الشهيد الغماري قائد بحجم أمة ومدرسة جهادية تربوية تصنع الرجال تلهم الأجيال
أفق نيوز| تقرير|
قراءة في كلمــة السيـد القـائـد في استشهاد القائد الجهادي الكبير الفريق الركن/ محمد عبد الكريم الغماري
أطل السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي مساء الثلاثاء 29 ربيع الثاني 1447هـ في كلمة وداعية للقائد الجهادي الكبير الشهيد الفريق الركن محمد عبد الكريم الغماري رئيس هيئة الأركان العامة، تناول فيها مناقب الشهيد العظيم، ومآثره الجهادية والإيمانية، وإسهاماته الفريدة في بناء المدرسة الجهادية اليمنية، وعن صبره وثباته وتفانيه في أداء الواجبات الدينية والوطنية في أصعب الظروف، استعرض السيد القائد دور الشهيد الغماري في القيادة والبذل، وعظمة الروح الإيمانية التي تجلّت في مواقفه ومبادراته، وكيف كان نموذجًا يُحتذى به للأجيال، يؤسس بمواقفه ومعالم شخصيته مدرسة في التضحية والوعي، ويدفع بالأمة نحو درب الحرية والنصر، كما أشار إلى المكانة الرفيعة التي وصل إليها الشهيد بين المؤمنين المجاهدين، وثمّن صموده وإخلاصه، مؤكداً أن رحيله يمثل خسارة كبيرة، لكنه سيظل رمزًا ومصدر إلهام في مسيرة الأمة الجهادية حتى تحقيق النصر وزوال الطغاة والمستكبرين.
في سياق التحولات الاستراتيجية للمعركة اليمنية، ودَّع الشعب اليمني قائده الجهادي الكبير، رئيس هيئة الأركان العامة الشهيد الفريق الركن محمد عبد الكريم الغماري، في مراسم حضرها آلاف اليمنيين الذين أكدوا -من خلال الزخم الشعبي وجذوة الحضور- أن دم الشهيد هو امتداد لتضحيات وطنٍ لا ينكسر في مواجهة العدوان. وعكست مشاهد التشييع -كما أشار السيد القائد في كلمته- عمق وصدق العلاقة بين الشعب ومؤسساته العسكرية، حيث امتزج الوجدان الوطني بالإيمان الجهادي في رداء واحد يواجه غطرسة الأعداء بقوة لا تتراجع ولا تستسلم.
يُبرز السيد القائد -في حديثه- العلاقةَ الوثيقة بين المؤسسة العسكرية والشعب، موضحاً أن هذه المؤسسة لم تكن أبداً خصماً أو أداة قمع ضد إرادة الناس، بل صارت الساعد الضارب والإرادة الحية في الدفاع عن تطلعات الشعب وحمايته من الطغاة. فعلى خلاف بعض الجيوش العربية، يؤكد السيد القائد أن الجيش والأمن في اليمن يمثلان عمق الشعب الإيماني وهويته وانتماءه، مجسدين معاني “الْإِيْمَانُ يَمَان، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّة” في سبيل الله ومن أجل قضايا الأمة الكبرى وفي طليعتها فلسطين.
وفي سياق تحليله لجذور الصراع، يشدد السيد القائد أن الشهداء في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس” هم عنوان الانتماء الحقيقي لهذه الأرض، وهم انعكاس لموقف شعب حمل راية الجهاد ضد قوى الاستكبار، وفي مقدمتها أمريكا و”إسرائيل”. ويوضح السيد القائد أن الموقف اليمني لم يكن موقفًا هامشيًا أو رد فعل عابرا، بل كان موقفًا واعيًا يحمل بصيرة الحكمة ومسؤولية الدفاع عن كل المستضعفين، نصرةً للشعب الفلسطيني وعدم التخاذل أمام مؤامرات الغرب والأنظمة المعادية للقضايا الإسلامية.
يرى السيد القائد أن كل قطرة دم شهيد وكل تضحيات الشعب ومؤسسته العسكرية ستظل نورًا يسري في ذاكرة الأجيال، وصفحة بيضاء في تاريخ الأمة، ومدرسة للقيم الإيمانية والإنسانية والأخلاقية التي ستنهض بها الأمة في مواجهة التحديات. ويؤكد السيد القائد أن حضور المؤسسة العسكرية إلى جانب الشعب ليس سوى تجسيد للهوية الإيمانية التي تصنع رجالاً عظماء يُخلّدهم المجد وتكتمل بهم ملحمة الصمود، على نحو يفتقده كثير من القوى العسكرية في المنطقة، باستثناء القوى الحية كالمقاومة والجمهورية الإسلامية في إيران.
ويخلص السيد القائد في كلمته إلى أن الأثر العظيم للشهداء لا يقتصر على الإنجاز الميداني والعطاء في الجهاد فحسب، بل يتعدى ذلك إلى صناعة العزم والقيم والفعل الحضاري لهذه الأمة، حيث تظل تضحيات الأبطال وذكرهم مصدر إلهام ورؤية مستقبلية للأجيال في ساحة المواجهة الكبرى.
- الروحية الإيمانية والجهادية العميقة
يؤكد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن أولى السمات البارزة في شخصية الشهيد العزيز الفريق الركن محمد عبد الكريم الغماري كانت روحيته الإيمانية الفريدة، حيث انطلق في ميدان الجهاد متسلحًا بالوعي القرآني والارتباط الوثيق بكتاب الله؛ فقد كان الدافع الأساسي لديه هو محبته لله وخوفه من التفريط أو التقصير في تحمل الأمانة والمسؤولية، مؤمنًا بثقة لا محدودة بوعد الله ونصره، ما جعله يؤدي مهامه الجهادية دون اكتراث لقوة الأعداء، في حين غابت هذه الروح عن كثير من الجيوش العربية والإسلامية. وهنا يقول السيد القائد: “إن الثقة العظيمة بالله وحساب معيته ووعده الحق هي المعايير الفارقة في التوجيه الإيماني للجندي المسلم”.
- الثقة المطلقة بوعد الله ونصره
يشير السيد القائد إلى أن الشهيد الغماري كان مثالًا بارزًا في تجلي الثقة بالله، إذ لم يتأثر بحسابات الإمكانات المادية أو الفروقات العسكرية مع العدو، بل ركز على ما وعد الله به عباده المؤمنين بأن ينصرهم ويثبت أقدامهم. يقتبس السيد القائد آيات قرآنية لتأكيد هذه الفكرة، مثل قوله تعالى: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7] و{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم:47].
ويبين أن غياب هذه الثقة عن الجيوش الأخرى سبب أساسي في ضعفها وهزيمتها.
- الإخلاص والتجرد لله في أداء المسؤولية
لقد كان الإخلاص لله محورًا جوهريًا في شخصية الشهيد كما يؤكد السيد القائد، إذ تحرر الشهيد الغماري من كل الأهداف الدنيوية، وارتبطت غاياته كلُّها برضا الله وطاعته. يستشهد السيد القائد بقوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] ليبرز عمق الإخلاص والتجرد، والتفاني في أداء المسؤوليات الجهادية ضمن أرفع مظاهر الرشد والوعي الإيماني.
- روح المبادرة والمسارعة في العمل الجهادي
يبرز السيد القائد روح المسارعة والمبادرة في شخصية الشهيد الغماري، متوقفًا عند تأثيرها العملي والإيماني في الإنجاز وتدارك المخاطر والإخفاقات، ويشدد على أهمية التفاعل الإيجابي السريع مع مسؤوليات الجهاد كما أمر الله سبحانه وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ} [آل عمران:133]، ليؤكد أن المبادرة والفعالية في العمل الصالح والجهاد تمثل نقلة نوعية وقيمة عملية كبيرة ترتقي بالإنسان المجاهد، وتقيه التواني والتثاقل ومخاطر الإحباط.
- أداء المسؤولية الجهادية بتقوى الله والانضباط القيمي
يشدد السيد القائد -في حديثه- على أن الشهيد الغماري تميز بأدائه لمسؤوليته الجهادية على أساس التقوى؛ إذ كان شديد الحذر من التفريط في المسؤولية، ملتزمًا بأرقى مواصفات المتقين التي وصف بها الله عباده، من جدية واهتمام ومثابرة، ومن انضباط عملي يستند إلى القيم الإلهية وتنفيذ التعليمات الربانية، بدل الاكتفاء بتقاليد الانضباط العسكري الروتيني المعتاد في الجيوش، ما أضفى على أدائه بعدًا قيّميًا وروحيًا متفردًا.
- الصبر والثبات في الظروف الصعبة
من أبرز ما تميز به شهيدنا العزيز، الشهيد محمد عبد الكريم الغماري “رضوان الله عليه” هو قيمة الصبر، وهي من أعظم وأهم القيم الإيمانية على مدى المسيرة الإيمانية بشكل عام، وفي مجال الجهاد في سبيل الله بشكل خاص، حيث تحتل أعلى مراتب الأهمية. وقد جاء التأكيد على الصبر كثيراً في القرآن الكريم، وبرزت الحاجة لهذه القيمة العظيمة في نفسية المجاهد حين يواجه معاناة نفسية وجسدية ناتجة عن حجم المسؤولية وصعوبة الظروف.
فقد عرف عن شهيدنا الغماري أنه كان من “الصبّارين”، أي في أعلى مراتب الصبر، يصبر على الشدائد والأعباء والمعاناة والصعوبات والتحديات، فيتماسك ويتحمل، ويواجه كل تلك المتاعب بالصبر الجميل الذي يميز أهل الربانية كما وصفهم الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:146]. فكان الصبر في حياته مصدر قوة وانشداد عظيم إلى الله، وملاذاً في الشدائد، متمثلاً بما أمرنا الله من الدعاء: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:250].
- التفاني في سبيل الله وبيع النفس لله
ومن المعالم البارزة في شخصية الشهيد الغماري “رضوان الله عليه” التفاني في سبيل الله وبيع النفس من الله سبحانه وتعالى، وهي سمة المؤمنين الصادقين الذين باعوا أنفسهم لله ونذروا حياتهم للجهاد في سبيله، متحررين من قيود الخوف ومن حب الدنيا ورفض الموت في سبيل الله. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة:111]، وقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}[البقرة:207]. لقد تميز شهيدنا بروح التفاني والإقدام، فقدّم حياته ومواقفه وأعماله لله سبحانه وتعالى، وتحرر من كافة معوقات النفس التي كبلت الأمة الإسلامية بسبب حب الدنيا وكراهية الموت والرهبة من الخسارة، فكانت حياته مدرسة في الجهاد، ورسالته في بيع النفس تعبيراً عن أعظم صفقة مع الله، ثمنها رضوانه وجنته، وهي المرتبة التي وعد الله بها الشهداء، وخصهم بنعيمه وفضله كما قال تعالى: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[آل عمران: 169-170].
وفي مدرسة الإيمان والجهاد، يصنع الإنسان هذه الروحية، لينطلق متفانياً، متحرراً من الخوف، ويرتقي بأدائه وجرأته ورغبته إلى أعلى مقامات العطاء والانشداد إلى الله سبحانه وتعالى.
- الرشد والحكمة والتوازن النفسي والوعي الحقيقي للهدى
يشير السيد القائد إلى أن من أسمى الصفات التي تحلّى بها الشهيد الغماري “رضوان الله عليه” هي الرشد في الفكر، والحكمة في التصرف، والتوازن النفسي، وعمق الوعي بفضل الهداية الإلهية، فقد كان شديد الحرص على الاستماع لهدى الله، والتجرد من المؤثرات الشخصية أو الرؤى العشوائية غير المدروسة، نموذجه في التفكير السليم يضرب أروع مثال في التجرد من النزعات المزاجية أو الانفعالات، مستنداً في رؤيته وتقييمه للأمور إلى المفاهيم القرآنية والحقائق الإيمانية الراسخة. هذا التآلف بين الرشد الذهني والتوازن النفسي الحليم مكّنه من أن يكون مسؤولاً في أفعاله، متزناً في مواقفه، لا ينجرف مع العواطف، ولا تحكمه حالات الغضب والانفعال، بل كان مثالا للقائد الذي يزن الأمور بحكمة، ويقدر الحق، ويعمل وفق تعليمات الله مهما كانت الظروف.
- حسن الخلق وسعة الصدر والاحترام للناس
من المعالم اللافتة أيضاً التي أشار إليها السيد القائد: حسن الخلق الذي كان يتحلّى به الشهيد الغماري، وسعة صدره، واحترامه العميق للناس بمختلف فئاتهم. لم يكن في شخصيته أي أثر للنزق أو الضيق أو المشاكسة، بل كان مرناً في الحوار متقبلاً للنقاش، متواضعاً في التعامل، هادئاً في إدارة القضايا والمسائل، صبوراً مع رفاقه وأبناء المجتمع. كل من تعامل مع الشهيد يشهد له بحسن الخلق، والمكارم النبيلة، والصدق، والوفاء، والاحترام للآخرين، حتى في أصعب الظروف وأثقل المسؤوليات، فكان -بحقٍّ- نموذجاً للقيادة الأخلاقية الراقية في مواقع العمل الجهادي والمجتمعي.
- الابتكار والتكيف مع الظروف والتغلب على التحديات
يؤكد السيد القائد أن الشهيد الغماري (رضوان الله عليه) امتلك عقلية مبتكرة وروحاً قادرة على التكيف مع أصعب الظروف والتغلب على التحديات المتكررة، ففي مدرسة الجهاد والإيمان لا مكان للركود واليأس، بل تغدو الصعوبات دافعاً للابتكار والإبداع، وتحويل التحديات إلى فرص إنجاز. لم يتوقف الشهيد ورفاقه عند حدود الإمكانيات، بل بذلوا أقصى الجهود وابتكروا الحلول وسط الظروف القاسية، وحققوا نقلة فارقة في القدرات وتأثير العمل، مستعينين بالثقة بالله والاعتماد عليه. كما قال السيد القائد، فالهداية الإلهية تفتح أمام المجاهدين مسارات لا تحصى، وتصنع فيهم القفزات النوعية التي تخلدهم وتبني إرثاً عظيماً للأجيال المقبلة.
- الاستمرارية في العطاء والخلود كمدرسة للأجيال
وفي ختام المعالم، يبرز السيد القائد أثر الشهيد الغماري (رضوان الله عليه) كمدرسة حقيقية في التضحية والعطاء، ومن رجال هذا البلد، هذا الشعب، الذين سيخلِّدهم التاريخ، الشهداء العظماء، الذين ضحُّوا بأنفسهم في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في أداء مهامهم المقدَّسة والعظيمة، الذين أسهموا في نقلات كبيرة، وفي إطار مواقف كبيرة، يخلِّدهم التاريخ؛ ليكونوا ملهمين للأجيال، ليكونوا مدرسةً واقعيةً قائمة في الواقع، ويرتبط بهم الناس أيضاً في الاستلهام من إسهاماتهم الروحية والقيمية والأخلاقية.
يؤكد السيد القائد أن المسيرة الجهادية اليمنية شهدت -عبر السنوات الماضية- تضحيات عظيمة رسمت ملامح الصمود الوطني والإيماني، فقدّم اليمن العديد من القادة والأفراد والكوادر من أبناء شعبه، ارتقوا شهداء في مراحل متلاحقة، بدءًا بالجولة الأولى التي استشهد فيها شهيد القرآن ومؤسس المسيرة، السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) ورفاقه، وصولًا إلى المراحل الأخيرة من المواجهة، حيث استمرت المسيرة في النمو والتصاعد، ولم تتراجع أو تنكسر رغم حجم التضحيات.
تؤكد الوقائع أن الشهادة في سبيل الله لم تؤدِّ إلى ضعف أو وهن أو انكسارٍ لإرادة هذا الشعب، بل كانت وقودًا لمسارٍ متصاعدٍ في البناء والارتقاء، فتراكمت الخبرة والجسارة، وتحولت التحديات إلى إنجازات عسكرية وبشرية فريدة. فاليمن اليوم -كما يبين السيد القائد- يتصدر قائمة البلدان العربية في الصناعة والإنتاج الحربي، بدايةً من تصنيع المسدسات والأسلحة الخفيفة، وصولًا إلى المدفعية، القناصات، الطائرات المسيَّرة، وتطوير الصواريخ بأنواعها ومساراتها، في ظل استمرار الإبداع والتطوير حتى في أصعب الظروف.
أما على مستوى بناء القوة البشرية، فقد تحققت نجاحات كبيرة في التأهيل العسكري الممنهج، والتربية الإيمانية والتثقيف القرآني، وأثمرت عمليات التدريب والتنمية القيادية في بلوغ مستويات لم يصل إليها اليمن من قبل، بل تجاوز ما وصلت إليه أغلب البلدان الأخرى في المنطقة.
وفي جانب التعبئة، أنجزت اليمن برامج تدريبية لأكثر من مليون مجاهد اكتسبوا روحًا إيمانية قوية وفهماً قرآنيًا ووعيًا جهاديًا، كما تستمر عملية التعبئة بوتيرة متصاعدة، ترسخ فيها الهوية الإيمانية، وتتحرر الروح اليمنية من أي عبودية للطغاة.
إن تعاظم قدرات الشعب والجيش لم يكن بمعزل عن توجيهات القرآن الكريم وهدي الله تعالى؛ ففي مقابل كل أنظمة الاستعباد والجريمة التي ينتهجها العدو الصهيوني وحلفاؤه، والمشاهد اليومية الدامية التي يشهدها العالم من جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني والاعتداءات على شعوب الأمة، يزداد يقين اليمنيين بصوابية موقفهم وعدالة قضيتهم. لقد هداهم الله إلى الجهاد، وإلى الاعتصام الجماعي بحبل الله، وإصلاح الواقع الداخلي على أسس قيمية وإيمانية راقية، فحققوا الخير لهم في الدنيا والآخرة، وازدادوا ثقةً بوعد الله وحتمية النصر والهداية الإلهية.
وهكذا، يتجلى أن بناء القدرات وترسيخ الهوية الإيمانية، كلما قدّم الشعب شهداء في سبيل الله، كان في الحقيقة يتقدم وينمو، ليكون نموذجًا للأمة في الإيمان والطهر والبناء والإنجاز، صامدًا وعزيزًا أمام مخططات الأعداء وهجماتهم الشرسة، على طريق الفلاح والنصر الموعود بإذن الله تعالى.
يؤكد السيد القائد أن الصراع المفروض على الأمة اليوم ليس خيارًا، بل واقعٌ يطال كل بيت وكل فرد في منطقتنا، ومن يعتقد أن الحل يكمن في تجاهل ما يفعله الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني، أو ما تخطط له الصهيونية العالمية، يخدع نفسه ويفرط في أمنه ومستقبل أمته. فالتجاهل لهذا الخطر الداهم ليس حلاً ولا جلبًا للسلامة، بل هو نتيجة للضعف واليأس وانعدام الرؤية أمام أعداء يسعون فعلًا إلى الاحتلال والتدمير والاستعباد.
أما من اختار سياسة التأقلم والاسترضاء والولاء للأعداء تحت دعاوى النجاة من شرهم، فقد انحرف عن المبادئ والقيم والأخلاق الدينية، وأسهم في تكريس جرائم هؤلاء المجرمين عبر شتى صور التعاون معهم: السياسي والاقتصادي والعسكري والإعلامي. يؤكد القرآن الكريم خطورة هذا المسار، مصورًا من يتولاهم بأنه منهم في عدوانهم وسوءهم وإجرامهم.
وقد أثبتت تجارب التسوية والسلام المزعوم فشلها الكامل على مدى عقود طويلة، ولم تحقق للأمة إلا المزيد من الانكسار والخيبة والخضوع، وأظهرت التجربة العملية أن خيار الموقف الصلب والواعي هو وحده الكفيل بالانتصار وتحقيق مكاسب فاعلة، كما تجلى ذلك في الجولات الميدانية والمعارك البحرية مع الأمريكي وأعوانه، حيث فشلوا فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافهم أمام صمود اليمنيين وإيمانهم بقضيتهم وحقهم في الدفاع، وخرجوا مثقلين بالهزيمة.
لهذا، يؤكد السيد القائد ضرورة استمرار التوجّه العام بالتمسك بالمنهج الإيماني القرآني الجهادي، وتكريس الجهوزية الدائمة على كل المستويات: العسكرية والتعبوية والإدارية والاجتماعية، مؤكداً قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60]. ويشدد على رفض الخنوع والانبطاح أمام الطغاة والمستكبرين، والتمسك بالقيم والمبادئ الإنسانية، وعدم التخلي عن الكرامة والحرية مهما تكن التحديات.
وفي ظل تكثيف الأعداء لمحاولاتهم إغراق الأمة في الأزمات، وضرب المسارات الصحيحة وتشويه الوعي، يجب أن يبقى الاهتمام المركزي موجهاً لبناء الوضع الداخلي، وإصلاح الجوانب الرسمية والاقتصادية والاجتماعية كافة، في إطار التوجّه الإيماني الواعي، كي تبقى الأمة يقظة، حرة، متمسكة بدورها الجهادي والتحرري، وواثقة بأن هذا هو السبيل الحقيقي للفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة.
تكشف نتائج السنوات الأخيرة -وبخاصة خلال جولة العامين الماضيين- عن سلسلة خسائر غير مسبوقة تكبدها العدو الإسرائيلي وحلفاؤه. هذه الهزائم لم تقتصر على المجال العسكري فحسب، بل تحولت إلى فضيحة عالمية كشفت عن هشاشته وضعفه أمام إرادة المجاهدين وصمودهم في الميدان، رغم المجازر والإبادة الجماعية التي مارسها بشراكة أمريكية وعدوان وتدمير شامل لم يحقق له أي هدف استراتيجي.
من الدلائل الواضحة على عجز العدو الإسرائيلي أنه لم يتمكن من تحرير أسراه إلا بصفقات تبادل مذلة، وهو ما يؤكد فشله التام أمام صمود المجاهدين في غزة رغم الحصار والخذلان، وتفضح أوهام الهيمنة التي يروج لها أعوانه في المنطقة. كذلك تكبد الفشل الذريع في المواجهة مع إيران، حيث اضطر خلال أيام معدودة إلى اللجوء لأمريكا لمطالبته بوقف المواجهة في ظل عجزه عن تحقيق أهدافه العدوانية.
وفي لبنان، تجاوزت المقاومة كل محاولات الاجتثاث، وثبت حزب الله في موقعه الجهادي، صامداً شامخاً رغم التضحيات، فيما ظل العدو عاجزاً عن انتزاع أي نصر حقيقي. وعلى المستوى الشعبي اليمني، تجلت بوضوح معالم الانتصار العظيم، بدءًا من قوة الروحية الإيمانية، والبناء العسكري، إلى حالة الوعي والثبات والقدرة الجماهيرية والقبَلية الفريدة في الفداء والجهاد، متجسدة في رجولة وشجاعة وإقدام أبناء هذا البلد الحاضر دومًا في ميادين الكرامة.
هذه الحقائق تشكل دليلاً دامغًا، يرفض الله فيه أن يبقى عباده في الإهمال، ويؤكد أن مصير هذا الصراع مُحدد بوحي القرآن الكريم، وليس بتقديرات المحللين غير الموثوقين. فحتميات النصر والزوال معلومة بنصوص الله تعالى:
{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد:7]
{فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:56]
{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]
{وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء:8].
فها هي حتميات هذا الصراع تتجلّى: بزوال العدو الإسرائيلي بخسران وهزيمة، وخسارة كل من ارتد عن دينه وقيمه ورضي بالعبودية له، وانتصار أولئك الذين استجابوا لله، ووثقوا بوعده، وساروا في طريق هدايته.
إن هذه اليقينيات، المستمدة من القرآن الكريم ومن الواقع العملي تمنح الشعب اليمني والأمة الحرة العزة والثبات، وتضع أمام الأجيال صورة واضحة لنهاية كل طغيان، وبداية نصر قادم بإذن الله، فالله لا يغيب عن عباده ولا يخلف وعده، والنصر بالله وبالثبات على المبادئ الإيمانية الحقة.
نقلا عن موقع انصار الله