أفق نيوز
الخبر بلا حدود

التاريخ الأسود لـ “العفافيش” يكشف زيف شعاراتهم

40

أفق نيوز|

لقد فتحت الأحداث المتسارعة في اليمن صندوقاً أسودَ من المؤامرات والصفقات السرية التي رسمت مسار البلاد لعقود، وكشفت عن مخططات خطيرة كان هدفها الدائم إبقاء اليمن في حظيرة الوصاية الأجنبية. إن الوجع المعيشي الذي يتخذه أتباع الهالك “عفاش” وأسرته اليوم ذريعة لإثارة الفتنة هو في الحقيقة نتاج لعاملَين متكاملين؛ أحدهما هو حكمهم الذي دام 33 عاماً، والآخر هو العدوان والحصار المستمرين على البلاد.
على وقع تصاعد التوتر الإقليمي، وفي خضم حالة “الاستنفار المقاوم” في وجه التوحش الصهيوني، يبدو أن العدو قد انتقل إلى مسار جديد أكثر خبثاً. بعد أن فشلت أدوات العدوان الصهيو-أمريكي-السعودي-الإماراتي العسكرية في كسر إرادة الشعب اليمني، لجأ العدو إلى استراتيجية جديدة تعتمد على أدوات داخلية لشق الصف وإثارة الفوضى، حيث يبرز على الساحة اليمنية اليوم مخطط خطير، لا يهدف إلى شيء سوى إلهاء الشعب اليمني عن معركته المقدسة وإسناده اللامحدود للمظلومين في غزة.
في قلب هذا المخطط، تبرز مجموعة “العفافيش” كأداة جديدة للعدو. هذه المجموعة، التي تنقسم إلى وجهين، تعمل على تنفيذ الأجندة الخارجية في الداخل: الوجه الأول يتمثل في عفافيش الخارج، وهم أولئك الذين انضموا صراحة إلى صفوف العدوان منذ اللحظة الأولى. وباتوا جزءاً لا يتجزأ من منظومة العدو وأدواته، وقبلوا بتنفيذ أوامره مقابل الفتات.
أما الوجه الثاني، الأكثر خطورة، -باستثناء المؤتمرين الوطنيين الشرفاء- هم “عفافيش الداخل المتربصون”؛ هؤلاء، وعلى الرغم من وجودهم في مناطق صنعاء والمحافظات الحرة، إلا أن ولاءهم الأعمى “لعفاش” يعمي أبصارهم عن الحقائق، ويجعلهم مستعدين للسير في مسار الخيانة. لقد أثبتت الحقائق أن “عفاش” باع وطنه وخان شعبه، وقدم سجلاً أسود من الفساد المالي والإداري والعمالة المكشوفة لأمريكا وكيان العدو. وهذا ما يبرر أن هؤلاء الأتباع، الذين لا يرون مانعاً من الارتباط بأي جهة تخدم مصالحهم الشخصية والحزبية الضيقة، لا يختلفون عن قائدهم، بل هم امتداد لسجله المشوّه.
تكشف مصادر موثوقة في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية أن عفافيش الداخل يتلقون تمويلات مباشرة من الإمارات والسعودية، في إطار مخطط صهيو-أمريكي يهدف إلى إثارة الفوضى والصراع الداخلي المسلح، عبر استغلال معاناة الشعب في رفع شعارات كاذبة حول الوضع المعيشي والمرتبات، في محاولة لاستقطاب النخب والشخصيات المؤثرة وإثارة الشارع.

سلام الخيانة في الترويج لـ “تطبيع ناعم”

أما شعار “السلام” الذي يطرحه “العفافيش” فهو ليس سوى غطاء لصفقات مشبوهة تخدم العدو. فقد كشفت وثائق وتقارير استخباراتية وإعلامية عن تاريخ طويل من التطبيع الصامت، والارتباطات السرية التي جمعت نظام صالح بكيان العدو.
لقد كشف تحقيق نشرته مجلة Foreign Policy عام 2016 عن وجود علاقات سرية بين صالح و”إسرائيل” عبر وسطاء من الإمارات والأردن، تضمنت صفقات عسكرية وتقنية. وذكرت المجلة أن صالح قبل الدعم الاستخباراتي من الكيان الإسرائيلي في حرب صيف 1994، مقابل تسهيل بناء قواعد صاروخية في خليج عدن بموافقة أمريكية. هذا الأمر أكده أيضاً تحقيق مشترك لصحيفة The Guardian البريطانية وقناة الميادين.
وفي منتصف التسعينات، بدأ نظام صالح بالتطبيع الثقافي تحت غطاء “ملف الفن والتراث اليهودي”، وسمح بإنشاء مراكز تنصت إسرائيلية في سقطرى وجزيرة ميون تحت اسم “مراكز بيئية” أو “محطات طقس”. كما سمح للقوات الأمريكية والإسرائيلية بالتواجد في المياه الإقليمية اليمنية، بل وتواطأ معها في اعتقال وقتل المئات من الصيادين اليمنيين تحت غطاء إريتري. وأفاد عدد من القيادات والضباط السابقين، منهم اللواء البحيبح، والعقيد عبدالله الحمدي، بأن “عفاش” قد جُنّد لدى “الموساد” في أسمرة عام 1973، وتم تعيين ضباط من “الموساد” لحمايته أثناء قيادته لمعسكر خالد في المخا.

تاريخ الفساد والعمالة يكشف زيف الشعارات

إن الحديث عن هموم الشعب والوضع المعيشي من قبل هؤلاء يمثل قمة التضليل. فمن يرفع هذه الشعارات اليوم، هم أنفسهم من يتحملون المسؤولية التاريخية عن الأوضاع المأساوية التي يعيشها اليمن. لنعُد بالذاكرة إلى ثلاثة وثلاثين عاماً من حكم عفاش وعائلته، حيث كانت البلاد تدار بالأزمات، وتنهكها الجرعات الاقتصادية، ولم تشهد أي نهضة أو تنمية حقيقية.
كانت الموارد النفطية تُنهب، وتقدّر قيمتها المستنزفة خلال تلك الفترة بنحو 500 مليار دولار، وهو مبلغ كان كفيلاً ببناء يمن مزدهر ومتقدم. ومع ذلك، لم يتم استثمار هذه الأموال في أي مشاريع وطنية، بل وُجّهت لتنفيذ سياسات صهيونية أمريكية أبقت اليمن في حالة ركود وتبعية، وذهبت أموال الشعب إلى جيوب عفاش وعائلته وقياداته، الذين استثمروها في عقارات وشركات خارج البلاد، ولم يقدموا أي شيء لخدمة بلدهم وشعبهم.
الشواهد على فسادهم لا تُحصى، ففي تحليل بثته منصة “الموجز الخليجي”، تم تسليط الضوء على تقرير استقصائي يفضح التلاعب بعائدات النفط اليمني، حيث كشفت تقارير دولية عن تحويل هذه العائدات إلى بنوك سعودية بدلاً من البنك المركزي اليمني. وقد أدى هذا التلاعب إلى تدهور حاد في العملة المحلية وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
وتستند المنصة في تقريرها إلى مقارنة مثيرة للجدل بين الأرقام المعلنة، ففي حين تشير تقارير منظمة أوبك إلى أن اليمن صدر 190 مليون برميل نفط بقيمة تتجاوز 13 مليار دولار منذ منتصف عام 2016، تزعم حكومة الرياض العميلة أن العائدات لم تتجاوز 1.418 مليار دولار فقط.
وبحسب المنصة، فإن هذا الفساد الممنهج أدى إلى حرمان موظفي الدولة من رواتبهم لأكثر من سبع سنوات، وتدهور الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء، ما يزيد من معاناة الشعب اليمني. كما يتهم التقرير السياسيين الفاشلين -وتحديداً أعضاء “حكومة الرياض”- بالعمل على تحقيق مشاريع شخصية وأنانية واستغلال الدين لسرقة الأموال.

بيع الأوطان والوعي الزائف

لطالما كان “العنوان المعيشي” هو أكبر أكاذيبهم التي حاولوا من خلالها خداع الشعب. فخلال ثلاثة عقود من سيطرة “العفافيش” على مقاليد الحكم، لم يكن هناك أي حصار أو عدوان يعيق التنمية، ورغم ذلك، لم تشهد البلاد أي نهضة حقيقية. لقد حوّلوا اليمن إلى سوق استهلاكية ضخمة، ودمروا الإنتاج المحلي الممنهج، وحرموا الشعب من أبسط الخدمات والبنى التحتية، وهو ما كشفته تقارير رسمية صادرة عن جهات محايدة وموثوقة.
وفقاً لتقرير صادر عن UN Panel of Experts on Yemen عام 2015، فإن ثروة “عفاش” المنهوبة تُقدّر بـ 60 مليار دولار من عائدات النفط والغاز، وهو ما أكدته كذلك تحقيقات صحيفة نيويورك تايمز عام 2012. كما كشف تقرير لجنة مكافحة الفساد اليمنية عام 2007 أن عائدات تصدير النفط لم تدخل كاملة إلى خزينة الدولة، بل كانت تودع في حسابات خاصة تابعة لعائلة صالح في دبي وسويسرا.
بين عامي 1995 و2008، تمت خصخصة مؤسسات الدولة الحيوية مثل شركة الخطوط الجوية اليمنية ومؤسسة المياه في عدن، وتحويلها إلى ملكية خاصة لشبكة نافذين، وهو ما أكدته هيئة مكافحة الفساد في عام 2006 بأن 90% من عمليات الخصخصة تمت خارج الأطر القانونية.
لم يكن الفساد يقتصر على النهب المباشر، بل امتد إلى عرقلة المشاريع التنموية الحقيقية. فقد تم إيقاف مشاريع التمكين الشبابي في الحديدة، ورُفضت عروض استثمارية روسية بحجة أن “عفاش” وشركاءه كانوا يبتزون المستثمرين الأجانب بطلب 30% من قيمة العقود، كما أكد ذلك د. عصام السنيني في لقاءات متلفزة.
هذا الفساد الممنهج لم يكن ليتم لولا وجود غطاء خارجي. فوفقاً لوثائق ويكيليكس، كانت سفارة العدو الأمريكي في صنعاء تتدخل في كل شؤون الدولة، وتفرض إرادتها حتى في تعيينات الوزراء، لضمان استمرار سياسات الارتهان والتبعية.

تعزيز الوعي الشعبي مسؤولية دينية وجهادية

لقد أظهرت وثائق ويكيليكس أن نظام صالح عمل على تعديل المناهج الدراسية، وقمع المظاهرات المؤيدة لفلسطين، واستدرج الطلاب الأذكياء لغرس الولاءات الأمريكية في نفوسهم. ما يعني أن ما يحدث اليوم يتجاوز كونه صراعاً سياسياً، بل هو مسؤولية دينية وواجب جهادي، لترسيخ الوعي الشعبي بحقيقة هذا المخطط، وفضح تاريخ هؤلاء العملاء.
إن من يحركهم اليوم، العدو الأمريكي الصهيوني، وهو نفسه من يقصف موانئ اليمن ومنشآته، ويفرض المزيد من الحرمان على الشعب اليمني لإسكاته عن موقفه المساند لغزة. وهو نفسه من يشارك عفافيش الخارج في نهب الثروات النفطية والسيطرة على المنافذ. فهل يمكن أن يكون من يشارك العدو في حصاره وجوعه للشعب هو نفسه من يحمل همومه؟ إن الإجابة واضحة تماماً. إنها مؤامرة مكشوفة، هدفها الوحيد هو إخراج اليمن من المعادلة الإقليمية، وإعادته إلى حظيرة الوصاية الصهيونية وأدواتها الإماراتية السعودية.
وعليه، فإن المواجهة اليوم ليست فقط ضد أدواته المحلية، بل هي معركة وجود، لاستعادة القرار السيادي، وتحصين الشعب اليمني من أي تأثيرات مسمومة، ودفعه للتمسك بموقفه الثابت والمشرف في إسناد الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.