أفق نيوز
الخبر بلا حدود

نفاقُ واشنطن وجرائمُ الاحتلال

42

أفق نيوز|

طالب عمير

تُعدّ الولايات المتحدة الأمريكية النموذج الأبرز في العالم للنفاق السياسي وازدواجية المعايير، فهي تتغنّى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وتقدّم نفسها للعالم كحارسة للحرية والمدافعة عن المظلومين.

غير أن الوقائع والشواهد تُثبت أن هذه الصورة ليست سوى قناع زائف يخفي خلفه أطماعًا استعمارية ومشاريع هيمنة، وأن أمريكا لا ترى في القيم والمبادئ سوى أدوات للابتزاز السياسي، تُستخدم حين تخدم مصالحها، وتُلقى جانبًا فور أن تتعارض مع أطماعها أَو مصالح حلفائها.

يكفي أن نتأمل في مواقف الولايات المتحدة تجاه قضايا العالم، لنلمس حجم النفاق المفضوح في سياساتها، وأوضح مثال على ذلك موقفها من القضية الفلسطينية ومن الجرائم الوحشية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني. ففي الوقت الذي تصرخ فيه واشنطن ليل نهار تحت شعار “حماية المدنيين” و”الدفاع عن الديمقراطية” عندما يكون الطرف الآخر خصمًا لها، نجدها تنخرس تمامًا أمام جرائم الاحتلال، بل وتُقدّم له دعمًا مطلقًا بلا حدود، رغم كُـلّ المجازر الموثقة والانتهاكات المروعة.

لقد تحوّلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى شريك مباشر في سفك دماء الأبرياء، فهي لا تكتفي بتزويد الاحتلال بالأسلحة المتطورة ومنظومات القتل والصواريخ الذكية، بل تمنحه غطاءً سياسيًّا كاملًا في كُـلّ المحافل الدولية، مستخدمة سلاح الفيتو الشهير لإسقاط أي قرار يُدين الاحتلال أَو يطالب بمحاسبته على جرائمه.

وفي غزة، تتكرّر المآسي في كُـلّ عدوان، حَيثُ يتعرض الشعب الفلسطيني لإبادة جماعية منظمة، تُستهدف فيها المدارس والمستشفيات والمخيمات والأحياء السكنية، ويُحاصر فيها الغذاء والدواء، بينما تقف الولايات المتحدة في مقدمة الصفوف لتبرير هذه المذابح، وتُقدّم القتلة كضحايا تحت ذريعة “الدفاع عن النفس”.

أي دفاعٍ عن النفس يُبيح قتل الأطفال الرُضع وهدم المنازل فوق ساكنيها؟ وأي عدالة تلك التي تصف مقاومة الاحتلال بالإرهاب، بينما تبرّر عدوان الجلاد وتُباركه بل وتُموّله؟

وفي لبنان، لا يختلف المشهد كَثيرًا؛ إذ تكرّر واشنطن الموقف نفسه مع كُـلّ عدوان إسرائيلي، حَيثُ تُبرّر كُـلّ جريمة بحق الشعب اللبناني، وتعتبر القصف والتدمير والتهجير جزءًا من “حق الدفاع” المزعوم، بينما تصب جام غضبها على كُـلّ طرف يقاوم الاحتلال أَو يُدافع عن الأرض والكرامة.

والمثير للسخرية أن الولايات المتحدة لا تتردّد في تقديم نفسها حاميةً للقانون الدولي وحقوق الإنسان، بينما هي نفسها أكبر منتهك لهذا القانون، ليس فقط في فلسطين ولبنان، بل في كُـلّ مكان وصلت إليه آلة حروبها ومرتزِقتها، من العراق إلى أفغانستان، ومن ليبيا إلى اليمن.

لكنّ الموقف الأمريكي من جرائم الاحتلال يظل المثال الأوضح على سقوط أخلاقها وانكشاف زيف شعاراتها، فالإدارة الأمريكية لا تخجل من الظهور على المنابر الدولية تتحدّث عن “الإنسانية”، بينما تواصل إرسال مليارات الدولارات لدعم جيش الاحتلال، وترفض حتى وقف تزويده بالقنابل المحرمة دوليًّا التي تحرق الأحياء المدنية وتُحوّل المدن إلى مقابر جماعية.

الواقع أن واشنطن لا ترى في شعوب منطقتنا سوى أدوات لحروبها، ووقودًا لمشاريعها، وحين يُقتل آلاف الفلسطينيين واللبنانيين، تُختزل الجريمة في جملة باردة صادرة عن وزارة خارجيتها: “ندعو إلى ضبط النفس”، فيما تفتح خزائنها لدعم الاحتلال بالمال والسلاح بلا شروط.

إن ما تفعله الولايات المتحدة لم يعد مُجَـرّد ازدواجية معايير أَو نفاق سياسي، بل أصبح جريمة كاملة الأركان؛ إذ تشرعن الإبادة وتُعيد إنتاج الاستعمار بأدوات وأشكال جديدة، وتغطي جرائم الاحتلال بغطاء سياسي وعسكري مفتوح.

ولذلك، فَــإنَّ على شعوب العالم أن تُدرك أن واشنطن ليست نصيرةً للحرية، بل هي رأس الأفعى، وزعيمة معسكر الطغيان والاحتلال والدمار. وإن الصمت على هذا النفاق هو صمت على المجازر، وتواطؤ مع جرائم قتل الأبرياء وتدمير المدن وتهجير الشعوب.

لقد أصبح واضحًا أن العالم اليوم محكوم بشريعة الغاب، وأن الحقوق لا تُسترد عبر المؤسّسات الدولية التي تتحكّم بها واشنطن وأتباعها، بل تُنتزع بالصمود والمقاومة والثبات، وأن الشعوب التي تدافع عن كرامتها وتواجه الاستعمار بصدور مفتوحة ستُسقط الطغاة والقتلة مهما طال الزمن.

التاريخ لا يرحم، وهو لا يكتب بأقلام المنافقين، بل بدماء المقاومين الأحرار.