في زمنٍ تُقاس فيه المواقف بمدى قدرتها على ترجمة الكلمات إلى أفعال، يسطّر اليمن أشرسَ دروسِ الردع في مواجهة أعتى إمبراطوريات الهيمنة.. لم يكن اغتيال اللواء الركن الشهيد محمد عبدالكريم الغماري مُجَـرّد جريمة اغتيال جبانة، بل كان اختبارا لصلابة مشروع الردع الذي يُعيد رسم خريطة القوة في المنطقة.

اليوم، تُعلن رسالةُ خليفته اللواء الركن يوسف حسن المداني أن هذا المشروع لم يُقتل، بل دخل مرحلةَ التمكين والاستقلال المؤسّسي.

 

من الشهادة تنطلق الأعاصير

رحيلُ الشهيد الغماري -رضوان الله عليه- لم يكن نهايةً، بل ميلادًا جديدًا لأُسطورةٍ لا تُقهَر.

فبين رسالته الأولى إلى كتائب القسّام، ورسالة خليفته المداني، تظهر معادلةٌ عسكريةٌ لم تُسبق في تاريخ الصراع: استمراريةُ الردع القرآني، الذي تحوّل من كلماتٍ مدوّنةٍ إلى صواريخَ تشقّ البحر، وطائراتٍ تُربك السماء.

إنه الانتقال من “الوعد” إلى “التنفيذ”، ومن “الخطاب” إلى “العقيدة”.

 

الغماري: مهندس الردع الذي حوّل البحر إلى مقبرة للغزاة

كان الشهيد الغماري يدرك أن لغةَ ترامب ونتنياهو لا تُترجم إلا بالقوة.

ففي رسالته الاستراتيجية إلى كتائب القسّام، لم يكتفِ بالعهد، بل قدم منهجيةً عسكريةً شاملةً حوّلت البحر الأحمر إلى كابوسٍ لأسطول الولايات المتحدة، وجعلت من ميناء إيلات ومطار اللد رمزَين للهزيمة الإسرائيلية.

لقد صمّم ما يمكن تسميته بـ”هندسة الخلود”: تركيبٌ عسكري متكامل يدمج البرّ بالبحر بالجوّ، ليكون نواةَ إعصار الردع اليمني الذي لا يُوقف.

 

المداني: اليد التي لا ترتعش، والقبضة التي لا تنكسر

جاءت رسالة اللواء المداني لتُعلن أن “إعصار الردع” لم يعد اسمًا على مشروعٍ شخصي، بل صار مؤسّسةً عسكريةً قائمةً بذاتها.

فـ”إذا كان الغماري هو المهندس، فإن المداني هو القائد المنفّذ”، كما يقول التحليل العسكري.

كلماته-“على نفس الدرب.. نفس الموقف.. نفس العهد”-ليست مُجَـرّد شعارات، بل رسالة واضحة إلى البنتاغون: اليد التي تضرب في الأعماق هي نفسها، والقبضة التي تغلق الممرات لم تتغيّر.

هذا الاستمرار المُحكم هو الذي يُرعب أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية على السواء.

 

استراتيجية لا تُقاس بالصواريخ وحدها

العمليات البحرية اليمنية ليست ضرباتٍ عابرة أَو ردود أفعال ارتجالية، بل حربٌ منهجيةٌ متكاملة تعيد تعريف فنون القتال البحري الحديث.

فـ: شلّ الملاحة الإسرائيلية في ميناء إيلات ليس إنجازا تكتيكيًّا فحسب، بل إعلان إفلاسٍ أمنيٍّ لكيان كان يفاخر بقدرته على السيطرة البحرية.

إذلال البحرية الأمريكية يتمثّل في قدرة اليمن على شنّ عملياتٍ نوعيةٍ رغم الحضور العسكري الأمريكي المكثّـف في المنطقة.

اللوجستيات السرّية التي تُدير هذه العمليات تكشف عن بنيةٍ تحتيةٍ متطورةٍ تفاجئ الخصوم قبل الحلفاء.

 

من غزة إلى باب المندب: جبهة واحدة لا تتجزأ

هنا لا ينفصل السياق اليمني عن القضية الفلسطينية.

فصمود المجاهدين في غزة هو الروح التي تُلهم هذا الردع، وثبات اليمن في البحر هو السّنّ التي تُنفّذ هذه الإرادَة.

الغماري والمداني ليسا مُجَـرّد قائدَين عسكريَّين، بل هما رمزان لمشروع “الوفاء”: وفاءٌ بالعهد، وفاءٌ بالدم، وفاءٌ بالأمة من المحيط إلى الخليج.

 

الخاتمة: إعصارٌ لا يهدأ، وبحرٌ يشهد

من رسالة الشهيد الأولى إلى رسالة القائد المؤكّـدة، الخط واضحٌ والطريق محفورٌ بدماء الشهداء.

لقد نجح اليمن في تحويل القضية الفلسطينية من قضية تضامنٍ إنساني إلى قضية مشاركةٍ استراتيجيةٍ فاعلةٍ غيّرت موازين القوى في المنطقة.

واليوم، لا يزال “إعصار الردع اليمني” يدور بقوةٍ أشدّ، يقوده المداني بيدٍ من حديد، وعينٍ لا تنام، وعهدٍ لا يُنكث.

والبحر، كما عهده، شاهدٌ.. وقاضٍ.