تشهد اليمنُ مرحلةً بالغة الخطورة، والذي يحصل هو مشروعٌ دولي واسع النطاق يستهدفُ كَيانَ وهُوية الدولة اليمنية بأسرها.. القراءةُ المنهجية للأحداث تكشفُ عن خيوط متشابكة لمؤامرة استعمارية كبرى، يتطلب إدراكُها وتفكيكها تحَرُّكًا وطنيًّا جامعًا، ليكون الرد عليها بحجم الخطر المحدِق.

إن ما يجري في المحافظات الجنوبية من حالة تجزئة وفوضى وتنازع على النفوذ هو خير شاهد ودليل دامغ على الأهداف الحقيقية لتلك المؤامرات الإقليمية والدولية.

 

أولًا: الجنوب كنموذج للمخطّط الاستعماري

يُعد الجنوب اليمني اليوم مختبرًا للتوجُّـهات الاستعمارية الجديدة التي تسعى إلى إعادة رسم خرائط النفوذ والسيطرة.

فبدلًا عن الذهاب نحو تسوية سياسية شاملة، يشهد هذا الجزء من الوطن عمليات ممنهجة لتكريس حالة الانقسام وغرس بؤر التوتر، الأمر الذي يضع المسؤولية الوطنية المطلقة على عاتق كافة القوى الوطنية للتحَرّك العاجل.

إن مواجهة هذه التحديات والمخاطر، وإفشال مشاريع الاحتلال، وطرد المستعمرين لم يعد خيارًا سياسيًّا، بل هو واجب ديني ووطني وحتمي يقتضي تشكيل صف وطني جامع لا يقبل التجزئة.

 

ثانيًا: تقييم الفرص الضائعة وسيناريو التصعيد

في تحليل للمسار، نرى أن القيادتين في الرياض وأبوظبي قد أضاعتا العديد من “الفرص الذهبية” التي قُدمت لهما من قِبل قيادة صنعاء للخروج من ورطتهما الكبرى والمستنقع اليمني.

لقد اختار النظامان السعوديّ والإماراتي، مؤخّرًا، العودة إلى مربع التصعيد والذهاب نحو مزيد من المؤامرات وافتعال الحروب، متجاهلين التداعيات الاستراتيجية لهذا القرار.

إن هذا التوجّـه يعكس استمرارًا للتعنُّت والرفض لتنفيذ استحقاقات السلام الشاملة، والتي لا تزال تراوح مكانها؛ بفعل المراوغة والتنصُّل من الالتزامات.

ومما يزيد من خطورة الموقف هو التورط المعلَن والمستتر مع كيان الاحتلال الصهيوني وأمريكا في التآمر على استقرار المنطقة؛ ما يضع المنطقة بأسرها أمام مرحلة جديدة من عدم الاستقرار.

 

ثالثًا: التداعيات الاقتصادية والجغرافية

في ضوء هذا التعنُّت، وإصرار دول تحالف العدوان على إبقاء الحصار قائمًا، فَــإنَّ المعادلة القائمة تشير بوضوح إلى أن المرحلة القادمة ستشهد تحولًا جذريًّا في طبيعة الصراع ومداه الجغرافي.

لقد أوضحت القيادة اليمنية “صنعاء” موقفها وأقامت الحُجّـة، وعليه فَــإنَّ المعركة ستنتقل حتمًا إلى العمق السعوديّ والإماراتي.

وهذا التصعيد لن يكونَ مُجَـرّد ردود فعل تكتيكية، بل سيشكل مرحلة جديدة من الخسائر المباشرة وغير المباشرة؛ مما يفرض على الرياض وأبوظبي تحمل عواقب وتداعيات اختياراتهما:

الخسائر الاقتصادية: سيدفع النظامان أثمانًا باهظةً تتمثل في تكبُّد المزيد من الخسائر الاقتصادية الممتدة، والتي ستطال البنية التحتية ومصادر الطاقة الحيوية.

عدم الاستقرار الإقليمي: ستزداد حالة عدم الاستقرار الداخلي والإقليمي، مما يهدّد البيئة الاستثمارية والسيادية لهاتين الدولتين.

 

الخلاصة: الأيّام حُبلى بالمفاجآت

إن ما حصل في السنوات التسع الماضية من صمود وثبات لن يكون بأي حال من الأحوال مثل ما سيحصل اليوم.

لقد وصلت المواجهة إلى نقطة تحول استراتيجية لا رجعة فيها.

فما دام الرفضُ لتسليم استحقاقات الشعب اليمني مُستمرًّا، والتعنُّت هو السمة السائدة في التعامل مع ملفات السلام، فَــإنَّ الأيّام القادمة حُبلى بالمفاجآت الميدانية والاستراتيجية التي ستغير القواعد وتفرض وقائع جديدة على الأرض وعلى الطاولة.

إن اليمن، بعد كُـلّ هذه السنوات، بات يمتلك الموقف الواضح والأدوات القادرة على فرض معادلات الردع، والكرة اليوم في ملعب مَن أصر على التعنُّت والمضي في درب العدوان.