مستمرون في هذا الخيار: خيار الجهاد، التَّصَدِّي للطغيان الإسرائيلي، التَّصَدِّي للهجمة الصهيونية على أُمَّتنا، وعلى منطقتنا، التَّصَدِّي للعدو الاسرائيلي والمواجهة له وهو يرتكب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني”. ففي الوقت الذي تستمر فيه آلة الحرب الإسرائيلية باستهداف المدنيين في غزة وسائر المنطقة، يلتزم اليمن بثباته، ويرفع راية الدعم للشعب الفلسطيني ولكل جبهات المقاومة.