من مولد النبي إلى نهضة الأمة: القيادة النبوية منهج حياة
أفق نيوز|
تقرير خاص|
في تاريخ الأمم والشعوب، تبرز شخصيات قيادية فذة تُحدث تحولاً جذرياً في مسار الحضارات. ومن بين هذه الشخصيات، يتجلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كقائد استثنائي، لم يكن ميلاده مجرد حدث فردي، بل كان مولداً لأمة بأسرها، أخرجها من ظلمات الجهل والتفرق إلى نور العلم والوحدة. هذا التقرير يستعرض كيف كانت القيادة النبوية عاملاً محورياً في بناء الأمة الإسلامية، وكيف يمكن لذكرى مولده الشريف أن تكون مناسبة لتجديد العهد بمبادئ القيادة الرشيدة التي تنهض بالأمم وتصنع الحضارات.
القيادة النبوية: تحول من الجاهلية إلى الأمة
لقد جاء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى عالمٍ كان يعيش فوضى عارمة، حيث كانت الجاهلية تسيطر على كل مناحي الحياة. كانت البشرية تتخبط في ظلمات الشرك والجهل، وتفتخر بشرب الخمور، وتقتل الأنفس المحرمة، ويأكل القوي الضعيف، في هذا الواقع المتردي، استطاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بقوة إيمانه وبصيرته النافذة، أن يخرج هذه البشرية التائهة من الفتنة إلى نور التوحيد، وأن يجعل التوجه إلى الله مصدر سعادة ورحمة وخير، ومنهجاً للعمل بمقتضاه .
في غضون سنوات قليلة، غيّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجرى تاريخ البشرية بشكل لا مثيل له. أعاد الأمة الضائعة في أوهام الجهل وخرافات الكفر إلى الوحي الإلهي، وأخرج منها أمة متراحمة مترابطة تدعو إلى دين الله. لقد أمده الله بمقومات البقاء والنمو والقوة والتطور، حتى وصل إلى تلك الحالة العظيمة بأقل الخسائر وأبلغ الوجوه .
المولد النبوي: ذكرى لتجديد المشروع الأممي
يمثل مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليوم ذكرى عظيمة ينبغي للأمة أن تتخذها مناسبة في كل عام لتتمثل الحالة التي تعيشها اليوم، والتي قد تشبه حالة الجاهلية من وجه أو آخر. فتكون الذكرى باعثة على التحليق في أجواء النبوة وأخلاق الرسالة، وتفاعلات الوحي الإلهي، ليكون للأمة نصيب وافر وجزء مهم من هذا التراث النبوي الإلهي .
يجب أن تنعكس هذه الذكرى على آمال الأمة وأخلاقها وعلاقاتها، حتى تتولد من جديد في أنحائها الوحدة بدلاً من الفرقة، والعلم بدلاً من الجهل، والرابطة الإسلامية بدلاً من الروابط الأخرى، والعزة بدلاً من الذلة، والهدى بدلاً من الضلال والتيه، والقوة بدلاً من الضعف، والعمل الصالح بدلاً من العمل السيئ .
إن ذكرى المولد النبوي الشريف يجب أن تكون مناسبة لتجديد العهد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بما يمثله للأمة من أسوة حسنة وذخر كريم ومنهج عظيم، يجب أن تتحرك الأمة لغرس قيمة محبته في قلوب وعقول الأجيال الصاعدة، واعتبار محبته فرضاً دينياً لا يقبل التأويل .
القيادة في مواجهة التحديات المعاصرة
في ظل التحديات التي تواجه الأمة اليوم، تبرز أهمية القيادة المستنيرة المستمدة من المنهج النبوي. فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم نموذجاً قيادياً متكاملاً، يجمع بين البلاغ المبين، والقدوة الحسنة، والمسؤولية تجاه الأمة. لقد كان شاهداً على الأعمال، وقائداً للمؤمنين، ونذيراً للمتخلفين .
إن القيادة الحقيقية هي التي تستطيع أن تخرج الأمة من حالة التيه والضياع إلى بر الأمان، وأن تواجه الفتاوى التي تهدف إلى تمزيق الأمة وتفريق صفوفها، فالقيادة النبوية لم تكن مجرد سلطة، بل كانت مسؤولية عظيمة تجاه حياة الناس وأموالهم وأعراضهم وكرامتهم .
يجب على الأمة أن تعود إلى مصادر الإسلام الأصيلة، وأن تتجاوز الخلافات البينية التي أصابت مسيرتها بالشلل التام. فالاجتماع على كلمة الحق هو مصدر قوة الأمة وعزتها، بينما التفرق هو سبيل ضعفها وتخلفها .
خاتمة
إن مولد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن مجرد حدث تاريخي، بل كان نقطة تحول في مسيرة البشرية، ومولداً لأمة عظيمة قامت على أسس الرحمة والعدل والوحدة. إن إحياء هذه الذكرى هو دعوة لتجديد العهد بمنهج القيادة النبوية، واستلهام الدروس والعبر منها لمواجهة تحديات العصر، وبناء مستقبل مشرق للأمة، قائم على مبادئ الإسلام السمحة.