كيف أصبح اليمن مدرسةً عالميةً في الحرب البحرية؟
أفق نيوز| تقرير | وديع العبسي
ظل اليمن بشعبه المتماسك وقواته خلال العامين الماضيين مرتكزاً للكثير من البحث والتحليل، وفي أحيانٍ أخرى الإعجاب، على أن تواصل هذا الانتباه إلى القوات التي أذهلت العالم سواء في القدرات أو التكتيكات، لا يزال يكشف عن الجديد بصورة مثيرة للاهتمام.
وإذا كان قادة في الجيش الأمريكي -القوة العظمى- قد أوصوا بأهمية الاستفادة من التجربة اليمنية البحرية، فإن هناك فعلياً من حاول محاكاة هذه التجربة عملياً، كحال أوكرانيا التي تخوض حرباً ضد روسيا. كشف عن ذلك موقع «سيتريد ماريتايم» البريطاني الذي اعتبر أن اليمن قد أصبح «مدرسةً عسكريةً عالميةً في الحرب البحرية».
الموقع البريطاني ذكر أن أوكرانيا بدأت بتبني التكتيكات القتالية اليمنية في حربها البحرية باستخدام الطائرات المسيّرة والزوارق المفخخة والصواريخ البحرية. وكانت أوكرانيا قد أعلنت فعلاً استهداف ناقلتي نفط روسيتين «كايروس» و«فيرات» قرب السواحل التركية أواخر نوفمبر الماضي.
لا يشير هذا الأمر فقط إلى انتشار خبر ما أبلته القوات اليمنية من بأس شديد في معركة الدفاع عن أهالي غزة، والدفاع عن السيادة الوطنية حين كانت بعض شركات الملاحة تحاول كسر القرار الوطني بمنع التعامل مع الكيان الصهيوني القائم بأعمال إبادةٍ ضد الفلسطينيين في القطاع، لكنه يشير أيضاً إلى مفاهيم جديدة للمواجهة، وقد خضع هذا الأمر لنقاش خبراء الحروب في أمريكا وبريطانيا، ويتمحور في نموذج “الحرب غير المتكافئة”.
يذكر الموقع البريطاني أن الذكاء العملياتي اليمني قدم نموذجاً في المواجهة نسف الرهانات على التفوق التكنولوجي وحجم الترسانات والأساطيل العملاقة لتحقيق النصر، وهو ما شهده العالم خلال عامين من الإنفاق الأمريكي عالي الكلفة في المواجهة مع القوات اليمنية، سواء ضمن تحالفات متعددة الجنسية أو بصورة فردية، ما اضطرها في نهاية المطاف إلى مغادرة البحر الأحمر بعد زمن من احتكار الحركة فيه.
وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية من جهتها تواصل التناول لتفاصيل المواجهة البحرية وما أفرزت عنه من حقائق لصالح الجيش اليمني، وتداعياتها على البحرية الأمريكية، وقبل أيام عادت الوكالة لتتحدث عما سببته الهجمات الصاروخية اليمنية المستمرة والتأهب الدائم في البحر الأحمر من ضغوط على القوات الأمريكية حدّ «الخدر الجماعي وفقدان الإحساس بالمهمة» حسب الوكالة، وهو ما انعكس على مستوى أدائها وارتكابها العديد من الأخطاء وفق الوكالة، ووفق ما أظهرته معطيات المواجهة بالنسبة لحاملة الطائرات «هاري إس ترومان» ومجموعة السفن المرافقة لها.
وتذكر الوكالة أنه من الأخطاء أيضاً والتي كشفت عن إرباك وفوضى عاشتها القوات الأمريكية في البحر الأحمر، إطلاق طرّادة الصواريخ «يو إس إس غيتيسبيرغ» النار بالخطأ على مقاتلتين أمريكيتين، وكذلك حادثة تصادم حاملة الطائرات «ترومان» بسفينة تجارية قرب قناة السويس، والذي كاد أن يتسبب بكارثة، كما لفتت الوكالة إلى أن البحرية الأمريكية فقدت مقاتلتين إضافيتين باهظتي الثمن خلال المناورات والعمليات الدفاعية في البحر الأحمر، نتيجة «الإجهاد الشديد وتراجع الصيانة والإنهاك النفسي بين الطواقم»، بحسب الوكالة.
ونقلت «أسوشيتد برس» عن الأدميرال الأمريكي جيمس كيلبي تأكيده بأن إجراءات محاسبة قد اتُّخذت بحق الضالعين في سلسلة الحوادث خلال مهمة البحر الأحمر.
وفي الخلفية التي هيأت للظهور اليمني بشكل مفاجئ وإنجازه ما لم تحققه كثير من دول العالم خلال عقود إلى مستوى الصيرورة كمدرسة عالمية، جاء تأكيد موقع “مودرن بوليسي” الأوروبي في تقرير، أن اليمن كشف -خلال حصاره الكيان الصهيوني وتنفيذه عمليات بحرية ناجحة ضد السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني في البحر الأحمر- عن تحول استراتيجي في الحروب البحرية، فالتكتيكات الذكية التي استخدمها الجيش اليمني -حسب الموقع- نجحت «في إعادة تعريف مفهوم الردع البحري»، ناهيك عن أن المواجهة عموماً قدمت نموذجاً عن تواري زمن المراهنة على القوة التكنولوجية بالشكل الذي ترهب به أمريكا العالم، وأن الاستراتيجيات المستندة على التكلفة المنخفضة لم تعد بالأمر الذي يمكن التعاطي معه باستخفاف واستهانة.
فكان اليمن رائداً في حشر النموذج الغربي في زاوية «الكلاسيكية». وقال الموقع الأوروبي إن «القوة التقليدية تصبح بلا معنى حين يأتي التهديد من طائرات مسيّرة صغيرة وسريعة يصعب تعقبها أو اعتراضها». في المتغير الذي بات أمراً واقعاً، وأحدث هديراً صاعقاً في العالم، أوجزه الموقع في إشارته إلى أن طائرة مسيّرة واحدة نجحت في صنع أثر اقتصادي عالمي، حين أجبرت شركات ملاحية عملاقة على تغيير مساراتها، وتسبب ذلك في ارتفاع تكاليف الشحن. وهو ما جرح غرور وكبرياء دولٍ عظمى، لم تجد بداً من التحرك لإزالة هذه القوة قبل تعاظمها، لتتصدر الولايات المتحدة وبريطانيا الدور، وليأتي الحصاد خزياً وهزيمةً رغم امتلاكهما لأقوى الأساطيل الحربية، وفق الموقع الأوروبي، الذي أكد أن «أزمة البحر الأحمر تمثل نقطة تحول تاريخية في النظام الأمني العالمي»، معتبراً العمليات اليمنية بمثابة «إعلان عن نهاية عصر التفوق المطلق للأساطيل الغربية، وبداية عصر جديد تتفوق فيه العقول على الترسانات».
الأمر لم يقتصر على البحر، وإنما كذلك العمليات التي استهدفت عمق العدو الصهيوني، حيث ذكرت التحليلات بأن الإنجاز اليمني أسس لمرحلة جديدة للكيان، لم يعد فيها لما يعرف بالجيش الذي لا يقهر وجود، مؤكدة بأن وصول الصواريخ والطائرات المسيّرة اليمنية إلى عمق الاحتلال لم يعنِ فقط عجز الكيان بترسانة الأسلحة التي يمتلكها في الدفاع عن النفس، وإنما أيضاً تعرُّضه لحدث لم يشهده الكيان وداعموه من قبل، حين كانت «إسرائيل» هي فقط من تقصف ومن تتحكم بمسارات الأحداث.
على هذا النحو يتواصل ظهور الاستخلاصات الجديدة من تحليل مجريات المعركة اليمنية الإسنادية للشعب الفلسطيني والدفاع عن السيادة الوطنية، ليس فقط باعتبارها تؤسس لعصر جديد بقوى جديدة تدخل ساحة الفعل ويكون بمقدورها إحداث تأثيرات ومتغيرات واضحة، وإنما أيضاً بنجاحها في تصدُّر مشهد المواجهة مع قوى عظمى رغم انعدام التكافؤ في القدرات والإمكانات.
موقع انصار الله