أفق نيوز
الخبر بلا حدود

“وعد بلفور” من منظور السيد القائد

57

أفق نيوز|

محسن الشامي

“وعد بلفور” .. هو مصطلح يطلق على الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية البريطاني، آرثر جيمس بلفور، إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية، في 2 نوفمبر 1917. في هذه الرسالة، أعلنت الحكومة البريطانية دعمها لإقامة “وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين”.

صدر هذا الوعد في خضم الحرب العالمية الأولى، وقبل أن تسيطر بريطانيا بشكل كامل على فلسطين التي كانت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية. وقد جاء نص الوعد على النحو التالي:

– تأييد الحكومة البريطانية: “إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية”.

– شرط للحفاظ على حقوق السكان الآخرين: “على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يضر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين، ولا بالحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر”.

خلفية تاريخية وأهمية الوعد

تكمن أهمية وعد بلفور في كونه يمثل أول التزام دولي من قبل قوة عظمى بدعم المشروع الصهيوني. وقد اعتبره الفلسطينيون “وعد من لا يملك لمن لا يستحق”، حيث أعطت بريطانيا أرضًا لا تملكها لإنشاء وطن لشعب لا يمثل الأغلبية الساحقة من سكانها في ذلك الوقت.

– تناقضات الوعد: جاء هذا الوعد متناقضًا مع وعود سابقة كانت بريطانيا قد قطعتها للعرب، وتحديدًا للشريف حسين (شريف مكة)، حيث وعدته بالاستقلال العربي مقابل مساعدته في الثورة ضد العثمانيين. كما أنه تعارض مع اتفاقية سايكس بيكو السرية التي عقدتها بريطانيا مع فرنسا لتقسيم مناطق النفوذ في المنطقة.

– تبعات الوعد: كان وعد بلفور حجر الأساس في سياسات الانتداب البريطاني على فلسطين، والذي سُمح خلاله بزيادة هجرة اليهود إليها وتسهيل الاستيطان، مما أدى إلى تغيير التركيبة السكانية والديموغرافية للبلاد، ومهد الطريق في النهاية لإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948.

على الرغم من أن الوعد نص على حفظ حقوق “الطوائف غير اليهودية” في فلسطين، إلا أن هذا الشرط لم يتم الوفاء به، مما أدى إلى نزاعات وصراعات متتالية لا تزال مستمرة حتى اليوم.

هزيمة الجيوش العربية

لقد كانت هزيمة الجيوش العربية في حرب فلسطين عام 1948، والتي يطلق عليها العرب “النكبة”، حدثًا فارقًا في التاريخ العربي الحديث. لم تكن مجرد هزيمة عسكرية، بل كانت صدمة عميقة أثرت بشكل مباشر على الأنظمة السياسية والمجتمعات في المنطقة، ومهدت الطريق لظهور حركات وثورات جديدة.

إليك أبرز الأسباب التي أدت إلى عدم نجاح العديد من الثورات العربية التي تلت نكسة 1948:

  1. ضعف الأنظمة القائمة وانهيار شرعيتها:

– فقدان الثقة: أظهرت نكسة 1948 ضعف وفساد الأنظمة الملكية والسياسية القائمة في ذلك الوقت. فقد بدت عاجزة عن حماية الأراضي العربية في فلسطين، مما أدى إلى فقدانها مصداقيتها أمام شعوبها.

– ظهور الحركات القومية والوطنية: كرد فعل على هذه الهزيمة، نشأت وتصاعدت حركات سياسية جديدة، مثل “حركة القوميين العرب” والضباط الأحرار في مصر، التي تبنت شعارات الوحدة العربية وتحرير فلسطين، واعتبرت أن تحقيق هذه الأهداف لن يتم إلا بإسقاط الأنظمة القديمة.

  1. صعود التيارات العسكرية والأنظمة الشمولية:

– انقلابات عسكرية: استغل الضباط العسكريون السخط الشعبي على الهزيمة، وقاموا بانقلابات للإطاحة بالأنظمة الحاكمة. كان أبرز مثال على ذلك ثورة يوليو 1952 في مصر بقيادة جمال عبد الناصر، والتي ألهمت انقلابات مشابهة في العراق وسوريا.

– فرض أجندات جديدة: تبنت هذه الأنظمة العسكرية أجندات قومية واشتراكية، وركزت على بناء دولة مركزية قوية، لكنها في سبيل ذلك قمعت أي معارضة سياسية أو حريات فردية.

  1. التدخلات الخارجية والصراعات الإقليمية:

– الحرب الباردة: كانت المنطقة العربية مسرحًا للصراع بين القوى العظمى (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي)، التي سعت كل منها لتأمين مصالحها عبر دعم حلفائها من الأنظمة العربية، مما أدى إلى تغذية الانقسامات والصراعات الداخلية.

– تغيير التحالفات: بعض الدول الغربية، مثل بريطانيا، سعت لتقويض الحركات القومية العربية التي اعتبرتها تهديدًا لمصالحها، مما أدى إلى تدخلات عسكرية واقتصادية أضعفت هذه الحركات.

  1. ضعف التخطيط وغياب الرؤية الديمقراطية:

– تركيز على الشعارات: ركزت العديد من الثورات والحركات القومية على الشعارات العاطفية مثل “التحرير” و”الوحدة”، لكنها فشلت في وضع خطط عملية لتحقيق هذه الأهداف أو لإقامة أنظمة سياسية ديمقراطية مستقرة.

– الهروب من المشاكل الداخلية: غالبًا ما استخدمت الأنظمة الجديدة قضية فلسطين كشعار رئيسي لتبرير حكمها والتهرب من مواجهة المشاكل الداخلية الحقيقية مثل التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.

  1. الانقسامات الاجتماعية والسياسية:

– الطائفية والعرقية: في ظل ضعف الدولة المركزية، برزت الانقسامات الطائفية والعرقية، واستغلتها بعض القوى الداخلية والخارجية لتثبيت نفوذها.

– غياب المؤسسات الديمقراطية: لم تكن هناك مؤسسات مدنية أو سياسية قوية قادرة على استيعاب الحراك الشعبي وقيادته نحو تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي، مما سمح بظهور أنظمة فردية قوية.

بشكل عام، كانت نكسة 1948 نقطة تحول أظهرت هشاشة الأنظمة العربية القديمة، لكن الثورات التي تلتها لم تنجح في بناء بديل ديمقراطي مستقر. بل قادت في كثير من الأحيان إلى ظهور أنظمة عسكرية أكثر قمعًا، والتي وإن كانت قد حظيت بدعم شعبي في البداية، إلا أنها لم تتمكن من حل المشاكل الجذرية للمجتمعات العربية.

أسباب نكبة ٤٨

يمكن تلخيص أسباب نكبة 1948 وكيفية تناول السيد القائد العلم عبد الملك بدرالدين الحوثي لها بناءً على مصادر مختلفة.

النكبة هي مصطلح يُستخدم لوصف تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم في عام 1948 بعد إعلان قيام دولة الاحتلال، حيث كانت هناك عدة عوامل رئيسية أدت إلى هذه الكارثة:

– الدعم الغربي للمشروع الصهيوني: بدأت هذه الأسباب بوعد بلفور عام 1917، الذي أعلن دعم بريطانيا لإقامة “وطن قومي لليهود في فلسطين”. استمر هذا الدعم خلال فترة الانتداب البريطاني، حيث سهّلت بريطانيا هجرة اليهود وشراء الأراضي، وسمحت للعصابات الصهيونية بالتسلح، بينما منعت ذلك عن الفلسطينيين.

– عصابات ومنظمات صهيونية مسلحة: لعبت عصابات مثل “الهاجاناه” و”الإرغون” دورًا حاسمًا في الهجوم على القرى والمدن الفلسطينية وارتكاب مجازر، مثل مجزرة دير ياسين، مما أدى إلى نشر الخوف بين السكان وإجبارهم على النزوح.

– قرار تقسيم فلسطين: أصدرت الأمم المتحدة عام 1947 قرارًا بتقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة عربية وأخرى يهودية. هذا القرار لم يلقَ قبولاً لدى الفلسطينيين والعرب، لكنه أعطى شرعية دولية لقيام دولة إسرائيل، وتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

– ضعف الجيوش العربية: على الرغم من مشاركة عدة جيوش عربية في حرب 1948، إلا أن أداءها كان ضعيفًا لأسباب متعددة، منها قلة التنسيق بينها، ونقص الخبرة العسكرية، وسوء التخطيط، مما أتاح للقوات الإسرائيلية تحقيق انتصارات كبيرة والسيطرة على مساحات أكبر من تلك التي خصصها قرار التقسيم.

تناولات السيد القائد لأسباب النكبة

تناول السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي في خطاباته القضية الفلسطينية بشكل متكرر، ويُركز في تحليله على جوانب معينة يرى أنها هي الأسباب الجذرية للنكبة والمستمرة حتى اليوم:

– التآمر الغربي: يرى الحوثي أن النكبة لم تكن مجرد صراع محلي، بل هي نتيجة مؤامرة غربية كبرى، خاصة من بريطانيا والولايات المتحدة، لإقامة كيان غاصب في قلب الأمة العربية بهدف السيطرة على المنطقة وتقسيمها.

– الخضوع العربي: يُحمّل السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي بعض الأنظمة العربية مسؤولية الهزيمة، بسبب ما يصفه بالتخاذل والضعف وعدم الجدية في مواجهة المشروع الصهيوني. ويشير إلى أن هذه الأنظمة استمرت في خذلان الشعب الفلسطيني، بل ووصل الأمر إلى حد التطبيع مع الكيان الصهيوني.

– غياب الوعي الجهادي: يرى السيد القائد أن سبب فشل الأمة العربية في مواجهة كيان العدو هو غياب “الوعي الجهادي” والرؤية الاستراتيجية الصحيحة، مما أدى إلى الاستسلام للسياسات الغربية وعدم إدراك خطورة المشروع الصهيوني على الأمة بأكملها.

– استمرارية النكبة: يؤكد القائد العلم على أن النكبة لم تكن حدثًا تاريخيًا انتهى، بل هي عملية مستمرة من التهجير والاحتلال والظلم، وهو ما يتجلى اليوم في الحصار على غزة، والعدوان المستمر على الأراضي الفلسطينية.

بهذا التحليل، يربط السيد عبد الملك الحوثي بين أحداث الماضي وواقع الحاضر، مؤكدًا على أن الحل يكمن في وحدة الأمة العربية والإسلامية ومقاومة المشروع الصهيوني المدعوم من الغرب.