ثورة الإمام زيد .. مشروع إنقاذ مستمر لمواجهة الطغيان والاستكبار
عبدالحكيم عامر
في زمنٍ تكالبت فيه قوى الاستكبار على الأمة، وتهاوت أمام سطوتها حصون الأنظمة العربية والإسلامية، يعود بنا التاريخ الى ثورة الإمام زيد بن علي عليه السلام لتعيد الأمة الإسلامية معنى الثورة الواعية، فهي ثورة تحمل مشروعًا تحرريًا أصيلًا استمدت جذورها من القرآن الكريم والنبوة وآل البيت، ومشروعًا إصلاحيًا متكاملًا حمل همّ الأمة في مواجهة الانحراف والضلال، وكانت إمتداد طبيعي من ثورة الإمام الحسين عليه السلام، كلاهما جسّد المبدأ الواحد “هيهات منا الذلة” لقد أدرك الإمام زيد أن ترك الأمة تسبح في مستنقع الخنوع للطغاة هو خيانة لله ولرسوله ولرسالة الإسلام.
إن ثورة الإمام زيد جاءت في زمنٍ بلغ فيه الطغيان الأموي ذروة الفساد والانحراف واستعباد الأمة، وقهر الناس وقمع الكلمة الحرة وإحياء العصبية الجاهلية، ففي ذلك الزمن، جسّد الإمام زيد في حياته أعظم معاني البصيرة والشجاعة حين اختار أن يحمل راية الإصلاح، فمثّل الإمام زيد بثورته صدمة يقظة داخل أمةٍ أُريد لها أن تستمر في سباتها وتدجينها، ولذلك قالها بصدقٍ يخرق حدود الزمان “والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت” بهذا الشعار حدد موقعه من القرآن والواقع معًا: لا حياد أمام انحراف الأمة عن منهج الله، ولا صمت أمام استعباد الأمة وانتهاك مقدساتها.
إن ثورة الإمام زيد عليه السلام لم تنتهي بإستشهادة، بل كانت انطلاقة لروح جهادية امتدت في الزمان والمكان، تواصلت بدماء ابنه يحيى، وأثمرت تغييرات كبرى أطاحت بعرش بني أمية، وعبّدت الطريق أمام الصحوة الإسلامية المتجددة ضد كل طاغية وظالم.
يقول السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وهو من أبرز من أعاد إحياء هذه الذكرى اليوم، إن تحرك الإمام زيد “تحركٌ مسؤول بكل ما تعنيه الكلمة”، لقد علّمنا الإمام زيد أن التخاذل عن جهاد الباطل ذلٌّ دائم، وأن كسر حاجز الخوف هو الطريق الوحيد نحو استعادة عزة الأمة وكرامتها، لذلك قالها بصلابة: “لو لم يخرج معي إلا ابني يحيى لقاتلتهم”، ليثبت أن صاحب الحق لا يرتبط عدده بعدد الأنصار، بل بعزيمته ويقينه.
اليوم، وفي ظل ما تتعرض له الأمة الإسلامية من هيمنة الطغيان الأمريكي والصهيوني وأدواتهما الإقليمية، تبرز ثورة الإمام زيد كعنوان تعبوي وإيماني، فالشعب اليمني خاصة يستلهم من هذه المناسبة دروس الصمود والثبات، ويؤكد عمليًا أن ثورة الإمام زيد لم ولن تموت.
إن من يحمل شعار ” البصيرة البصيرة ثم الجهاد” يواجه حملات التضليل وطمس الحقائق التي تمارسها ماكينات الإعلام الصهيوأمريكي والمأجور، بسلاح الوعي والتمسك بمبادئ القرآن، فاليوم، وفي قلب معركة فلسطين، يقف اليمن بعمق زيدي ثوري داعمًا للمقاومة، متمسكًا بنفس الخط الذي شقه الإمام زيد قبل 13 قرنًا: لا مساومة، لا تراجع، لا سكوت أمام استباحة الأمة.
إن إحياء ذكرى الإمام زيد في اليمن وفي وجدان كل حر، هي محطة تعبئة وتجديدٍ للعزم وشحذٍ للإرادة في زمن يتكالب فيه الأعداء، إنها صرخة لإيقاظ الغافلين، وتذكيرٌ للمتخاذلين بأن الصمت في زمن الطغيان جريمة وخيانة للمبدأ والدين.
لقد كانت الإمام زيد عليه السلام تعبيرًا حقيقيًا عن الإسلام المحمدي الأصيل، الإسلام الذي لا يقر الاستبداد ولا يرضى بالدونية، ولعل أهم درس نستخلصه اليوم هو أن معيار الانتماء الحقيقي للإسلام يتجلى في رفض الخنوع والتبعية، وفي الإيمان بأن الله وعد بنصر من ينصره.
إن الثورة التي أطلقها الإمام زيد عليه السلام كانت مشروع إنقاذ، وستظل مشروعًا متجددًا حتى تتحرر الأمة من كل أشكال الهيمنة، واليوم، في معركة “طوفان الأقصى” ومعارك الوعي والمواجهة، نُجدّد العهد بأننا اليوم في اليمن، وفي كل أرض حرّة، نقول “والله ما يدعنا كتاب الله أن نسكت” إن دماء الإمام زيد وكل شهداء النهج القرآني المحمدي الأصيل، تسري في شرايين الأحرار الذين يقاومون أمريكا وإسرائيل ومن يدور في فلكهم.
إن معركة اليمن اليوم مع العدوان والحصار والاستكبار ليست منفصلة عن رسالة الإمام زيد، بل هي امتداد طبيعي لها، وكما أطاحت دماء الإمام زيد ويحيى بعرش بني أمية، فإن بصيرة ودماء الأحرار اليوم ستطيح بأرباب الهيمنة الجدد مهما عظمت ترساناتهم وأساطيلهم.