صوت اليمن يعلو: مع فلسطين حتى التحرير
أفق نيوز| تقرير|
في يومٍ تُسطّرُهُ اليمن بأحرفٍ من نورٍ وإيمان، انبلجت الساحاتُ وتمخّضت الشوارع عن نهرٍ بشريٍّ هادرٍ لا يهدأ، ينساب من القرى والمدن، من السواحل والقمم، كي ينطق بصوتٍ واحدٍ عنوانه: الوفاء لفلسطين، والرفض القاطع لكل مؤامرةٍ تستهدف قضيتها العادلة. كانت صنعاء، و(1448) ساحة وميداناً، محرابًا جماعيًا احتشدت فيه الجماهير في مليونية كبرى حملت اسم: «رفضًا للمؤامرة الصهيوأمريكية.. وثباتًا مع غزة حتى النصر»، لتؤكد من جديد أن الوقوف مع الشعب الفلسطيني هو عهدٌ وأمانة والتزام مبدئي وديني وأخلاقي وإنساني.
في هذا اليوم، خرج الشعب اليمني في أكثر من (1448) ساحة، وعلى امتداد الجغرافيا الحرة الصامدة تجسّدَت عظمةُ المشهد: شيوخ، وشباب، وأطفال يرفعون رايات فلسطين واليمن جنبًا إلى جنب، ويجوبون الساحات مردّدين هتافاتٍ تفيض إيمانًا ويقيناً بوعد الله. كانت المسيرات زاداً روحانياً وتجديداً للعهد مع المستضعفين؛ صلاة جماعيةً في العراء، وصيحةً ضد صمت إسلامي دولي مخز يُجرّئ المعتدي على ارتكاب أبشع الجرائم.
توزعت ساحات الاحتشاد على النحو التالي: (العاصمة صنعاء: ميدان السبعين، حجة: (322) ساحة، إب: (295) ساحة، الحديدة: (268) ساحة، عمران: (133) ساحة، تعز: (96) ساحة، ريمة: (80) ساحة، ذمار: (55) ساحة، المحويت: (52) ساحة، الجوف: (52) ساحة، صعدة: (41) ساحة، البيضاء: (23) ساحة، مأرب: (21) ساحة، الضالع: (خمس) ساحات، لحج: أربع ساحات).
صنعاء بالذات شهدت طوفانًا بشريًا، حيث امتلأ ميدان السبعين ببحرٍ من الأجساد والوجوه الشامخة، وبدت المدينة كأنها قلب واحد ينبض بالوقوف إلى جانب غزة. الحشود أعلنت حالة استنفارٍ متواصلةٍ مع أهلنا في فلسطين، وتعزيز الجاهزية بكافة أشكال التضامن، لتظل الجبهة الشعبية شريكةً حقيقيةً في مواجهة المؤامرة التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
ومن بين منابرٍ وصُفوف خرجت أصوات سُمعت في مساحات واسعة من الجسد الجماهيري: (الخطة أكبر خداع.. تنهي القدس مع القطاع)، (خطة ترامب الملعون.. إنقاذ لبني صهيون)، (خطة ترامب الشيطان.. لا تخدم غير الكيان)، (نشكر كل نشاط قائم.. في نصر فلسطين يساهم)، (يحيا أسطول الصمود.. من أسقط زيف اليهود)، (البحر على المجرم مغلق.. من يتعدى الحظر سيغرق)، (الصراع مع اليهود.. يعقبه الفتح الموعود).
وهتفت الجماهير بشعارات البراءة من أعداء الأمة والعملاء والخونة وعبارات (مع غزة لله أجبنا.. لم نعمل إلا واجبنا)، (بالله القيوم الدائم.. سنواصل موقفنا الداعم)، (مهما ضحينا وبذلنا.. معنا الله ولن يخذلنا)، (مع غزة يمن الأنصار.. فرض على إسرائيل حصار)، (يا غزة يا فلسطين.. معكم كل اليمنيين)، (يا غزة وإحنا معكم.. أنتم لستم وحدكم).
سجلت المسيرات رفضًا قاطعًا للخطة التي أعلنها ترامب، باعتبارها مؤامرة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وطالبت الشعوب العربية والإسلامية بالتحرّك الجاد لمواجهة الأنظمة التي تهادن وتتهاون. كانت الدعوة واضحة: لا واجب أخلاقيًا أقلّ من أن ينهضَ كلُّ شريفٍ للدفاع عن الحق ومواجهة الظلم، ولا يجوزُ أن تُترك القضيةُ الفلسطينيةُ تتهاوى بسبّةِ اتفاقاتٍ أو مساوماتٍ سياسية.
في قلب هذا الغضب الشعبي المتقد، تذكّرت الجماهيرُ أسطولَ الصمود الذي عبر المياه بأرواحٍ متضامنةٍ من شعوبٍ ودولٍ مختلفة، حاملاً رسالةً إنسانيةً كُشِفت وقائعها حين تعرّضت طواقمه للاعتداء. اعتبر اليمنيون ما وقعَ لطاقمِ الأسطول قرصنةً وإرهابًا وانتهاكًا صارخًا لكل المواثيق الدولية؛ جرمًا يستدعي من الجميع أن يتحرك فورًا لرفع الحصار وإنقاذ ما تبقى من كرامة إنسانية في غزة. وكانت التحية المرفوعة إلى المشاركين في الأسطول من أحرار العالم، رسالة بعيدة المدى: أن الحقّ لا يعرف حدودًا.
لم تغفل الجماهير عن توجيه نقدٍ لاذعٍ لأبناء أُمّتها الذين تواطأوا أو تقاعسوا، فاستنكرت الصمتَ العربي والإسلامي أمام جراح غزة، واعتبرت أن أولئك الذين يختارون مربعَ الخنوع سيجدون أنفسهم أول من يدفع الثمن. وكانت الدعوة حادةً وواضحة: مغادرةُ مربع الخضوع والركون، والانخراطُ في حركةٍ شعبيةٍ حقيقيةٍ تضغط على الأنظمة لتتحرر من تبعياتها الخارجية.
البيان الرسمي للمسيرة أكّد أن هذا الخروج الأسبوعي إنما هو استجابةٌ لنداء الله، وجهادٌ في سبيله، وابتغاءٌ لمرضاةِ الخالق. لقد وضع المتظاهرون موقفهم في إطارٍ إيمانيٍّ أخلاقيٍّ يُعلي من قيمة التمسك بالحق والوفاء للواجب الإنساني. هذا التمسك، بحسب البيان، يزداد قوةً مع اشتداد المؤامرات، ويزداد يقينًا باقتراب النصر كلما افتضح أمر المنافقين وسقطت الأقنعة عن الوجوه.
وتابع البيان: “إن قناعتنا المطلقة بأن الأمريكي هو الوجه الآخر للصهيوني، وأن ترامب ونتنياهو لا يختلفان عن بعض في الإجرام والبغي، وأن ما يصدر عنهما إنما هو باطل وظلم وعدوان، ولا ينتظر أو يتوقع منهم الخير إلا جاهل مغفل، أو من هو بعيد عما هدى الله إليه، في كتابه العزيز”.
ووجه التحية لكل أحرار العالم من قادة أحرار وشعوب كريمة الداعمين للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة والمحقة، ودعاهم إلى المزيد من الجهود الفاعلة مع التأكيد على أهمية التحلي بالوعي بمؤامرات العدو المجرم وأساليبه المخادعة والخبيثة في محاولة الالتفاف على المواقف المشرفة والجهود المؤثرة وإدراك حقيقة أن التحرك الداعم لغزة له تأثيره الكبير والفاعل، وأن مواصلته ضرورة ملحة لإنقاذ غزة وشرف الإنسانية، وفضح المجرمين الصهاينة والأمريكان، ويجب أن يعرف المجرم الأمريكي والصهيوني بأن محاولة الالتفاف على هذا الحراك أمر غير ممكن، ولعبة مكشوفة.
ودعا بيان المسيرة المليونية، شعوب الأمة إلى مغادرة مربع الخنوع والوهن؛ لأن أول من سيدفع الثمن هي هذه الشعوب قبل غيرها، وعليهم أن يثقوا بوعود الله بالنصر، لأنها وعود قاطعة، ولا شك فيها، ومن يعتقد بغير ذلك فقد أساء الظن بالله، وتعالى الله وتقدس أن يُخلف وعده أو أن يبدل قوله.
أما الطابور الخامس من العملاء والمهادنين فقد كان موضوع سخرية شديدة، إذ عبّرت الحشود عن براءتها منهم، معتبرةً أن ولاءهم مضللٌ وأن مصيرهم في التاريخ لا يختلف عن مصير الخائنين.
وهكذا، في يومٍ اشتعلت فيه الساحات، حملت اليمنُ رسالةً: رسالةٌ إيمانية، وحقوقية، وإنسانية، وسياسية. كانت رسالةً إلى من يعنيهم الأمر: إن الشعبَ لن يتخلى عن واجبه، وإن التضامن مع غزة هو منهج حياة. كما كانت رسالةً إلى من يتبجحون بالقوة: إن القوة الحقيقة ليست في التفوق العسكري، بل في صمود الشعوب وتلاحمها حول الحق.
وعندما أُطفئت أنوار الميادين، لم يخفت ضوء العزم. استمرت العيون ترقبُ الأثر، والأرضُ تحفظُ خطوات المتظاهرين كأنها لوحةٌ حيةٌ تُذكر الأجيال بأن الحقَّ لا يموت، وأن الوعي الجماهيري قادرٌ على قلب موازين. لقد بات واضحًا أن خارطة الصراع لا تقتصر على الجبهات فحسب، بل تمتد إلى ميادين السياسة والضمير، حيثُ تُكتب السطور التي ستشهدها الأجيال القادمة عن وقتٍ احترق فيه الظلم وشهِدَ فيه الناسُ على ما ارتكبته قوةٌ زائلةٌ من تجاوزات.
في الختام، كانت مسيرات هذا اليوم ملحمةً وطنيةً وإنسانيةً، شهادةً بأن الشعب اليمني لم يزل حارسًا لكرامته، وأن مداد التضامن مع غزة لن ينضب. وفي زمنٍ تكاثرت فيه المؤامرات، تبرز هذه اللحظات كشعاعٍ يذكّر العالم بأنّ الضمير الإنساني ما يزال حيًا، وأنَّ الوقوف مع الحق لا يُقاس بحجم الدول والجيوش، بل بقلوبٍ تصدحُ بالصدق وتتوحدُ على مبدأ واحد: الحرية والكرامة لأهل فلسطين.
المصدر : نقلا عن موقع انصار الله