أفق نيوز
الخبر بلا حدود

في موجز تقييمي تاريخي للمعركة.. السيد القائد بوثّق تفاصيل فشل العدوان على غزة

45

أفق نيوز|  تقرير| 

لم يكن أمام العدو الصهيوني خيار آخر لوقف حربه على غزة إلا الغرق أكثر في جريمة بلا أفق، ومزيد من الامتهان لآدميته باستهداف النساء والأطفال، ومزيد من العزلة وحالة الاستياء والازدراء التي بات عليها عالميًا، ومراكمة عوامل الانحسار والتلاشي.

فشل العدو في هذه الجولة من جولات الصراع مع أصحاب الأرض ومع أنصار القضية الإسلامية الأولى من العرب والمسلمين الأحرار، رغم تدفق الأسلحة، ورغم تدفق سفن الإنقاذ من المواد الغذائية والنفطية التي كانت تمده بأسباب إطالة عُمره وبلطجته، وذلك عقب الحصار الناجح الذي فرضته عليه القوات المسلحة اليمنية.

فشل العدو في كل ما تحمله الكلمة من مضامين عسكرية، وهو الذي “سقف عدوانه -وبالشراكة الأمريكية والدعم الأوروبي- كان احتلال كامل قطاع غزة، والتدمير الشامل، والتهجير القسري للشعب الفلسطيني، وإنهاء المقاومة، واستعادة الأسرى دون صفقة تبادل” حسب السيد القائد في عرضه التاريخي -الخميس الماضي- لمسار المعركة وخلفياتها النابعة من التركيبة العدوانية للمحتل الإسرائيلي والصهاينة حول العالم.

وفشل العدو رغم تَوجهه غير الأخلاقي وغير الإنساني “لاستخدام الإبادة الجماعية والتدمير والتجويع، في أكبر فضيحة للعدو الإسرائيلي وداعميه”. فمع ذلك الإجرام والوحشية والهمجية، ومع تفننه في استحداث أشكال القتل، سواء بالقنابل الأمريكية المحرمة دوليًا أو التجويع أو مصائد الموت وحتى بالتعطيش ومنع دخول الدواء وحليب الأطفال الرضع، فشل العدو في تحقيق أيٍّ مما أعلنه من أهداف. ويوجز السيد القائد ذلك بالقول: العدو الإسرائيلي وصل إلى مأزق بكل ما تعنيه الكلمة على مدى أعوام رغم السطوة والجبروت والهجمة الكبيرة والحصار الشديد.

ويقول السيد القائد: “العدو فشل في استعادة الأسرى بدون صفقة تبادل، وفشل في إنهاء المقاومة والتهجير القسري للشعب الفلسطيني وفي بقية الأهداف”، وإلى ذلك أيضًا ظهر العدو الإسرائيلي “لكل شعوب وبلدان العالم بصورته الحقيقية البشعة جدًا ككيان إجرامي متوحش، لا يمتلك أي قيم إنسانية ولا أخلاقية، ولا يلتزم بأي شيء متعارف عليه بين البشر”.

استثناء عن الحروب السابقة

ويستعيد السيد القائد -في كلمته التاريخية- مسار حروب العدو مع الجيوش العربية والتي كانت دائمًا تنتهي إلى تفوقه، فيقول “العدو الإسرائيلي -بالدعم الأمريكي والغربي- كان يحسم حروبه مع الجيوش العربية في غضون ساعات أو أيام”، إلا أنه -مع أبطال المقاومة الفلسطينية وبإسناد محور الجهاد والمقاومة الأحرار- كان التيار هذه المرة مختلفًا ومعاكسًا، إذ “فشل بشكل تام، رغم الشراكة الأمريكية والدعم الغربي والدعم في مستويات معينة من أنظمة عربية”.

مع هذا الفشل المُريع حاول العدو إسدال عازل يمنع عن الآخرين رؤية تقاسيم الخزي والعار الذي ألحقه بنفسه عندما تجرأ على ارتكاب جريمته النكراء في غزة، مستندًا على حسابات قاصرة وضعها اللوبي الصهيوني، ودعمتها الأمريكية، بأن العرب اليوم هُم في أوهن حال وأضعف إرادة، ما يهيئ له الفرصة لتحقيق حلم “إسرائيل” الأقوى، و”إسرائيل” الحاكمة الناهية في المنطقة من خلال فرض وهْم ما تسمى بـ”إسرائيل الكبرى”، إلا أن قادة التخطيط والتآمر ومعهم المتواطئون، غفلوا عن أن ضعف الإرادة والثقة حالة لا تعتري -في العادة- إلا ضعفاء الإيمان ممن نجح الاختراق الصهيوني في زعزعة نفسياتهم، وسحق معنوياتهم، وهزيمة إرادتهم، فما عادوا بعدها يستبينوا الحق، أو يؤمنوا بأنه حتمًا ينتصر يومًا إذا ما أخلصوا فيه الموقف، ونصروا الله بنصرة المظلومين، وأن التقاعس والخيانة مآلهما الخزي والانكسار. وهذا ما أدركه أحرار الأمة، فكان إيمانهم هو زادهم، ومحرك استبسالهم في مجاهدة المحتلين مهما بلغوا من القوة والجبروت المنفلت، ولذلك صمدوا ولقنوا العدو دروسًا نارية مستمرة، من بين الأنقاض حينًا وفي هجعة الداخل الإسرائيلي حينًا آخر. وبهذا تَشَكَّل أبرز مظهر من مظاهر الفشل للعدو الإسرائيلي، فالحسابات الخاطئة لقادتهم أدت إلى هذه النتيجة التي دفعتهم، ليس فقط للانسحاب، وإنما حتى لإشعال الحرائق في الأماكن التي كانوا يتمركزون فيها داخل غزة.

وفي سياق المواجهة قدم المجاهدون نموذجًا لاقتدار الحق على إطفاء نار الباطل الصهيوني، فظهر العدو بذلك الواقع البائس واليائس، وما عاد يرى من معركة الإبادة الجماعية لأهالي غزة إلا كوابيس تغرق في سيل من الدماء، وأكوام من الخراب والدمار، تتكاثر يوميًا مع شحنات السلاح القادمة من الداعمين الصهاينة (أمريكا ومن والاها)، ولا أفق لإنجاز استراتيجي يقترب بهم من النصر كما كان يحدث في الماضي، ليصير في وقف إطلاق النار ملجأ ومهرب آمن لهم.

عاقبة فشل الركون الاستخباري

حضر الفشل الإسرائيلي مبكرًا في استعادة وهْم النظرية الأمنية حين ذهب ما يسمى بـ”جيش” العدو يُلقي القنابل والصواريخ الأمريكية على رؤوس المدنيين في غزة بصورة عشوائية بلا هوادة وبلا رؤية، لتحصد يوميات العدوان الأولى المئات من النساء والأطفال ومن لا علاقة لهم بالقتال يوميًا، ظنًا منهم بأنهم قادرون على حسم الموقف والمعركة خلال أيام، وإذا بطول الزمن واللجوء في لحظة إحباط إلى الدعم الأمريكي والبريطاني يؤكد الفشل في ضمان تنفيذ خطة عدوانية وتحديد سقفها، وهو الفشل الذي بُني قبلاً على الفشل الاستخباري الذي كان يغطّ في نشوة الركون بأن ما تشهده غزة من عدوان مستمر لن يجعل لها أي قدرة كافية لتوسيع نطاق عملياتها الجهادية لأكثر من عملية طعن أو دهس، فكانت المفاجأة أن ظهر حال جهاز الإرهاب (الموساد) كحال بقية مؤسسات الكيان العسكرية والسياسية، ليست أكثر من فقاعات إعلامية بالإمكان اختراقها، وكشفُ عورتها. لهذا أخفق العدو -حسب السيد القائد- في حسم المعركة في قطاع غزة رغم العدوان الشامل وتكتيك الإبادة الجماعية، و”تكبد الكثير من الخسائر، وواجه أزمة في القوة البشرية إلى مستوى التفكير في تجنيد يهود من البلدان الأخرى”.

فشل مستدام لا تحجبه البلطجة والعربدة

وقفت هذه المآلات المهزومة للعدو الإسرائيلي -لدى المراقبين وخبراء السياسة والشأن العسكري- على حقيقة أن ردة فعله الانفعالية المتشنجة بسبب نجاح الملحمة البطولية “طوفان الأقصى” إنما تؤكد على أنه رغم حروبه السابقة، والحالة العدوانية المستمرة ضد أبناء غزة بشكل خاص منذ خروجه المذل من القطاع عام 2005، وضد الشعب الفلسطيني عمومًا منذ (75) عامًا، إلا أنه في هذه الجولة من العدوان التي يفترض أنها تمثل ذروة قدراته ومهاراته العسكرية، كشف للعالم فشله الأكيد، وفراغ رصيده التراكمي في التعامل مع أي مخاطر، وفي عجزه عن الوصول إلى التأسيس لكيانه -غير الشرعي- والتعايش مع العالم على قواعد الاحترام وعدم التعدي على الآخرين، ومحاولة إعادة ترتيب التركيبة الشيطانية التي تتلبسه منذ نشأته، بحيث يصير -على أقل تقدير- كائناً طبيعيا. يذكر السيد القائد أن “النظرة إلى العدو الإسرائيلي تغيرت في العالم، حتى في المجتمع الأمريكي، رغم تلقيهم -على مدى عقود- ثقافة ترسخ التعظيم والتقديس لليهود الصهاينة، والتنكر للقضية الفلسطينية”.

لذلك أبقى هذا الفشل إلى اليوم -في ذهنية العالم رغم محاولات الأعداء- حقيقة أن العدو الإسرائيلي مهما مارس من بطش وعربدة، وحاول “تقمُّص” الدور بكونه دولة، ليس إلا مجاميع محتله لأراضي الغير، وأن مجلس اللوبي الصهيوني في العمق الأمريكي هو من يدير شؤونه، تمامًا كما يدير شؤون أمريكا الخارجية، وأنه يمارس كل هذا الإجرام والوحشية مع أصحاب الأرض بكل قوامها التاريخي والجغرافي، بلا تأثير أو نتيجة تصبّ في مصلحة وجوده، وهذا فشل ينهي كل جهود المؤامرات التي اشتغل عليها اللوبي منذ ما قبل الوعد الباطل الذي منحتهم إياه بريطانيا قبل أفول نجمها الاستعماري.

أسقط الله غطرسة الصهاينة، فحين قرروا غزو قطاع غزة في جولة صراع جديدة، أعمى الله بصائرهم عن إدراك أنهم لم يعودوا أولئك الذين يوجهون الضربات دون أن يلقوا الرد، وأنهم لم يعودوا بذاك الحيوان المسعور الذي استمرأ إرهاب الآخرين وإخضاعهم لرغباته، وأنهم ليسوا بتلك القوة القادرة على الحسم، لذلك جلب لهم التهور هذا السقوط المُدوّي.

واستنادًا على ذلك قرأ العالم -في اتفاق وقف إطلاق النار وخروج العصابة المسلحة الإسرائيلية من غزة- أفضل المتاح حفظًا لماء وجه الكيان ومعه أمريكا وباقي الداعمين.

تآكل الحاضنة الداخلية للكيان

وبالنظر أيضًا إلى ظروف العدو الداخلية، يتكشف شكل من أشكال الفشل الاستراتيجي المؤثر بصورة بالغة على كيانه، إذ ظهر فشله المُدوّي في خلق هَمّ جمعي واحد في بيئة الغاصبين ورصيده السكاني، فظهرت ارتدادات العجز والفشل عن استخدام العنف لاستعادة الأسرى من غزة أحياء، أو منع العمليات الفدائية لمجاهدي المقاومة داخل الكيان، ولم يتمثل عنف هذه الارتدادات في شكل تلك المظاهرات التي لم يشهدها الكيان من قبل، وإنما أيضًا -وهو الأهم- في القرارات الاستراتيجية التي اتخذها كثير من هؤلاء الغاصبين، والمؤثرة بطبيعتها على مستقبل الاحتلال، وكان من أبرزها التهرب من التجنيد في صفوف من يفترض أنه جيشهم، وقرار الفرار والعودة إلى الشتات الذي جاؤوا منه، بعد أن تبين لكثير منهم أن الكيان غير آمن، وغير قابل للحياة.

المصدر: نقلا عن موقع انصار الله