في الذكرى الـ62 لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة .. جنوب الوطن بين الاحتلال والتواطؤ
أفق نيوز| تقرير|
في ذكراها السنوية الــ 62 ، تعود إلى الذاكرة اليمنية واحدة من أعظم محطات النضال الوطني، ثورة 14 أكتوبر 1963 المجيدة، التي انطلقت ضد الاستعمار البريطاني البغيض، لتلهم أبناء الجنوب اليمني مسيرة كفاح ونضال وتضحيات ، حتى تحقق الاستقلال في 30 نوفمبر 1967، لكن، وبينما يُفترض أن تكون الذكرى الـ62 محطة لتجديد العهد الوطني، فإنها تحل هذا العام في ظل واقع مرير يعيشه الجنوب اليمني، حيث يجد كثير من أبناءه أنفسهم غرباء في وطنهم، خاضعين لنفوذ خارجي تمارسه السعودية والإمارات، بتواطؤ واضح من أطراف جنوبية بات يُنظر إليهم كخونة لدماء الشهداء وأهداف الثورة.
خاض اليمنيون في جنوب الوطن نضالًا مريرًا ضد الاستعمار البريطاني، وقدموا آلاف الشهداء والجرحى من أجل وطن حر مستقل. لكن المفارقة المأساوية أن الجنوب، وبعد أكثر من ستة عقود على طرد المستعمر، يعاني اليوم من وصاية متعددة الأوجه، مفروضة عليه باسم التحالف والشرعية والانتقالي.
منذ دخول الإمارات والسعودية على خط العدوان والحرب ضد اليمن عام 2015، تغير المشهد الجنوبي كليًا، أصبحت عدن عاصمة مهشمة، والموانئ تحت سيطرة قوات مدعومة إماراتيًا، والقرارات السيادية تمر عبر الرياض وأبوظبي، في وقت بات فيه المواطن الجنوبي يفتقر لأبسط مقومات الحياة.
الإمارات .. من دعم الشرعية إلى تشكيل ميليشيات خاصة
في الظاهر، دخلت الإمارات إلى اليمن لدعم ما سُمي بالشرعية، لكنها سرعان ما أنشأت كيانات موازية للدولة، مثل قوات الحزام الأمني ، والانتقالي ، والنخبة الشبوانية، والتي هي منفصلة حتى عن الحكومة المسماه شرعية ،بل تتلقى أوامرها وتمويلها من أبوظبي.
النفوذ الإماراتي لم يتوقف عند الجانب العسكري، بل تعداه إلى السيطرة على الموانئ والمطارات والجزر، مثل ميناء عدن وجزيرة سقطرى، التي تحولت إلى قاعدة استخباراتية إماراتية إسرائيلية بحسب الوقائع وأثبتته تقارير دولية.
السعودية .. راعية التفكيك وشريك في النهب
أما السعودية، فبالرغم من موقعها كقائدة لما يسمى بالتحالف، إلا أنها لعبت دورًا مزدوجًا في الجنوب، بين دعم الحكومة التابعة لها، وبين مشاركة الإمارات في نهب الثروات، من خلال التحكم بالموانئ والمنشآت اللوجستية من خلال سيطرة فعلية على إدارة تشغيل الموانئ والاستحواذ على إيراداتها ، وعلى صلة بذلك إدارة منافع الموارد المحلية لصالح شركاتها المسيطرة على الواقع الاستثماري والتجاري في المحافظات الجنوبية ، وعلى الرغم من وجود الثروات فإن العائد منها لا يصل للخدمات العامة التي تدهورت من كهرباء ومياه ولا رواتب ..
خلال السنوات الماضية، تحولت حضرموت والمهرة إلى مناطق نفوذ سعودي مباشر، فيما تتوالى المحاولات لإقامة قواعد عسكرية ومراكز استخبارات في تلك المناطق، تحت غطاء إعادة الإعمار ومكافحة الإرهاب.
الثورة تباع بثمن بخس
في خضم هذه التحولات، ظهر مرتزقة جنوبيون، سرعان ما ارتدوا عباءة الثورة والقضية الجنوبية، ليتحولوا إلى أدوات طيعة في يد الرياض وأبوظبي، ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، الممول إماراتيًا، يتصدر هذا المشهد.
فبينما يرفع الانتقالي شعار استعادة الدولة، يشارك فعليًا في تفكيك ما تبقى من مؤسسات الدولة، ويدعم مشاريع التقسيم، ويضيق الخناق على القوى الوطنية الرافضة للوصاية الأجنبية، قادة الانتقالي، وكثير من المسؤولين المحليين، باتوا أشبه بمقاولين سياسيين في خدمة الأجندة الخليجية.
ولعل السؤال الأكثر مرارة في ذكرى الثورة، كيف تحوّل ورثة الشهداء إلى خدمٍ للغزاة الجدد؟ وكيف استطاع المال السياسي أن يشتري الدماء التي سالت في ردفان وزنجبار والمكلا وسوق الطويل؟
عندما تُسرق المبادئ باسم القضية
لقد قامت ثورة 14 أكتوبر من أجل الحرية والاستقلال وبناء دولة وطنية مستقلة، لا خاضعة للمستعمر ولا للوصاية، واليوم، وبعد 62 عامًا، نجد أن الجنوب يتمزق تحت وطأة مشاريع التجزئة والتبعية، يُدار عن بُعد، وتُنهب موارده، ويُستبعد أبناؤه الوطنيون لصالح نخبة منتفعة تمعن في بيع الوطن.
ما يجري اليوم ليس امتدادًا لثورة أكتوبر المجيدة، بل خيانة لها، فالثائر لا يتحول إلى مرتزق، والمناضل لا يتحول إلى عميل، والقضية لا تُباع في سوق السياسة الرخيصة.
هل بقي أمل؟
رغم السواد، لا تزال جذوة الثورة حية في قلوب كثير من الجنوبيين الأحرار، ممن يرفضون الاحتلال تحت أي مسمى، ويرون في ذكرى 14 أكتوبر المجيدة مناسبة لتجديد العهد مع الأرض والكرامة، قد لا تكون الطريق سهلة، لكن كما طرد أبناء الجنوب بالأمس الاستعمار البريطاني، فإن الأمل لا يزال قائمًا في أن يطردوا غدًا غزاة اليوم، ويستعيدوا وطنًا حرًا، مستقلًا، يليق بتضحيات الثوار.
المصدر: نقلا عن موقع يمانيون