أفق نيوز
الخبر بلا حدود

في مليونية التتويج.. عهد ووعد سيبقى اليمن مع فلسطين وغزة حتى التحريرِ الكامل

38

أفق نيوز| تقرير|

لأنه شعب الإيمان والجهاد، شعب التضحيات والوفاء، شعب ظل صامداً مع غزة طيلة عامين كاملين، فقد توّج اليوم موقفه بخروج مليوني في أكثر من ألف ساحة وميدان. منذ ساعات الصباح الأولى، أخذت الأرض ترتجّ من خُطا المؤمنين، وامتلأت السماء بأهازيجٍ تهتف باسم فلسطين، وترفع الأكفّ شكرًا لله الذي وفّق هذا الشعب لأن يكون حيثُ ينبغي أن يكون في صفّ الحقّ، مع غزة، في صفّ الله.

لقد كانت الحشود التي تدفّقت من كل صوبٍ فيضًا من الوعي، وإعلانًا جماعيًا للولاء لله أولًا، ثم لقضيةٍ صاغها الإيمان بالعدل والكرامة. وفي اللحظة التي توافد فيها الملايين إلى ساحات الاحتشاد تحت شعار «طوفان الأقصى.. عامان من الجهاد والتضحية حتى النصر»، بدا وكأنّ جبال اليمن نفسها قد خرجت تمشي في هيئة بشر، تبارك غزة، وتُجدّد عهدها مع الله ومع المظلومين.

واحتشد الشعب اليمني في أكثر من (1625) ساحة وميدان وعلى النحو التالي: ( العاصمة صنعاء: ميدان السبعين، إب: (346) ساحة، الحديدة: (335) ساحة، الحديدة: (317) ساحة، عمران: (155) ساحة، المحويت: (95) ساحة، تعز: (92) ساحة، ريمة: (87) ساحة، ذمار: (55) ساحة، الجوف: (50) ساحة، صعدة: (43) ساحة، البيضاء: (23) ساحة، مأرب: (17)، الضالع: خمس ساحات، لحج: أربع ساحات).

عامان من الصبر والنفير

منذ أن اشتعلت نار العدوان على غزة، كان اليمنيّ أول من لبّى نداء الإيمان. ولوعيه الإيماني لم ينتظر الأمم والمنظمات، بل خرج، بشموخه المعهود ليؤكد من جديد أنه شعب الإيمان، القوي بالله، المجاهد في سبيل الله، عامان متتاليان والشعب اليمني يُجدد في كل جمعةٍ طوفانه الخاص؛ عامان من الميادين التي لم تعرف السكون، ومن الهتافات التي لم تخبُ، ومن الرايات التي لم تُنزل حتى في أشدّ الليالي قصفًا. عامان من الخروج في البرد والمطر والحرّ ورمضان والأعياد والمناسبات بلا كلل ولا ملل. عامان من التضحيات التي لم يطلب أصحابها جزاءً ولا شكورًا، وها هو اليوم، بعد عامين من الجهاد والمواساة والإسناد، يقف هذا الشعب على أبواب نصرٍ مهيبٍ تحقق في غزة، فيحمد الله أن جعله جزءًا من هذا الشرف الإلهي، وأن نصره لم يكن بالكلمة وحدها، بل بالفعل، بالثبات، بالدمّ الذي ارتفع شاهداً في صنعاء كما في غزة.

بحر من البشر ولسان من نور

في هذا اليوم، كانت شوارع العاصمة نهر متدفق من الناس. الآلاف يهتفون باسم فلسطين، والملايين تلوّح بالأعلام اليمنية والفلسطينية في وحدةٍ لا تشوبها سياسة ولا حسابات. كان المشهد أكبر من التنظيم، وأعمق من المراسم. أمةٌ تتوضّأ بالصدق، وتؤدي صلاة الوفاء في ميدانها الكبير.

هتف الجميع بصوتٍ واحدٍ: (مع غزة من أجل الله.. عشنا عامين مع الله)، (حمداً لله الجبار.. غزة انتصرت يا أحرار) (انتصر الحق على الباطل.. والصهيوني فاشل فاشل) (بالله ونعم الوكيل.. غزة هزمت “إسرائيل”)، (بالله تعالى سبحانه.. خاب نتنياهو ورهانه)، (انتصرت غزة يا عالم.. ما أعظم فرحة من ساهم)، (في غزة برز الإيمان.. فتهاوى حلف الشيطان).

(سنظل نتابع ونراقب.. إن نكثوا قمنا بالواجب)، (أعيننا مفتوحة ترصد.. إن خرق الصهيوني سنرد)، (سنظل نصنع ونطور.. وغداً للأقصى سنحرر)، (سنواصل بالله وحوله.. ونعد لأكثر من جولة)، (يا غزة معكم مازلنا.. سنظل وإن عادوا عدنا)، (يا غزة يا فلسطين.. معكم كل اليمنيين)، (يا غزة واحنا معكم.. أنتم لستم وحدكم).

كل هتافٍ كان يشتعل كبرقٍ في سماء المجد. كل كلمةٍ كانت سهمًا في صدر الخذلان العربيّ المائع، وصفعةً في وجهِ المطبعين الذين باعوا القدس بثمنٍ بخسٍ من الوعود الأمريكية. أما هنا، في أرض الجهاد والإيمان في أرض الأوس والخزرج، فقد ارتفعت الأصوات لتؤكد أننا أمة ٌ لا تساوم على قضاياها.

موقف بحجم التاريخ، ووعيٌ بحجم الأمة

إن ما يفعله اليمن بقدر ما هو نصرةٍ لغزة، هو في ذات الوقت إحياءٌ لمفهوم الأمة الموحّدة. بينما هرولت أنظمةٌ إلى التطبيع، وارتجفت أخرى أمام ضغط الغرب، وقف اليمن ثابتًا كجبل نقم، لا تهزه العواصف ولا تُغريه الرشا السياسية.

لم يقل اليمنيون: ما لنا ولغزة؟ بل قالوا: نحن وغزة من ترابٍ واحدٍ ومصيرٍ واحدٍ. وإن كان العدوّ يقصف غزة بالنار، فإننا — هنا — نقصفه باليقين، وبالصواريخ، وبالمسيرات التي تحمل رسالة الحق من أرض الإيمان. لقد جسّد الشعب اليمني أعظم صور التكافل الإنساني، حين لم يجعل المأساة سببًا للانكفاء، بل دافعًا للنهوض. فكان الدعمُ الشعبيّ والرسميّ واحدًا، والإعلاميّ والعسكريّ واحدًا، والروح التي سرت من القرى إلى العاصمة كأنها روح واحدة في ملايين الأجساد.

رسائل اليمن

إلى الأمة العربية والإسلامية: ها هو اليمن، رغم جراحه، يُعلّمكم دروسًا في العزة. من بلدٍ محاصرٍ فقيرٍ بالموارد، غنيٍّ بالكرامة، خرجت الملايين لتقول: “ما قيمة الجغرافيا إذا مات الضمير؟ وما جدوى الثروة إن كانت تُنفق في خدمة العدوّ لا في نصرة الأخ؟”

وإلى أمريكا و”إسرائيل” ها أنتم اليوم تجرّون أذيال الخيبة، وقد كنتم تظنون أنكم تسحقون غزة. لكنكم واجهتم أمةً لا تُقهر، لأنّها لا تخاف من الموت بل تراه طريقًا إلى الحياة. فلتعلموا أن كل قذيفةٍ سقطت في صنعاء لم تُطفئ نوره، بل زادت وقوده، وأنّ كل شهيدٍ سقط، أنجب ألفًا من المؤمنين الموقنين أن “النصر وعد الله للمستضعفين.”

ذاكرة الوفاء وراية المستقبل

إن الموقف اليمني ليس طارئًا في معادلة فلسطين، فهو أصلٌ في معادلة الوعي الإيماني. منذ فجر الإسلام، حين هتف الرسول صلى الله عليه وآله: «الإيمان يمانٍ، والحكمة يمانية»، ومنذ أن كان الأنصار من أهل اليمن أولَ من بايع، وأولَ من نصر، وأولَ من آوى.

وها هو التاريخ يعيد نفسه: يمنٌ يُعيد للأمة بريقها، يُعيد للقيم معناها، ويذكّر الجميع بأنّ الأمة التي تتخلّى عن فلسطين، إنما تتخلّى عن نفسها.

اليوم يخرج اليمنيون ليؤكدوا أننا أبناء أولئك الذين نصروا محمداً يوم كان الناس يخذلونه، ونحن أبناء أولئك الذين احتضنوا الإسلام يوم طردته الممالك، فلا عجب أن نكون نحن اليوم من يحتضن غزة يوم هجرتها العواصم.”

من ميادين النصر إلى سماء الوعي

إنّ هذا الطوفان المليونيّ بداية وعيٍ جديد. وعيٌ يجعل من النصرة سلوكًا يوميًا، ومن الموقف عبادةً مستمرة. إنها لحظةٌ تربط الماضي بالحاضر، والجهاد بالعمل، والمقاومة بالبناء. فاليمن اليوم لا يقف عند حدود التظاهر، بل يُحوّل المشهد إلى مشروعٍ مستقبليٍّ يتوارثه الأبناء كما يتوارثون الإيمان.

لقد وعد البيان الختاميّ بأن الاستعداد قائمٌ لمواجهة أي تصعيدٍ جديد، وأن العين اليمنية مفتوحةٌ ترصد وتراقب وتستعدّ. وهكذا يكون الموقف الإيمانيّ الحقيقي: لا يعرف التراخي، ولا يرضى بالاكتفاء بالمشاعر. بل يجعل من كل يومٍ جبهة، ومن كلّ كلمةٍ طلقة، ومن كلّ فعلٍ جسراً نحو الفتح المبين.

وهكذا كان المشهد في صنعاء والمحافظات اليمنية بحراً من الوفاء، غيماً من التكبير، وشعباً أضاء الأرض بخطاه. خرجوا كما يخرج الضوء من قلب الليل، وكما تنبت الوردة في صخرٍ قاسٍ، ليؤكدوا من جديد أن اليمن شعب المواقف، وشعبُ العزة والإيمان.

إنه تتويجٌ لعامين من النفير، لعامين من الموقف والصدق والجهاد والمرابطة والصبر، لعامين من الجهاد في الكلمة والسلاح والموقف. سلامٌ على صنعاء وهي ترتّل بحناجر الملايين: “يا غزة يا فلسطين.. معكم كل اليمنيين.”

في سجلّ التاريخ، سيُكتب أنه في العاشر من أكتوبر عام 2025، خرج شعبٌ الإيمان، ليلبّي نداء الله، في زمنٍ خرسَت فيه العواصم، ونامت الملوك، لكن صنعاء بقيت تصرخ باسم القدس، وتُبايع الله على الصبر حتى آخر طلقة، وعلى النصر حتى آخر نفس.

مع فلسطين حتى زوال الكيان

وخلال المسيرة ألقى القائم بأعمال رئيس الوزراء العلامة محمد مفتاح بيان المسيرة موضحاً  أن عامين من جرائم الإبادة والقتل والتدمير الإسرائيلي الأمريكي بحق إخواننا في غزة، قابلهما عامان من الصمود الأسطوري والثبات الراسخ والصبر العظيم والتضحية غير المسبوقة.

وفي الذكرى الثانية لانطلاق عملية طوفان الأقصى المباركة، نحمد الله الذي وفقنا وهدانا بدينه الحق، وبكتابه العظيم، وبالقيادة القرآنية الصادقة التي أكرمنا بها إلى أعظم موقف، وتوجنا بشرف وفخر إسناد غزة لعامين كاملين، ونجانا من عار الخذلان والهوان، وثبتنا ونصرنا أمام أطغى طغاة الأرض الصهاينة والأمريكان، فلم نتراجع ولم ننكسر بفضل الله وكرمه ومنه، ولم نخذل غزة ولم نخضع لغير الله ربنا الملك العزيز الذي أعزنا بعزته وأمدنا بقوته وربط على قلوبنا وثبتنا وسدد ضرباتنا، وكان حقاً حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير.

وأضاف: “وما زلنا على العهد والوعد، نخرج اليوم خروجاً مليونياً في مسيرات استثنائية جهاداً في سبيل الله وابتغاء لمرضاته، مباركة للشعب الفلسطيني ومجاهديه الأعزاء، وتتويجاً لعامين من الاحتشاد الجهادي المشرف في مساندة الشعب الفلسطيني، وتأكيداً على ثباتنا على هذا الموقف الإيماني الراسخ حتى النصر المبين والفتح الموعود بإذن الله”.

وبارك البيان لأبناء الشعب الفلسطيني العزيز عموماً وأبناء غزة ولأبطال المقاومة خصوصاً صمودهم العظيم وصبرهم منقطع النظير وتضحياتهم التي فاقت التوقعات، وبرغم جسيم التضحيات إلا أن العدو في النهاية فشل في تحقيق أهدافه التي أعلنها منذ اليوم الأول، فلم يستطع استعادة أسراه دون صفقة تبادل، ولم يُنهِ المقاومة، وفشل في مخطط التهجير، وبقي عاجزاً ومعه الدعم الذي لا مثيل له من الأمريكي ومعظم الأنظمة الغربية.

وأكد أن المقاومة الشجاعة المجاهدة ومعها الشعب الفلسطيني بقيت بثقتهم العظيمة بالله، وصبرهم وصمودهم وثباتهم على موقفهم لم يتزعزعوا ولم يخضعوا ولم يتراجعوا وقدموا درساً للأمة وللعالم في انتصار الحق مع الوعي والصبر، وإن قل نصيره، وانكسار الظلم والطغيان وإن عظم نفيره.

وعبر عن “الحمد والثناء لله سبحانه وتعالى على توفيقه لنا بهذا الموقف التاريخي وغير المسبوق والاستثنائي على مستوى العالم كله، مترحماً على شهدائنا العظماء في هذه المعركة وفي كل مسيرة جهادنا، ومباركاً لقائد مسيرتنا القرآنية العظيمة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الذي أنعم الله به علينا، ورفع الله قدرنا بمواقفه وثباته وشجاعته وحكمته، ونعاهده كما عاهد أجدادنا الأنصار جده رسول الله، ونقول له : يا قائدنا لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنَّا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله”.

وتابع: “وفي المقابل وعلى النقيض لا ننسى من خان وتآمر مع العدو من الأنظمة العربية والإسلامية والحركات والقوى والأحزاب الذين وقفوا ضد المقاومة أو ضد من يقف معها ويساندها ونقول لهم: إن الخزي والعار والحسرة في الدنيا قليل عليكم، فانتظروا فوق ذلك الهزيمة والخسارة في الدنيا والحسرات والخزي والعار والعذاب الأليم في نار جهنم وبئس المصير”.

وأضاف البيان “وللمتخاذلين والجبناء الذين اعتقدوا أن الموت والحياة بيد أمريكا وإسرائيل، نقول لهم: ما يحدث أمامكم هي شواهد وعبر لكم لتعرفوا بأن الله وحده الذي هو على كل شيء قدير وأن الحياة بيده والموت بيده وأن النصر من عنده وهو صادق الوعد فثقوا به وتوكلوا عليه”.

وأكد استعداد الشعب اليمني الدائم للتحرك الشامل في مواجهة أي تصعيد عدواني إجرامي إسرائيلي أو أمريكي أو غيره، سواء استمرت هذه الجولة من الصراع أو في غيرها من الجولات، وكذا اليقظة الدائمة لكل مخططات الأعداء تجاه بلدنا أو بلدان منطقتنا لإغراقنا من جديد في أي صراعات تصرفنا عن قضيتنا الأساسية والمركزية، واستعدادنا بعون الله وتوفيقه لمواجهتها وإفشالها في كل المجالات، والتطوير الدائم لكل عوامل القوة الإيمانية والمادية بالتوكل على الله والاعتماد عليه.

كما أكد للإخوة الأعزاء في فلسطين على “تمسكنا المستمر بالقضية الفلسطينية، ووقوفنا الدائم والصادق والجاد معهم، ونقول لهم من جديد ما قاله قائدنا سابقاً: (لستم وحدكم، ولن تكونوا وحدكم، الله معكم، ونحن معكم، وسنبقى على الدوام معكم حتى تحرير فلسطين كل فلسطين، وزوال الكيان المغتصب المؤقت، الظالم، الإجرامي بإذن الله)”.

 


المصدر: نقلا عن موقع انصار الله