أفق نيوز
الخبر بلا حدود

الغاز -في شرق المتوسط- مطمع آخر يحرك آلة الحرب الصهيونية

36

أفق نيوز|

تقرير | يحيى الشامي

لا تُفسَّر سياسات العدو الإسرائيلي تجاه قطاع غزة، ولا سباقه المحموم لتعزيز النفوذ في مجال الغاز بشرق المتوسط، إلا عبر فهم العلاقة الجذرية بين الموارد الطبيعية والهيمنة الجيوسياسية، ففي تقرير صادر عن ما تُسمى اللجنة الوزارية الإسرائيلية لسياسة قطاع الغاز، تظهر معالم خطة استراتيجية واضحة: السيطرة على الموارد البحرية الفلسطينية كأولوية اقتصادية وأمنية، حتى قبل استنفاد احتياطياته الذاتية.

كشف التقرير الإسرائيلي أن احتياطيات الغاز في الحقول الخاضعة لسيطرة العدو (ليفياثان، تمار، كاريش) لن تكفي سوى لـ20 عاماً، وفق تقديرات ما تسمى وزارة الطاقة الإسرائيلية، وفي الوقت الذي يُنتج في حقل “ليفياثان” 12 مليار متر مكعب سنوياً (78% من الصادرات)، تشير البيانات إلى أن الطلب المحلي والخارجي سيتجاوز الإمدادات المتاحة بحلول 2048، مع فجوة تُقدَّر بـ75 مليار متر مكعب.

هذا العجز خطر حقيقي يهدد الكيان فعلياً، ففي 2023 بلغ استهلاك كيان العدو 24.7 مليار متر مكعب (13.1 للسوق المحلي، 11.6 للصادرات)، مع توقع زيادة الطلب سنوياً بنسبة 3.5% محلياً، و21% في الصادرات، ولسد هذه الفجوة تتجه سلطات العدو إلى خيارين:

1. توسيع الحقول الحالية، كخطة رفع إنتاج “ليفياثان” إلى 23 مليار متر مكعب سنوياً (بتكلفة 2.4 مليار دولار).

2. السيطرة على حقول جديدة، أبرزها “غزة مارين” الواقع في المياه الاقتصادية الفلسطينية قبالة غزة، والذي تشير تقديرات غير مؤكدة إلى احتوائه على 1 تريليون قدم مكعب من الغاز.

غزة مارين المفتاح الضائع  

منذ اكتشاف الحقل في تسعينيات القرن الماضي، ظل “غزة مارين” رهينة التعقيدات التي يفرضها العدو الإسرائيلي ويمنع الفلسطينيين من استثماره، ففي 2000 وقعت السلطة الفلسطينية اتفاقاً مع شركة “بريتيش غاز” لاستغلاله، لكن الحصار الإسرائيلي عطّل المشروع، واليوم، تكشف وثائق ما تسمى اللجنة الوزارية الإسرائيلية أن سلطات العدو تضغط لدمج الحقل ضمن خططها الاستراتيجية، عبر مفاوضات مع الإدارة الأمريكية لفرض “إدارة مشتركة” على الحقل، تحت ذريعة “الأمن الإقليمي”، واستغلال الظروف الراهنة بعد الحرب على غزة، حيث تشير تقارير إلى أن سلطات العدو تسعى لربط منصات الغاز الفلسطينية بشبكتها عبر أنابيب بحرية، تحت غطاء “التعاون الاقتصادي”. وهو توجّهٌ ليس جديد، ففي 2019 حاولت سلطات العدو فرض اتفاق يمنحها 35% من عائدات الحقل، مقابل “ضمانات أمنية”، وهو ما رفضته السلطة الفلسطينية، لكن مع تدهور الوضع الإنساني في غزة، أصبحت الموارد الطبيعية سلعةً تفاوضيةً تُستخدم كأداة ضغط، دون أي اعتبار لرفض أو مطالبات السلطة الفلسطينية.

 الشركات الدولية شركاء في الهيمنة  

تتحرك سلطات العدو ضمن شراكات واسعة متعددة الأطراف، أبرزها دائماً الأمريكي، فشركات الطاقة العالمية تلعب دوراً محورياً في توسيع نفوذها، أبرزها:

– شيفرون الأمريكية (المالكة لـ40% من “ليفياثان”)، التي علّقت مؤقتاً مد خط أنابيب بحري في أكتوبر 2023، لكنها تُعِدّ حالياً لاستئناف العمل مع تثبيت الوضع واستكمال السيطرة العسكرية على القطاع.

– نيو ميد إنيرجي الإسرائيلية (المالكة لـ45% من “ليفياثان”)، التي تدفع لتسريع تصاريح التنقيب في المياه الفلسطينية.

كما أن هذه الشراكة ليست عابرة، فالتقرير يشير إلى أن 70% من كهرباء العدو تُنتج عبر الغاز، وأن أي انقطاع في الإمدادات سيهدد استقراره الداخلي، ومن هنا، تصبح السيطرة على “غزة مارين” ضرورة وجودية للعدو تؤمن له مورداً استراتيجياً للطاقة، وتضع يده على كنز لا ينضب، أكثر من كونه مجرد خيار اقتصادي.

“غزة مارين” واحد من أسباب العدوان على غزة

لم تكن الحرب على غزة في أكتوبر 2023 حدثاً منعزلاً عن سياق الموارد، ففي أعقاب معركة “طوفان الأقصى” علّقت سلطات العدو مشاريع توسيع حقول الغاز بسبب “التهديدات الأمنية”، لكنها استغلت الوضع لـتعزيز التنسيق مع مصر والأردن لضمان استمرار الصادرات، عبر اتفاقيات تسمح بتحويل الغاز إلى محطات تسييل في الطرفين، وذلك عبر تسريع الموافقات على مشاريع جديدة، كاستكمال خط الأنابيب الثالث الذي يربط الحقول البحرية بالموانئ، والذي يعود اليوم الحديث عنه وعن استكمال مراحل إنشائه بقوة على خلفية الحصار اليمني على الملاحة الصهيونية.

تُظهر الوثائق الإسرائيلية أن جزءاً أساسياً من خططه يركّز على تأمين مصادر الطاقة بعيدة المدى، حتى لو تطلّب ذلك تغيير خرائط السيطرة البحرية

ماهي التحديات التي تواجه الطاقة الفلسطينية؟

تواجه القضية الفلسطينية تحدياً وجودياً في ملف الغاز، فرغم وضوح الحق القانوني لفلسطين وفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)، الذي بموجبه تملك فلسطين سيادة على مواردها البحرية في المياه الإقليمية (12 ميلاً بحرياً)، بما في ذلك “غزة مارين”، إلا أن الواقع الميداني المتمثل في عدم الاعتراف الدولي بدولة فلسطين يُضعف قدرتها على ملاحقة سلطات العدو قضائياً، بينما يستخدم  العدو قوته العسكرية لفرض وقائع جديدة، ووضع يده على مزيد من الأرض الفلسطينية ومواردها.

الطاقة أطماع خفية يتغافل عنها لعرب

الصراع على الغاز في شرق المتوسط يتجاوز البُعد الاقتصادي ليصبح مقياساً للقوة السياسية، فسلطات العدو تدرك أن السيطرة على “غزة مارين” ستمدّ احتلالها بعوائد مالية تُجنّبها انهياراً محتملاً للطاقة، لاسيما في ظل بروز التهديد اليمني القادر فعلياً على قطع شرايين إمداد العدو بالطاقة كما هو حاصل حالياً في البحر الأحمر، بينما تسهم سيطرة العدو على موارد جديدة للطاقة في حرمان الفلسطينيين من موردٍ قد يُعيد توازن القوة.

كيف سيُحافظ الفلسطينيون على حقوقهم في الموارد، بينما يُحوّل العدو الحرب إلى أداة لفرض هيمنة اقتصادية دائمة؟ الجواب يتطلّب وعياً بسيادة الملف الطاقي كأحد أركان النضال الوطني، يضاف إلى لائحة الدوافع التي تحرك الفكرة المقاومة بكل أساليبها وأدواتها، بما يفضي إلى تحرير فلسطين وخروج المحتل الصهيوني وإزالة شره، ليس عن فلسطين وحسب، بل عن كافة المنطقة العربية.