أفق نيوز
الخبر بلا حدود

من كربلاء إلى غزة واليمن.. الجهادُ والاستشهادُ طريقُ انتصارِ الدمِ على السيف

53

أفق نيوز| تقرير|

في كل عامٍ، حين تشرق الذكرى السنوية للشهيد، يتجدّد في وجدان الأمة ذلك النور الخالد الذي لا يخبو، وتُفتح نوافذ العزّة من جديد على مشاهد الإباء والتضحية. إنّها ليست مجرد ذكرىٍ تمرّ، بل موسم وعيٍ تتجدّد فيه ملامح الإيمان، وترتوي فيه جذور الأمة من دماء أبنائها الأطهار، فتزهر كرامةً وإباءً، ويظل دربُها مضيئًا مهما اشتدّت عتمة الطغاة.
إنها لحظة يقظة للضمير الجمعي، ومناسبة ينهض فيها الوعي المقاوم ليتأمل معنى الشهادة كطريقٍ إلى الحياة، لا كمحطةٍ للموت، وكمعراجٍ إلى الخلود لا كخاتمةٍ للفناء.


عاشوراء.. من ملحمة كربلاء إلى انتصار المظلومية على الطغيان

في ذاكرة الأمة، تقف كربلاء شامخة كأعظم مشهدٍ لتجسيد انتصار الدم على السيف. يومُ عاشوراء لم يكن حادثةً منقطعة، بل كان الشرارة الأولى لوعيٍ إنساني خالد، كشف للزمن أن المظلوم إذا حمل راية الحق وثبت على المبدأ، فإنه قادرٌ أن يهزم أقوى الطغاة مهما بلغت سطوتهم.
حين وقف الحسين عليه السلام وحيدًا أمام آلاف السيوف المسلّطة، لم يكن مشهد الهزيمة بل لحظة ميلادٍ جديدة للحرية. لم يكن الدم ضعفًا، بل شهادةً إلهية على أن القيم لا تُقتل، وأن “هيهات منّا الذلة” ليست صرخة عابرة، بل ميثاقٌ خالد بين كل الأحرار في وجه كل يزيدٍ عبر التاريخ.
من نينوى كربلاء إلى مرّان صعدة وغزة وبيروت، ظلّ الدم الزكي هو اللغة التي لن يفهمها المستكبرون ولا يقدرون على إخمادها، لأنّها اللغة التي يكتب بها الأحرار تاريخهم بمدادٍ من الإيمان والوعي.


ثقافة الاستشهاد.. النور الذي يبدّد ظلام القهر

الشهادة ليست فناءً، بل ميلادٌ أسمى للحياة، وهي سرّ الخلود الذي وهبه الله لعباده الصادقين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه. إنّها ثقافةٌ قرآنية تترجم الإيمان إلى موقف، وتحوّل العطاء إلى طريقٍ نحو الكرامة.
في اليمن، حيث العدوان الأمريكي السعودي لم يتوقف منذ عقدٍ من الزمن، تحوّل كل بيتٍ إلى محرابٍ للجهاد، وكل أسرةٍ إلى مدرسةٍ في الصبر والرضا والفخر. لا ترى في وجوه الآباء والأمهات إلا البهاء، ولا تسمع منهم إلا الحمد والثناء، لأنهم يعلمون أن أبناءهم أُريقَ دمهم الطاهر دفاعًا عن الأرض والعرض والدين، فانتقلوا إلى الحياة الأبدية، يرزقون عند ربهم فرحين بما آتاهم الله من فضله.
تلك الثقافة المتجذّرة في وعي الشعب اليمني، المستلهمة من عاشوراء، هي التي جعلت الصمود معجزة، والإيمان سلاحًا، والشهادة وسامًا من الله على صدور المؤمنين.


من كربلاء إلى غزة واليمن.. سيرة واحدة للحق المنتصر

اليوم تتكرّر كربلاء في غزة المحاصرة، حيث الماء الممنوع، والطفولة المصلوبة على جدار الحصار، والسماء التي تمطر نارًا وصواريخ.. المشهد واحد، وإن اختلف الزمان: دماءٌ زكية تسيل، وأحرارٌ يصرخون “لن نركع”، وطغاةٌ يظنون أنهم انتصروا، فإذا بهم يُهزمون أمام روحٍ لا تُقهر.
في غزة كما في اليمن ولبنان، يسقط الشهداء، لكنّهم لا يموتون؛ بل يصنعون للإنسانية معنى البقاء الحقيقي.. والعدو الصهيوني، مهما بلغ من طغيان وجبروت، لن يستطيع أن ينتصر على أمةٍ جعلت من الجهاد عقيدة ومن الشهادة شرفًا ومن الموت حياةً خالدة.
إنها السلسلة الواحدة التي تربط دم الحسين في كربلاء بدماء الأطفال في غزة، وتجمع بين صرخة الحسين ونداء المجاهدين اليوم في اليمن: هيهات منّا الذلة.


الشهادة.. تاجُ المجاهدين ومحرّك مسيرة التحرر

فاليمنيُّون الذين جادوا بقوافل الشهداء طيلة سنوات العدوان، باتوا يعلمون يقينًا أن النصر ليس هبةً تُمنح، بل ثمنٌ يُدفع بدماءِ الأبطال وصلابة الإرادة. الشهادة عندهم ليست قَدَرًا مفروضًا، بل خيارٌ واعٍ وإيمانٌ متجذّر، مُعلَن بالفعل قبل القول، ورايةٌ تُورَّث من أبٍ إلى ابنٍ، ومن جيشٍ إلى شعبٍ، فتبقى النفوس يقظةً والصفوف متراصةً في وجه كل متكبّرٍ.

في بيوتهم قصصٌ لا تُحصى، وحُدودٌ من الإباء تُعلّم الصغار معنى الفداء، وفي الساحات يُنحت الوفاء على وجوه الأمهات والآباء الذين لا ينسون وعود الشهداء إلا بالمزيد من العطاء.. إنها ثقافةٌ تُنشئ أجيالًا لا تهاب الموت لأنّها رأت الحياة في الشهادة.


الجهاد.. تجارة المؤمن الرابحة

قال تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}، فهي صفقةٌ سماوية لا تعرف الخسارة، وعهدٌ بين الله وعباده المجاهدين بأن تكون أرواحهم وأموالهم مهورًا للخلود والنصر.
الجهاد ليس رغبةً في الموت، بل شوقًا إلى الحياة الكريمة، إلى الوجود الذي لا تُدنّسه المهانة.. لذلك كانت المقاومة في غزة واليمن ولبنان تجسيدًا عمليًا لمعنى الحياة الحرة الكريمة، حيث تصنع بدماء شهدائها معادلة الردع المقدّس، وتكتب على صخور التاريخ أن أمةً تقدّس الشهداء لا يمكن أن تُهزم.


دماء الشهداء.. نبضُ الأمة وضوءُ الطريق

الذكرى السنوية للشهيد ليست طقسًا شعائريًا فحسب، بل لحظة تجديدٍ للعهد مع الله ومع الشهداء بأن تظل الراية مرفوعة، والمسيرة ماضية حتى يتحقق وعد الله بنصر المستضعفين.
كل شهيدٍ هو آيةٌ من آيات الله في الأرض، وصوتٌ خالد يقول للأمة: “من أراد الحياة فليجعلها لله”.
وحين تشتدّ ظلمات العدوان في غزة واليمن ولبنان، يبقى دم الشهداء هو الضوء الذي يرسم للأمة طريقها إلى النصر، تمامًا كما انتصر الحسين بالدم، وكما ينتصر اليوم كل الأحرار بالصمود والإيمان والتضحية.
فما بين كربلاء الأمس وغزة واليمن اليوم، حكاية واحدة تتكرر بألف وجه: الدم يغلب السيف، والشهداء يكتبون التاريخ بوهج

نقلا عن موقع 21 سبتمبر