أفق نيوز
الخبر بلا حدود

برمودا السعودية تبتلع اليمنيين

297

أفق نيوز|

في مشهدٍ يُلخّص مأساة وطنٍ يعيش تحت وطأة العدوان والحصار السعودي الأمريكي الصهيوني المتواصل، لفظ الشاب اليمني عبد الله علي قاسم الشمري أنفاسه الأخيرة متفحمًا تحت التعذيب، على يد جنود حرس الحدود السعودي، بعدما غادر قريته الفقيرة في مديرية حيدان بمحافظة صعدة، بحثًا عن عمل يسد به رمق أسرته التي أثقلها الجوع والحصار.

برفقة صديقيه عادل سالم وصلاح الجرفي، غادر عبد الله من عزلة ذويب في رحلة محفوفة بالمخاطر، لم تكن رحلتهم تهريبًا، ولا كانت تحديًا لقوانين الحدود، بل كانت هروبًا من فقر قاتل فُرض على اليمنيين منذ سنوات، بفعل حرب عسكرية واقتصادية خانقة، قصف ممنهج للبنية التحتية، وإغلاق تام للمنافذ والمعابر.

https://x.com/TvAlmasirah/status/1950276424759120107


قبل أن تكتمل الرحلة اعترضتهم دوريات الجيش السعودي، واقتادتهم إلى أحد مواقع الإحتجاز السرّية، لتبدأ هناك فصول الرعب والدم واللظى، حيث أصبحت الحدود السعودية “مثلث برمودا” الجديد للفقراء اليمنيين؛ والمسافرين والحجاج، يدخلونه ولا يخرجون، ومن نجا منهم، يعود ممزقًا أو محروقًا أو منهارًا.

  

كانوا يُحرقوننا بالنار… والحديد الأحمر يُكوى به الجسد

 يروي صلاح الجرفي، أحد الناجين من الجحيم، وهو يحمل آثار الحروق التي شوهت جسده: “عذبونا بالنار، كانوا يسخنون الحديد حتى الاحمرار ثم يضعونه على أجسادنا، أجبرونا على المشي فوق الجمر، وعذبوا عبد الله أمام أعيننا حتى استُشهد. لم يُراعوا أننا بشر، ولم يرأفوا بنا رغم أننا لم نحمل سلاحًا ولا تهديدًا، فقط كنا نبحث عن عمل.”

أما عادل سالم، الذي نجا هو الآخر من الموت، فيقول بقلب يعتصره الألم: “لم نطلب سوى الرزق، لكنهم استقبلونا بالحرق والضرب، عبد الله مات بين أيدينا ونحن لا نستطيع إنقاذه، عدنا محروقين وجائعين، وما زال صدى صراخه يطاردنا حتى اليوم.”

عاد الناجيان إلى اليمن محملَين بالجراح والحروق من الدرجة الثالثة، فيما بقي جثمان عبد الله ملقى في أحد أودية الداخل السعودي، بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة متأثرًا بالنار والتعذيب.

هذه الجريمة ليست الأولى. بل واحدة من سلسلة طويلة من الجرائم الممنهجة التي يرتكبها جيش العدو السعودي على حدود الموت، بحق يمنيين دفعتهم الحاجة والجوع إلى عبور خط النار.

ضحايا هذه الجرائم في الغالب من فقراء المناطق الحدودية والمحافظات النائية الذين يجازفون بحياتهم من أجل لقمة، ليجدوا أنفسهم داخل سجون الصمت المحاطة بالنار.

جرائم الحدود هذه ليست مجرد انتهاكات، بل صورة حقيقية من صور الحرب الاقتصادية الشاملة التي تشنها السعودية ضد اليمن، إنها حرب لا تكتفي بالقصف والتجويع، بل تمتد إلى إذلال الإنسان وتعذيبه حتى الموت، كأنها سياسة ممنهجة للإبادة البطيئة.

لم يكن عبد الله الشمري “متسللًا” كما يدّعون، بل كان ضحية لحرب تجويع وقتل بطيء، قادتها السعودية ضد المدنيين اليمنيين.

 موته لم يكن أجل محتوم، بل نتيجة مباشرة لسياسات عدائية دمّرت حياة الشعب اليمني، وحوّلت الحدود إلى مقابر مفتوحة لا يعود منها إلا الحطام.

ففي الوقت الذي تُحرق فيه أجساد اليمنيين داخل الحدود السعودية، لا يُسجّل على الجانب اليمني المقابل أي حالة قتل لمواطن سعودي، مفارقة توضح أن الحرب من طرف واحد فقط، حرب يجيد فيها العدو السعودي استخدام النار، والحديد، والحصار، كوسائل لـقتل الكرامة قبل الأجساد.

ما جرى لعبد الله الشمري جريمة حرب موثقة، وانتهاك سافر للقوانين الدولية والإنسانية، تتطلب تحقيقًا ومحاسبةً، بدلًا من الصمت الدولي المريب.

 فأن يُقتل إنسان بالنار، دون محاكمة، دون تهمة، فقط لأنه فقير يبحث عن حياة، هو وصمة عار في جبين الإنسانية، والمنظمات المدعية بشعراتها المدافعة عن الإنسان.

في زمن العدوان السعودي الأمريكي الصهيوني الإماراتي الغاشم، قد يُقتل اليمني بصاروخ أو غارة أو قذيفة، لكن عبد الله قُتل ببطء، بالنار، في سجون بلا صوت، بلا محكمة، بلا حق… فقط لأنه كان يريد أن يعيش ويبحث عن عمل.

يواجه اليمنيون اليوم حربًا اقتصادية خانقة تقودها السعودية، شملت الغذاء، الدواء، فرص العمل، والعملة، وحتى الحق في التنفس خارج حدود الحرب، أصبحت الهجرة من أجل الرزق مقامرة بالحياة، نهايتها غالبًا تحت ألسنة النار أو أعقاب البنادق.

برمودا الحدود السعودية اشبه بالرحلة إلى قعر جهنم، حيث تختفي أحلام الفقراء وتحترق أجسادهم، فلم تكن هذه الجريمة معزولة، بل تكررت مرارًا، في قصص يمنيين دفعهم الجوع إلى خوض رحلة بلا عودة، من يدخل برمودا الحدود السعودية قد لا يعود… ومن نجا، يعود محمولًا على جراحه، وصوته مبحوحًا من صراخ الرفاق الذين سقطوا بجانبه.

 إنها ليست جريمة حرب ضد عبد الله وحده، بل حكاية شعبٍ تُسلب كرامته وتُحرق إنسانيته على حدودٍ باتت مقابر جماعية للضعفاء: حجاج ومسافرون ومغتربون منذ عشرات السنين، شبعت من أجسادهم وحوش البراري وطيورها، واختلطت أشلاؤهم  ودماؤهم بوديانها وجبالها ورمالها وأشجارها، وقفارها وصحاريها، وما مجزرة حجاج تنومة عنّا ببعيد.