أفق نيوز
الخبر بلا حدود

ليميز الله الخبيث من الطيب

51

أفق نيوز|

أم المختار مهدي

تقف الكلمات عاجزة عن التعبير، ما يحصل في غزة لا يستطيع وصفه تعبير ولا بلاغة ولا بيان، مأساة تفوق الخيال والتصور، حزن لم تحمل الأرض مثيلًا له، وجع لم يمر على أي شعب، خذلان لم يحصل في التاريخ.
من لم يُقتل بالصواريخ قُتل بالجوع أمام مرأى ومسمع أمة سخرت منها المخلوقات، وتعجبت لسوء حالها الأرض والسماوات، وما زالت تغوص منذ سنوات في نفس السبات.

قال تعالى:
{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}
تساؤل إلهي مع علامة تعجبٍ للمسلمين، من يعبدون الله إلهًا، ويعتنقون الإسلام دينًا، ويقدسون القرآن منهجًا، ويتخذون الرسول علمًا، لماذا يصمتون أمام مظلومية المسلمين أمثالهم؟! لماذا لم يحركهم دينهم؟! لماذا وصلوا إلى مرحلة أن يستبدل الله بهم غيرهم؟!

إنَّ الجواب مختصر بـ”التفريط”. نعم، إنه التفريط بالدين، والكتاب، والمقدسات، والأمة. إنه التفريط الذي أوصل غزة إلى حالها المأساوي؛ حيث إن العدو اليهودي الظالم ما كان ليفعل ما يفعل من الجرائم والمجازر والحصار والتجويع، لو لم يكن قد ضمن صمت الأمة، واشترى دينها وضميرها، وبهذا فإن الأمة مسؤولة أمام الله وأمام الشعب الفلسطيني عمّا يحدث من وحشية ليس لها مثيل، وإن سكوتها سوف يمكّن العدو منها أكثر، ولن يتوقف عند حدٍّ أبدًا.

يجب ألا ننظر إلى غزة بعين الاعتياد، ولا بعين أنهم يجب أن يدفعوا ثمن حريتهم، ولا بعين من يرون الموت حقًا، عاجلًا أم آجلًا، فالأرواح التي تُزهق بالعشرات يوميًا ليست مجرد أرقام تُنشر، ولا إحصائية يقدمها وزير صحة أو ناطق عسكري، إنها حياة وأحلام وأمنيات تُقتل بأبشع الصور وأشنعها وأقساها.

على الأمة أن تستيقظ من سباتها، وأن تعلم أن الخطر يهددها بشكل عام، لا فرق بين شيعي وسني، وبين بلد مقاوم مجاهد أو حتى مطبع، طمع اليهود لا يختص بدولة أو قطعة أرض ويكتفون بذلك، بل هم يرون أن لهم حق حكم الأرض واستعباد جميع البشرية.
وأمام هذه التحديات، يجب على الأمة أن تعتصم بدين الله جميعًا، وتتخذ القرارات التي تحافظ على دينها وأمنها واستقرارها، وأن ترفض جميع أشكال الظلم من أعدائها الغاصبين، وتخرج ضد حكامها المطبعين، وتقاطع العدو وتقاتله بكل ما تستطيع.

إن الله تعالى غالب على أمره، وقد وعد عباده المؤمنين بالنصر والتمكين، وما هذه المرحلة، وهذه الشدة، إلا اختبار وابتلاء ليميز الله الخبيث من الطيب، ويظهر المؤمن الحقيقي، ويكشف مدعي الإيمان.
والعاقبة للمتقين.