ولله في خلقه شؤون..
أفق نيوز|
عبدالمنان السنبلي
وقّع العدوُّ الصهيونيّ، في إطار سعيه الرامي إلى تصفية القضية الفلسطينية وإخراجها من نطاقها العربيّ، معاهدةَ “سلام” مع مصر أعاد بموجبها جميع الأراضي المصرية المحتلّة منذ 1967، ووقّع أَيْـضًا مع الأردن وكذلك مع منظمة التحرير الفلسطينية، والتي منح الفلسطينيين بموجبها نوعًا من الحكم الذاتي الشكليّ.
وكان يريد أن يوقّع كذلك مع سوريا على أَسَاس أن يعيدَ بموجبها الأراضي السورية المحتلّة منذ 1967، لولا أن القدرَ قد حال دون ذلك.
يقول الرئيس المصريّ السابق حسني مبارك في حديث «متلفز» له بأنه أفاقَ ذات يوم على مكالمة هاتفية من رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق «إسحاق رابين» يطلب فيها مقابلته على وجه السرعة.
وخلال اللقاء الذي تم في نفس اليوم في القاهرة، يقول الرئيس مبارك إنه تفاجأ بأن «رابين» قد جاء يطلُبُ منه التوسطَ لدى الرئيس حافظ الأسد للدخول في مفاوضات سلام تفضي في الأخير إلى استعادة سوريا لكل أراضيها المحتلّة في الهضبة.
ويقول الرئيس مبارك مستطردًا إنه بالفعل طار في اليوم التالي إلى سوريا وأقنع الرئيسَ حافظ الأسد بذلك، لكن القدر كان له رأي آخر، أَو كما قال مبارك.
فلم تمضِ إلا أَيَّـامٌ قليلة من تلك المكالمة وذلك اللقاء إلا وتم اغتيال «إسحاق رابين» على يد أحد اليهود..! انتهى.
ماذا يعني هذا الكلام؟
يعني، ببساطة شديدة، أن نظامَ الأسد، وسواء اتفقنا أَو اختلفنا معه، ورغم موقفنا المبدئيّ ورفضنا القطعيّ وتحفظنا الكامل أصلًا على كُـلّ معاهدات واتّفاقيات السلام الموقَّعة مع هذا «العدوّ الإسرائيليّ»، لم يكن سهلَ المراس أَو الترويض كما يحاول البعضُ تصويرَه اليوم.
وأنه على الأقل كان يُنظَرُ إليه إسرائيليًّا؛ باعتبَاره يشكّل هاجسًا أمنيًّا وتهديدًا جديًّا وحقيقيًّا لهذا العدوّ، وإلا لما عرضوا عليه السلام مقابل استعادة الأرض.
وأن سوريا في عهده لم تكن بذلك الحمل الوديع الذي يمكن ترويضه وتدجينه بسهولة كما أصبحنا نراها اليوم.
أليس هذا هو التفسير الحقيقيّ لفحوى تلك المكالمة وذلك اللقاء والحديث الذي جمع بين مبارك ورابين؟!
أنا طبعًا هنا لستُ بصدد التمجيد أَو البكاء على أطلال نظام الأسد مثلًا، أَو في لحظة تعبير أَو إبداء موقف معادٍ لنظام الشرعية، لولا أن المواقف والأحداث هي من تجعل الإنسان يتحدث أحيانًا أَو يتذكر أَو يتأمل أَو حتى يحن لأيام خلت من باب قول الشاعر:
رُبَّ يومٍ بكيتُ منه فلما
صِرتُ إلى غيرهِ بكيتُ عليهِ!
على أية حال،
المفارقة العجيبة في الموضوع هي أن رموزَ وأتباع النظام الحاكم اليوم في سوريا الذين فاجأوا الجميع بموقفهم التصالحيّ والتطبيعيّ المعلن مع هذا العدوّ الصهيونيّ، هم أنفسهم الذين كانوا يومَها يعيبون على نظام الأسد موقفَه ذلك الرافض للتصالح والتطبيع مع الكيان ويقلِّلون من شأنه.
وأنهم أنفسهم أَيْـضًا الذين -كلما كان يأتي الحديث على نظام الأسد كنظام مقاوم- كانوا يتهكمون ساخرين ومتسائلين:
أية مقاومة؟
أربعون سنة ولم يطلق هذا النظام طلقة واحدة ضد الكيان، فعن أية مقاومة تتحدثون؟
أو هكذا كانوا يتهكمون ويتساءلون!
أرأيتم ما تفعل الأيّام؟!
وكيف أن لله في خلقه شؤونًا..!