اتّفاق «هدنة غزة»: فخٌّ استراتيجي أم فرصة سلام؟ قراءة نقدية للمقترح ونتائجه المتوقعة
أفق نيوز|
د: عبدالملك أبو دنيا
في خضمِّ الحربِ الوحشية المُستمرّة على غزة، تتوالى المبادراتُ الدولية التي تدعو إلى وقف إطلاق نار «مؤقت» لمدة 60 يومًا، مثلما تروج له وساطة بورما وغيرها من القوى الإقليمية والدولية. هذا المقترح يبدو للوهلة الأولى «نافذة إنسانية» لإنقاذ أرواح المدنيين، لكن تحليلًا أعمقَ يكشف عن كونه قد يكون فخًّا استراتيجيًّا خطيرًا يهدّد المقاومة الفلسطينية ومستقبل القضية برمتها.
هدنة من طرف واحد؟
الأَسَاس في أي اتّفاق هدنة أن يكون متكافئًا يحقّق مصالح جميع الأطراف. لكن في النموذج المقترح، يتضح أن الاحتلال الصهيوني يراهن على استغلال فترة الهدنة لتحقيق هدفه الأول: تحرير ما تبقى من أسراه لدى المقاومة.
هذا الهدف عجز عن تحقيقه عسكريًّا رغم مجازره ودماره الهائل.
عبر الهدنة، يأمل بالحصول عليهم بوسائلَ «تفاوضية» أرخصَ ثمنًا وأقلَّ مخاطرة.
الخطر الأكبر: إعادة ترتيب الصفوف
ما يخشاه الكثير من المحللين هو أن هذه الهدنة لن تكون مقدمة لحل دائم، بل استراحة محارب.
سيسعى الاحتلال خلالها إلى إعادة تنظيم قواته، ترميم مخزوناته العسكرية، وترتيب جبهته الداخلية التي انهارت صورتها عالميًّا.
بالمقابل، سيُفرض على المقاومة التزامات صارمة تمنعها من التحَرّك أَو الاستعداد لأية مواجهة جديدة.
المخطّط الاستيطاني الأكبر:
لا تنفصل هذه الهدنة عن رؤية استراتيجية صهيونية معلَنة:
تهجير واسع في غزة تحت غطاء «ممرات آمنة».
توسيع الاستيطان في الضفة الغربية، خَاصَّة القدس.
محو الهُوية الفلسطينية وتقسيم الأرض إلى كانتونات معزولة.
خلق واقع جديد يصعُبُ تغييره بعد الحرب.
وكما قال قادة الاحتلال علنًا: «هذه فرصة قد لا تتكرّر لإعادة تشكيل خريطة المنطقة».
ترامب واللعبة الأمريكية:
حتى السياسيون الأمريكيون، مثل ترامب، ممن يبدون حرصًا على «وقف إطلاق النار»، يمارسون خداعًا مفضوحًا:
خطابهم الإنساني يخفي دعمًا عسكريًّا متواصلًا.
يسعَون لإعادة تأهيل صورة الكيان دوليًّا، عبر إظهاره كشريك في التفاوض.
يريدون أن يقدِّموا للناخب الأمريكي «إنجازًا دبلوماسيًّا» لكن على حساب دماء الفلسطينيين وحقوقهم.
هل من بديل؟
أية هُدنة يجب أن تكون مشروطة بضمانات حقيقية:
وقف دائم لإطلاق النار، لا مؤقت.
انسحاب كامل من غزة.
رفع الحصار كليًّا.
ضمان إعمار غزة بضمانات دولية.
إطلاق الأسرى الفلسطينيين ضمن اتّفاق شامل.
بدون هذه الشروط، أية هدنة ليست سوى فخ لتصفية ما تبقى من مقاومة الفلسطينيين، وإكمال مشروع التهجير والاستيطان.
خاتمة:
الهدنة الإنسانية ليست حلًا إنسانيًّا ما لم تكن جزءًا من حَـلّ سياسي عادل.
والمطلوب من القوى الفلسطينية والضمائر الحية في العالم ألا تنخدع بالدبلوماسية المضلِّلة التي تخفي وراءها أخطر مشروع لتصفية القضية الفلسطينية.
إن «اتّفاق الستين يومًا» قد يكونُ أخطرَ من الحرب ذاتها إذَا لم يقرأه الفلسطينيون بحذر، ويواجهوه بوحدة الموقف ووضوح الرؤية.