إن الموقف الدولي إزاء القضية اليمنية يمثل نموذجًا صارخًا لاختلال موازين العدالة العالمية، حَيثُ تتعالى الأصوات المطالبة بتحمُّل روسيا والصين مسؤولياتهما التاريخية في استخدام حق النقض ضد القرارات الجائرة التي تستهدف اليمن، خَاصَّة وأن هاتين الدولتَينِ تعانيان من وطأة العقوبات الأمريكية ذاتها؛ مما يجعلهما الأكثرَ إدراكًا لتداعيات الظلم الدولي.

إننا إزاء نظام عالمي مختلّ يقدّم المصالحَ الضيِّقة على مبادئ العدالة، وهو ما يستدعي إعادةَ هندسة البنية الدولية على أسس أخلاقية راسخة، حَيثُ تصبح القيم الإنسانية هي المعيار الحاكم وليس حسابات القوة والنفوذ.

إلى أن يتحقّق هذا الحلم الإنساني، فإنَّ شرعية قرارات مجلس الأمن ستظل موضع تشكيك جوهري، بل وسنعتبرها وثائق لا تستحق إلا أن توضع تحت الأقدام رمزًا لرفضنا لانحيازها.

لقد أَدَّت التدفُّقات المالية السعوديّة والإماراتية إلى تشويه رؤية منظمة الأمم المتحدة وبعثتها إلى اليمن، حَيثُ فقدت المنظمة الدولية بُوصلة إنسانيتها فجعلت من جلاد يمني ضحية، وساوت بين المعتدي والمعتدى عليه في سابقة خطيرة تتنكر لمعاناة شعب يمني يعاني منذ تسع سنوات متواصلة تحت وطأةِ عدوان ثلاثي أمريكي سعوديّ إماراتي لم يتوقفْ يومًا عن انتهاك الحرمات وتركيع الشعب.

والأمرُ الأكثرُ إثارةً في هذه الأيّام أن جميع المؤشرات تُظهِر استعدادًا لموجة عدوان جديدة، حَيثُ يتجمَّع تحالف أمريكي إسرائيلي سعوديّ إماراتي في خندق واحد، تبدأ استعداداته بالمناورات البرية المشتركة بين القوات السعوديّة والأمريكية، مُرورًا بالمناورات البحرية بمشاركة ست دول، وليس انتهاءً باختبارات صفارات الإنذار ونشر أنظمة الدفاع الجوي على الحدود.

كُـلّ هذه التحَرّكات العسكرية المكثّـفة تؤشر لتحضيرات لعمليات عسكرية واسعة النطاق.

إن ما يسمى بالمفاوضات والمسارات السياسية، في حقيقتها وجوهرها، ليست سوى ستار يُخفي خلفه مزيدًا من المكر والخطط الملتوية، وأدَاة لتضليل الرأي العام ولفترات متقطعة؛ بهَدفِ مباغتة اليمن وأبنائه في لحظة يُظن فيها أنهم قد هدأت جأشهم أَو كللت جباههم.

فهي حلقة في سلسلة طويلة من محاولات الخداع الاستراتيجي، التي لا تغير من حقيقة الصراع القائمة شيئًا.

فها هو تحالف الشر الثلاثي الأمريكي-الإسرائيلي-الخليجي يجهز نفسه لخوض جولة جديدة من المواجهة، لا يخفي أهدافه ولا ينكر تآمره.

والدلائل على الأرض تشهد بذلك، فهي تنطق بما تنطوي عليه الضمائر.

فمن المناورات البرية المشتركة بين القوات السعوديّة والأمريكية، والتي تُجرى على الأراضي المحاذية لليمن، إلى المناورات البحرية الواسعة التي تجتذب مشاركة ست دول، في مشهد يعيد إلى الأذهان أحلافًا استعمارية بائدة.

وليس ذلك فحسب، بل الخلايا التجسسية التي يجندها الأعداء داخل اليمن، وتجري اختبارات متكرّرة لصافرات الإنذار في المدن السعوديّة، مع نشر مكثّـف ومتسارع لمنظومات الدفاع الجوي المختلفة على طول الحدود الشمالية مع اليمن، والزيارة المرتقبة لمحمد بن سلمان إلى واشنطن لعقد اتّفاق دفاعي مشترك مع أمريكا وشراء طائراتF-35 المتطورة.

وكل هذه التحَرّكات العسكرية المكثّـفة والمتزامنة ليست سوى إشارات واضحة، ومؤشرات لا تخطئها عين البصيرة، على أن عدوًا ما يتحضر لعمل عسكري كبير، يزعم في نفسه القدرة على قلب موازين المعادلة.

لكن هذا العدوّ يغفل، أَو يتغافل، عن درس التاريخ وعبرة الأيّام.

فالشعب الذي صمد طوال سنوات من العدوان الشامل، وخرج منها أقوى مما كان، بروحه المعتزة بحريته، وإيمانه الراسخ بنصر الله، وإرادته التي لا تعرف الانكسار، هو ذاته الشعب القادر على مواجهة أي تحدٍّ جديد.

إن هذه الاستعدادات العدائية، بكل ما تحمله من زيف القوة وعجب القادر، ستتحطم، كما تحطمت غيرها من قبل، على صخرة صلابة أبناء اليمن، وإصرارهم على حماية سيادة وطنهم، والدفاع عن كرامتهم التي لا تقبل المساومة.

بيد أن إرادَةَ الشعب اليمني بمختلف أطيافه وقياداته وجيشه الباسل، ستظل سدًا منيعًا في وجه هذه الأحلام التوسعية، وسيحبط بمشيئة الله تعالى جميع المخطّطات، وسيسقط بركان الحق اليمني كُـلّ أوهام القوى المعتدية.

أما حديثهم عن المفاوضات فلا يعدو كونه ستارًا من الخداع يستعدون خلفه لضرباتهم الماكرة، فالشعب اليمني الذي صمد أكثر من عشر سنوات في مواجهة أعتى التحالفات الدولية، قادر بعون الله على كتابة فصل جديد من فصول الصمود الأُسطوري.

بعون الله تعالى وتأييده، تتهاوى الأحلام الواهية والأوهام الزائفة، ويتبدد سراب أُولئك الذين اعتقدوا في قرارة أنفسهم أنهم قادرون على النيل من إرادَة هذا الشعب الأبي.

فالشعب اليمني العظيم، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يشكل كتلة بشرية متراصة، متشبثة بعقيدتها، متماسكة في نسيجها المجتمعي المتين، مؤمنة بعدالة قضيتها، وواثقة في قيادتها الحكيمة التي تهدي خطاها، وبجيشها الباسل الذي يفدي تراب هذا الوطن الغالي بروحِه.