أفق نيوز
الخبر بلا حدود

غطرسة ترامب وذلّ الأنظمة العربية والإسلامية

42

أفق نيوز|

أطلّ الطاغية ترامب على العالم بوجهه المتعجرف ولسانه المتبجّح، وكأنه فرعون العصر الحديث، يوزّع الأدوار ويرسم خرائط الدم والنار كيفما يشاء. لم يجرؤ مستكبر قبله أن يعلن ما أعلنه بهذه الصفاقة: إنهاء المقاومة الفلسطينية، واقتلاع جذور حماس من غزة، وتنصيب نفسه – ومعه المجرم توني بلير – حاكمًا على القطاع، وكأن غزة مزرعة ورثها عن أجداده، لا قطعة من جسد أمة حيّة تأبى الذل.

وبنبرة الغرور التي طالما لازمت خطابه، لم يكتفِ ترامب بالتهديد، بل بشّر بما سماه “الشرق الأوسط الجديد”، شرقٌ تُساق فيه الشعوب العربية والإسلامية مكبّلة إلى حظيرة الكيان المؤقت. ولم ينسَ أن يضيف إهانة على إهانة، حين كشف أن قادة العرب والمسلمين – حكامًا وساسة – قد باركوا خطته وفتحوا له أبواب الطاعة والخضوع، حتى غدا يتحدث عنهم وكأنهم جنود في جعبته، وأوراق في يده يحركها متى شاء.

قالها بملء فيه القذر: “قادة المنطقة مُذهلون” – مذهلون في ماذا؟ في بيع قضيتهم المركزية؟ في خيانة دماء الشهداء؟ في الانخراط الكامل بتمويل مشروع أمريكي–إسرائيلي لتصفية ما تبقى من فلسطين؟ نعم، مذهلون في الانحناء أمام جلادهم، مذهلون في تجريد أنفسهم من كل أثر للكرامة والسيادة.

ولم يكتفِ ترامب بالشماتة، بل ضرب المثل بباكستان: رئيسها ورئيس أركان جيشها موافقان على الصفقة، لتلقي الدول الحاضرة للمؤتمر الصحفي بيانا تعلن بكل وقاحة موافقتها على خطة ترامب، في رسالة واضحة أن لا مكان لمعارضة، وأنه يمسك بخيوط اللعبة كلها.

مضى المعتوه ترامب يعدد شروطه وكأنها أوامر عسكرية واجبة التنفيذ: إطلاق جميع الأسرى الصهاينة خلال 72 ساعة، إعادة الرفات للإسرائيليين فورًا، نزع سلاح حماس وتدمير بنيتها العسكرية، جدول زمني لانسحاب القوات الإسرائيلية – لكن بإشرافه وتحت رعايته. أمّا العرب والمسلمون فسيكونون -بحسب قوله- مسؤولين عن التعامل مع حماس، أي مسؤولين عن وأد ما تبقى من شرف المقاومة بأيديهم.

وبكل وقاحة، أعلن أن من يرفض خطته سيُواجَه بالحديد والنار، وأن نتنياهو – ذاك الشريك الأوثق – سيحظى بالدعم الكامل لاجتياح غزة وإبادة أهلها، وكأن الدم الفلسطيني ماء رخيص يُراق بأمر من البيت الأبيض. وكأن الأمة حظيرة حيوانات لا حرمة لها ولا كرامة ولا شرف.

أما ذروة التبجح فكانت حين كشف عن مشروعه لتأسيس ما سماه “مجلس السلام”، هيئة دولية يكون هو رئيسها المباشر، ومعه المجرم توني بلير، ليتحول ترامب من رئيس لأمريكا إلى “حاكم أعلى على غزة”، يتحدث عن الجديرين بتشكيل حكومة غزة ليكونوا هم الأسياد الجدد الذين يقررون من يحكم ومن يُقصى، ومن يعيش ومن يُباد.

ولأن المشهد لا يكتمل من دون السخرية السوداء، قال ترامب ببرود: إن الإسرائيليين “كانوا كرماء” بتخليهم عن غزة في الفترات الماضية، وكأنها هدية قدموها له ليُديرها على هواه! ثم تفاخر بأنه الرئيس الأمريكي الأفضل لـ”إسرائيل” على الإطلاق، وأن “اتفاقات إبراهام” التي تفاوض عليها ليست إلا بداية لطريق يقود نحو شرق أوسط يُبنى على أنقاض العرب والمسلمين، شرق أوسط يكون فيه العدو الإسرائيلي هو سيد المنطقة! فأي ذل هذا وأي خزي ذهب إليه العربان، حينما تخلوا عن شرف الرسالة المحمدية، وتمسكوا بأحفاد القردة والخنازير.

وفي ختام مسرحيته المليئة بالوعود الجوفاء، تحدّث عن “تمويل ضروري” و”بناء مستقبل آمن للجميع” – والجميع هنا لا يعني سوى أمن “إسرائيل”، أما الفلسطينيون فمكانهم الوحيد إما تحت الركام أو تحت وصاية “مجلس السلام” الذي يرأسه المجرم الأمريكي.

إنه تبجح لا مثيل له، وغطرسة لم يعرفها الطغاة من قبل. لكن الفضيحة الكبرى ليست في لسان ترامب، بل في صمت الأنظمة العربية والإسلامية التي هرولت خلفه، وقدمت له البرهان على أنها لم تعد أكثر من ظل باهت لمشروعه، وأنها فقدت القدرة حتى على التظاهر بالاعتراض. فهنيئا لهم هذا الذل وهذا الهوان.

ذل الأنظمة العربية الإسلامية

خطة ترامب تعني وضع قطاع غزة تحت الوصاية الدولية، فبعد فشل العدو في السيطرة عسكريا على القطاع منذ عامين، يحاول ترامب تحقيق هدف كيان العدو ولكن بطريقة أخرى غير مباشرة، عبر خطته التي في مضمونها جعل غزة تحت الوصاية الدولية، وهي مرحلة انتقالية مؤقتة، حتى يتم فيها تحقيق شروط كيان العدو مثل استلام الأسرى، وإنهاء حماس، والقضاء على المقاومة ونزع سلاحها، ثم تسليم القطاع للكيان على طبق من ذهب.

إن خلاصة خطة ترامب تعني: مكافأة الكيان الإسرائيلي على الإبادة الجماعية وجرائم الحرب. إخضاع الدول العربية والإسلامية لاتفاقيات “إبراهام” التي تحارب الإسلام وتعطي الكيان الإسرائيلي الهيمنة على المنطقة. لا تضمن أي حقوق للفلسطينيين بأي طريقة. ستؤدي إلى عزل المقاومة وتحويل التضامن العالمي مع فلسطين إلى سخط بدلا من السخط ضد العدو الإسرائيلي. تضمن الخطة استمرار المجازر مع تبرئة العدو الإسرائيلي منها، وتحميل فصائل المقاومة المسؤولية. أو الاستسلام وتصفية القضية للأبد.

ما يمكن اعتباره جديدا في خطة ترامب هو تبني تركيا وقطر والأردن والسعودية وباكستان وإندونيسيا ومصر والإمارات، تبنيهم الصريح والواضح لمسألة القضاء على حماس وحركات المقاومة بعد عقود من مراوغة تلك الدول، والتبجح بتبني القضية الدولية. وزراء خارجية تلك الدول أصدروا بيانا فيه من الذل ما لا يمكن تصوره: لقد أشادوا بالدور “القيادي” للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ووصفوا تلك الجهود بأنها “صادقة” لإنهاء الحرب في غزة، ويؤكدون ثقتهم بقدرته على إيجاد طريق للسلام. فهل يا ترى أن إرسال القنابل الفتاكة لإبادة غزة تُعَدُّ جهودا صادقة لإنهاء الحرب في غزة؟ تلك الوقاحة بعينها.

لقد أعلنت تلك الدول بكل صفاقة على أهمية الشراكة مع الولايات المتحدة في ما يسمونه “ترسيخ السلام في المنطقة”، بل ذهبوا أبعد من ذلك، فقد أكدوا استعدادهم للتعاون بشكل إيجابي وبنّاء مع الولايات المتحدة والأطراف المعنية لإتمام الاتفاق وضمان تنفيذه.

مجرم الحرب نتنياهو لخّص مهمة الدول العربية والإسلامية، مؤكدا أن الضغوط الدولية والعربية والإسلامية باتت مركّزة على حركة حماس، من أجل القبول بالشروط التي وضعتها “إسرائيل” والولايات المتحدة معًا.

غزة لا تعرف الانكسار

في إطار الرد على الخطة الأمريكية، وبما يؤكد أن للشعب الفلسطيني كاملَ الحق في الدفاع عن أرضه ومواجهة العدو الإسرائيلي ولا يمكن له بأي حال من الأحول الخضوع للمساومات والابتزاز، أكد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين القائد المجاهد زياد النخالة أن ما تم الإعلان عنه في المؤتمر الصحفي بين ترامب ونتنياهو هو “اتفاق أمريكي إسرائيلي، وهو تعبير عن موقف “إسرائيل” بالكامل، وهو وصفة لاستمرار العدوان على الشعب الفلسطيني. وبهذا فإن “إسرائيل” تحاول أن تفرض عبر الولايات المتحدة ما لم تستطع تحقيقه بالحرب. لذلك، نحن نعتبر الإعلان الأمريكي الإسرائيلي وصفة لتفجير المنطقة”.

الأمين العام للجان المقاومة في فلسطين أيمن الششنية أوضح أن خطة ترامب هي تَبَنٍّ كامل لمطالب الكيان الصهيوني ومشروعه الاستيطاني التوسعي، وهي تحقيق لحلم نتنياهو بتصفية القضية الفلسطينية، موضحا أن الخطة الأمريكية هي محاولة لهندسة قطاع غزة وفق مفهوم استعماري استثماري وأمني، هدفه الأول والأخير إنقاذ الكيان الصهيوني من عزلته، وتوسيع التحالفات الإقليمية العربية والصهيونية لاستعادة مسار التطبيع والاتفاق “الإبراهيمي “. لافتا إلى أن الهدف الأساسي لخطة ترامب المرفوضة هو إنهاء المقاومة المسلحة بالكامل تحت إشراف دولي، وتكريس الانقسام بفصل غزة عن الضفة. وأوضح أن مالم يحققه الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية بالحرب والإبادة، يحاول ترامب الآن تحقيقه عبر الحلول السياسية الصهيونية، وهذا لن يمر أبداً. مؤكدا أن المباركات الدولية لهذه الخطة هي مساهمة مباشرة في كسر العزلة عن الكيان الصهيوني، ووضع السكين على رقبة الضحية.

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أكدت أن “خطة ترامب التي تحقق لنتنياهو أهدافه السياسية من خلال حربه على غزة هي برنامج أمني سياسي متكامل لفرض صيغة استسلام على المقاومة وشعبنا. فما حملته الخطة في بنودها من ضبابية تستوجب دقة عالية في التعاطي معها من موقع المصلحة الوطنية العليا التي تحفظ للشعب الفلسطيني ما يرتقي إلى حجم الصمود والصبر والتضحيات العظيمة”.

وقالت الجبهة: “ندرك أن تعقيدات المشهد العربي والإسلامي والفلسطيني الداخلي بكل سلبياته تلقي بظلالها الثقيلة على موقف المقاومة، ما يستوجب في هذا الظرف التاريخي موقفاً وطنياً على كل المستويات، يستند إلى القاعدة الشعبية لحماية إنجازات المقاومة ودورها، وتحصين الحالة الوطنية من أية اختراقات وأصوات وأصحاب المواقف ضيقة الأفق”.

حركة الأحرار الفلسطينية أوضحت أن خطة ترامب مطالبة صريحة لاستسلام وخضوع شعب أحتلت أرضه وارتكب بحقه كل جرائم الحرب، أمام نتنياهو مجرم الحرب المطارَد من العدالة الدولية. مشيرا إلى أن تسويق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته لوقف الحرب في غزة على أنها الملاذ الوحيد وشاطئ الأمان لشعبنا من ويلات الحرب، محيطاً هذه الخطة بالوعيد والتهديد اذا ما تم رفضها من قبل المفاوض الفلسطيني، ما هي إلا جعجعه إعلامية تتناغم مع نرجسيته، وتؤكد انحيازه الكامل للاحتلال وقادته.

وأكدت أن ما طرحه ترامب هو خطة لاستسلام الشعب الفلسطيني، وهروب للأمام لإنقاذ مجرم الحرب نتنياهو وحكومته من الملاحقات الدولية. والشعب الفلسطيني سيرفض مثل هذه الأكاذيب، وكل الخطط والمكائد التي يحيكها الصهيوأمريكي.

خاتمة

إن خطاب ترامب ليس مجرد كلمات عابرة؛ إنه انعكاس للواقع المرير: طاغية متجبّر يستهزئ بالعرب والمسلمين، ويعاملهم كأتباع خانعين، فيما قادتهم يتسابقون لنيل رضاه، ويقدّمون له البرهان على خضوعهم. لقد كشف ترامب -دون أن يدري- عن مدى الانحطاط السياسي الذي بلغه الحكام العرب، وعن عمق الهوة بين الشعوب التواقة إلى الحرية، والأنظمة التي تبيع قضاياها في سوق المساومات.

إنه زمن العار. زمنٌ فيه يتبجّح المستكبر، ويذلّ المستضعف، لكنّه أيضًا زمن تتهيأ فيه الشعوب لقول كلمتها، لأن الغطرسة مهما بلغت ذروتها لا تصمد طويلًا أمام إرادة الحرية.

المصدر : موقع أنصار الله . تقرير