أفق نيوز
الخبر بلا حدود

تأمُّلات في خطاب القائد عن الغُماري الصبَّـار: استشهاد يُشعِـلُ الهمم

33

أفق نيوز|

فهد شاكر ابوراس

في زمنٍ تخلّت فيه أغلب الأنظمة عن مسؤولياتها تجاه قضايا الأُمَّــة، ويُفرغ خطابها من أيِّ مضمون مقاوم، يطلّ خطاب قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي -حفظه الله- ليُعيد تشكيل الوعي، ويُبلور رؤية استراتيجية عميقة حول استشهاد القائد الجهادي الكبير، رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الركن محمد عبدالكريم الغماري.

لم يكتفِ الخطاب بتأبين شهيدٍ عظيم، بل حوّل الحدث من واقعة أليمة إلى محطة نوعية في مسار الصراع، تثبت صحة المنهج وصدق المسار. فالدماء التي تسيل على تراب اليمن ليست ضائعة، بل شهادات حيّة على نقاء المقصد وعلو الهمة. والشهادة هنا لا تُقاس بحجم الخسارة، بل بعمق الأثر: فهي مصدر إلهام، ومشعل يستنهض الهمم، وتجسيد حيّ للروح الجهادية التي تنبع من الإيمان لتُترجم في ساحة الميدان.

الشهيد الغماري لم يكن مُجَـرّد قائد عسكري يؤدي مهامه بروتين جاف، بل كان نموذجًا حيًّا للوعي القرآني الذي يربط كُـلّ حركة وسكنة بالله سبحانه. ومن هنا، أصبح استشهاده برهانًا ساطعًا على أن المنهج الذي يسير عليه اليمن قيادةً وشعبًا هو منهجٌ نقيّ، لا ينحرف عن غايته مهما عظمت التضحيات.

ومن أبرز ما كشف عنه الخطاب هو العلاقة العضوية بين الشعب اليمني وجيشه. فالمؤسّسة العسكرية ليست جيشًا منعزلًا عن هموم الناس، بل هي تجسيدٌ لإرادَة الشعب وامتداد ليدِه التي تضرب أعداء الأُمَّــة. وهذا ما ظهر جليًّا في الحضور الشعبي الواسع في تشييع الشهيد الغماري، الذي لم يكن مراسم عسكرية تقليدية، بل إعلانًا جماهيريًّا بأن كُـلّ يمني جزء من هذه المعركة، وشريك في صنع الانتصار.

هذه الثنائية بين الشعب والجيش هي سرّ الصمود الذي يفسّر كيف لقوةٍ محدودة الإمْكَانات أن تواجه تحالُفًا عالميًّا يضم أعتى القوى. وهو نموذج يتناقضُ تمامًا مع جيوشٍ عربيةٍ أصبحت أدَاة قمعٍ لأبناء شعوبها، بدلًا عن أن تكون درعًا يحميهم.

وفي مقارنةٍ إقليميةٍ صارخة، أشار قائد الثورة إلى عجز الجيوش العربية والإسلامية عن مواجهة التحديات المصيرية، مرجعًا السبب إلى الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية التي جعلت هذه الجيوش أسيرة حساباتٍ ماديةٍ بحتة، تفتقر إلى البُعد الإيماني. بينما تبرز قوى المقاومة -بما فيها اليمن وإيران- كاستثناء يعتمد على الثقة بالله، لا على موازين القوة التقليدية؛ مما يمكّنها من الصمود رغم التفاوت الهائل في العتاد.

ولم يغفل الخطاب تحليل سمات الشهيد الغماري الشخصية التي جعلته نموذجًا فريدًا للقائد المجاهد: الإخلاص، الزهد، التجرّد من المصالح الشخصية، روح المبادرة، الصبر عند الشدّة، والتوازن النفسي والمعنوي. كان يجمع بين الحكمة والرشد، وحسن الخلق وسعة الصدر؛ مما جعله محبوبًا من جميع من تعامل معه. فجهاده لم يكن فقط بالسلاح، بل بالأخلاق التي تؤلف القلوب وتجذب النفوس.

الأهم أن الخطاب حوّل الاستشهاد من مناسبة حزن إلى نداء يقظة للأجيال. فالشهيد ليس نهاية الطريق، بل محطة انتقالية تدفع المسيرة إلى الأمام. والتضحيات ليست خسائر، بل وقودٌ للنصر. والدماء الزكية التي تسقط اليوم هي التي ترسم غدًا طريق العزة والكرامة للأُمَّـة.

وأخيرًا، لم يقتصر الخطاب على البُعد اليمني، بل رفعه إلى مستوى رؤية أُمَّـة، مُقدّمًا اليمن كنموذجٍ يُحتذى به لكل القوى التي تنشد التحرّر من الهيمنة الأمريكية والصهيونية. فالمعركة هنا ليست محلية، بل جزء من المعركة المصيرية للأُمَّـة الإسلامية جمعاء.

في النهاية، خطاب قائد الثورة حول استشهاد الفريق الغُماري لم يكن مُجَـرّد كلمات تأبين، بل بيانٌ استراتيجي يوضح فلسفة المقاومة، ويؤكّـد أن طريقَ الكرامة لا يمُرُّ عبرَ التسويات المذلّة، بل عبر الإيمان الراسخ، والتضحية الصادقة، والثقة المطلقة بنصر الله.ُ

وأن أعلى درجات الفوز ليست في البقاء، بل في الشهادة في سبيل الله.