أفق نيوز
الخبر بلا حدود

الاستباحة الأمريكية-الصهيونية للأمة.. الأسباب والمشجّعات

40

أفق نيوز| تقرير| هاشم الأهنومي

منذ البداية، لم تكن العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني مجرد دعم سياسي عابر، بل شراكة استراتيجية متكاملة شكّلت الإطار الحاكم لكل حروب وجرائم العدو في فلسطين والمنطقة.

ومع العدوان الجاري على غزة، وما سبقه من اغتيالات واستهدافات في عدة عواصم عربية، تتجلى الاستباحة الأمريكية–الصهيونية بأوضح صورها، مدعومة بجذور تاريخية ولوبيات ضغط وتحالف عسكري مكشوف.

الاستباحة تصل إلى العواصم العربية

في تطور خطير، وصلت دائرة الاستباحة الصهيونية–الأميركية إلى العاصمة القطرية الدوحة، عبر محاولة اغتيال فاشلة استهدفت وفدًا قياديًا مفاوضًا من حركة حماس كان ضيفًا رسميًا على قطر.. العملية جاءت بعد تنسيق مسبق بين العدو الأميركي والصهيوني، فيما كان المقترح الأميركي للتهدئة وتبادل الأسرى مجرد “طُعم سياسي” لاستدراج الوفد الفلسطيني.

ولم تكن محاولة الاغتيال في الدوحة الأولى من نوعها، إذ تكررت سلسلة الاغتيالات عبر المنطقة، مثل محاولة اغتيال إسماعيل هنية في إيران وصالح العاروري في لبنان، ما يؤكد أن دائرة الاستهداف لا تعترف بسيادة الدول ولا بالقانون الدولي، وأن الصمت الرسمي العربي والدولي منح العدو الضوء الأخضر لتوسيع رقعة جرائمه.

 أميركا تقود والغرب يساند

في 12 أكتوبر 2023، وبعد خمسة أيام فقط من “طوفان الأقصى”، تعرّض قطاع غزة لأعنف قصف في تاريخه الحديث، سقط خلاله قرابة ألف شهيد في يومين فقط، نصفهم من النساء والأطفال، باستخدام القنابل الفسفورية المحرّمة دوليًا.

الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن دعمه المطلق للعدوان، بينما أرسلت واشنطن صواريخ وقنابل موجهة وذخائر اعتراضية بقيمة لا تقل عن 100 مليون دولار، إضافة إلى حاملات طائرات إلى شرق المتوسط، في استعراض قوة موجّه ضد شعب أعزل محاصر.. في المقابل، أعلنت المفوضية الأوروبية وقف تمويلها للفلسطينيين بقيمة 691 مليون يورو، في موقف عملي فاضح يدعم آلة القتل.

وزير الدفاع الصهيوني أعلن أن الحرب تهدف إلى “مسح غزة بالكامل”، مع فرض حصار شامل على المياه والكهرباء والغذاء والدواء لنحو مليوني إنسان، دون أي تحرك دولي فعلي سوى بيانات إدانة شكلية.

جذور السيطرة 

تعود العلاقة الأميركية–الصهيونية إلى ما قبل 1948، مع رسائل ودعم سياسي مستمر، أبرزها:

ـ رسالة الرئيس الأميركي جون آدامز عام 1818 الداعمة لإقامة كيان يهودي.

ـ عريضة بلاكستون 1891 الموقعة من 413 شخصية أميركية.

ـ مصادقة الكونغرس الأميركي على وعد بلفور عام 1922.

أما التحول الاستراتيجي الأكبر، فكان في مؤتمر بلتيمور 1942–1943 في نيويورك، حيث أقر:

ـ فتح فلسطين بالكامل للهجرة اليهودية.

ـ تحويل فلسطين إلى “كومنولث يهودي”.

ـ تشكيل قوة عسكرية يهودية ضمن جيوش الحلفاء.

ـ نقل مركز الثقل الصهيوني من بريطانيا إلى الولايات المتحدة.

اللوبي الصهيوني في أميركا يضم أكثر من 34 منظمة ضغط فاعلة، أبرزها لجنة الشؤون العامة الأميركية الصهيونية (AIPAC)، وقد قدموا ما لا يقل عن 90 مليار دولار دعمًا للكيان خلال 50 عامًا، وكل دولار ينفقه اللوبي سياسيًا يعود على الكيان بنحو 50 دولارًا دعمًا عسكريًا واستيطانيًا.

الاستباحة الفكرية والدينية والإعلامية

لا تقتصر الاستباحة على العدوان العسكري، بل تشمل الهجوم على الوعي والفكر الإسلامي.. المناهج الغربية ومخرجاتها التعليمية تعزز صورة سلبية عن المسلمين، وتشرّع الخضوع للعدو، فيما الإعلام المضلل يروج للتطبيع وشيطنة المقاومة.

كما يبرز الاختراق الفكري والديني من خلال التسويق لتدين مزيف يحرم المقاومة ويشرّع الخضوع، في حين تتجاهل الأنظمة العميلة هذا الانحراف وتسهّل تطبيق أجندة العدو.. هذه السياسات تجعل الأمة عرضة للاستعباد وتساهم في تزييف الوعي الجماهيري وتشويه صورة فلسطين والقضية الإسلامية أمام العالم.

دور الأنظمة العميلة

التحالف الأميركي–الصهيوني يعتمد على دعم عربي رسمي متواطئ أو متخاذل، ما يفتح المجال أمام التوسع في الجرائم الممنهجة.. عمليات القتل والاغتيال خارج حدود فلسطين، مثل محاولة اغتيال وفد حماس في الدوحة، تؤكد أن الصمت الرسمي العربي يمنح العدو ضوءًا أخضر لتمديد دائرة الاستباحة.

في الوقت نفسه، تُستخدم المؤسسات الدولية للضغط على الدول التي تظهر تضامنًا مع فلسطين، كما حدث مع جنوب أفريقيا، حيث تُمارس ضغوط سياسية واقتصادية لإسكات أي موقف إنساني.. كل هذه العوامل تجعل العدوان ليس مجرد حرب عسكرية، بل استراتيجية متكاملة لاستباحة الأمة بكافة أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 اليمن.. استراتيجية مواجهة 

في قلب هذه المعركة، يمثل اليمن نموذجًا فريدًا للمقاومة الإقليمية، أعلن قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي أن أي مشاركة أميركية مباشرة في العدوان على غزة ستقابل برد عسكري يمني بالصواريخ والطائرات المسيّرة، ما يحوّل البلاد إلى خط مواجهة استراتيجي ضد أي تدخل أميركي مباشر في المنطقة.

الموقف اليمني لا يقتصر على الرد العسكري، بل يمتد إلى إعادة توازن القوى الإقليمي وفرض معادلة ردع على الكيان الصهيوني وحلفائه، اليمن، بتضامنه مع غزة وفلسطين، يرسل رسالة واضحة: كل عدوان على الأمة الإسلامية سيواجه بمقاومة شاملة، من حماية الأرض والمقدسات إلى ضرب خطوط الإمداد العسكرية الأميركية–الصهيونية في المنطقة.. كما يشير السيد القائد في محاضرته الرمضانية (28 رمضان 1446هـ) إلى أن حرية الشعوب، ورفضها الخضوع، أغاظت الولايات المتحدة، التي تسعى لإخضاع المنطقة العربية بالكامل للعدو الإسرائيلي، وإفراغها من كل مقاومة، عبر التطبيع والضغط المباشر وغير المباشر على الدول والشعوب.

 الاستباحة لا تعرف حدود

ما يجري اليوم في غزة، وما سبقه في لبنان وإيران وقطر، ليس حوادث منفصلة، بل هو نتاج:

ـ تحالف استراتيجي تاريخي.

ـ هيمنة لوبي سياسي–مالي.

ـ شراكة عسكرية مباشرة.

ـ صمت عربي رسمي شجّع على التوحش.

الاستباحة لم تعد تهدد فلسطين وحدها، بل باتت تطال كل العواصم العربية، ومن يظن أنه خارج دائرة النار فهو واهم.