أفق نيوز
الخبر بلا حدود

الهُـوية الإيمانية: من فجر الرسالة إلى مشروع التحرّر الثوريِّ المعاصر

38

أفق نيوز| عدنان عبدالله الجنيد

في زمن الحروب المركّبة، لم تعد المعركة تُدار بالسلاح وحده، بل بالوعي والهُـوية ومنظومات الانتماء.. لقد باتت الهُـوية اليومَ ميدانًا مركَزيًّا للصراع، وأدَاةَ سيطرة أَو تحرُّر وفقَ الجهة التي تُمسِكُ بمفاتيحها.

ومن هنا، تبرز “الهُـوية الإيمانية” لا بوصفها حالةً وجدانيةً أَو انتماءً تراثيًّا جامدًا؛ بلْ باعتبَارها بنية وعي، وموقف صدام، ومشروع تحرّر وسيادة.

لقد لخّص قائد الثورة (يحفظه الله) هذا المعنى حين وصف الهُـوية الإيمانية بأنها منظومة من المبادئ والأخلاق تجذّرت في الشعب اليمني، الذي يأبى أن يُستعبد أَو تُصادر كرامته، وهي السلاح الأمضى في عالمٍ تغيّرت فيه أدوات الاستعمار.

 

أولًا: أحفاد الأنصار.. من نصرةِ الوحي إلى قيادةِ معركةِ التحرّر

لم يكن اليمن يومًا في هامش الرسالة؛ فمنذ اللحظة الأولى تحوّل من أرض انتظار إلى جبهة نصرة.

وَإذَا كان الأوس والخزرج قد احتضنوا الوحيَ في المدينة، فإن أحفادَهم اليوم يحتضنون قضايا الأُمَّــة المصيرية، وفي مقدمتها فلسطين وغزة.

إن الربطَ بين نصرة الأنصار للرسول ﷺ وبين الموقف اليمني المعاصر ليس ربطًا رمزيًّا، بل هو امتداد لعقدٍ إيماني تاريخي متجدد؛ فالحضور اليمني في معركة الأُمَّــة وظيفة تاريخية أصيلة لا طارئة.

 

ثانيًا: بعثةُ الإمامِ عليٍّ.. حين تختارُ الرسالةُ الرجالَ والأرض

لم يكن اختيار النبي ﷺ للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليحمل الإسلام إلى اليمن عابرًا؛ فاختيار الرمز (علي) بما يمثله من عدل وشجاعة، واختيار الأرض (اليمن) بما تمثله من قابلية لاحتضان الحق، كان لحظة تأسيس كبرى.

دخل اليمن الإسلام في جمعة رجب من العام التاسع للهجرة بالبصيرة لا بالسيف، ومن صنعاء انطلقت أول حلقة وعي قرآني تحوّلت إلى مخزون حضاري مقاوم يأبى التبعية والارتهان.

 

ثالثًا: الإيمانُ اليماني ونَفَسُ الرحمن.. من الوسام إلى التكليف

توصيف النبي ﷺ لأهل اليمن بـ «الإيمان يمان، والحكمة يمانية» وَ«إني لَأَجِدُ نَفَسَ الرحمن من قبل اليمن» ليس مدحًا وجدانيًّا، بل تشخيصٌ لدور تاريخي وتكليف حضاري.

فالإيمانُ حين يتحوّل إلى وعي يصير مقاومة، وهذا ما عجز الأعداء عن فهمه؛ إذ واجهوا هُـوية لا تُخترق ولا تُشترى، تتكثّـف عند الحصار ولا تنكسر.

 

رابعًا: جمعةُ رجب.. التأسيس للشخصية الحرة

ليست جمعة رجب ذكرى طقوسية، بل لحظة انتقال وجودي من الخضوع للأصنام إلى الخضوع لله وحده.

فاليمني الذي سجد لله طوعًا لا يركع لطاغية، ومن هذه الروح خرج رموزُ الحُضُور اليمني في معارك الإسلام الكبرى كعمار بن ياسر ومالك الأشتر، واليوم تُستعاد هذه الذكرى بوصفها عيدًا للهُـوية والسيادة الوطنية.

 

خامسًا: من حلقة الإمام علي إلى المشروع الثوري المعاصر

من حلقة الإمام علي في صنعاء، إلى اصطفاف اليمنيين خلف قيادة قرآنية واعية، يتكرّر المشهد: (شعب + قيادة + مشروع = تحرّر).

لقد أعاد الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (سلام الله عليه) بعث هذه الهُـوية ونقلها من الذاكرة إلى الميدان، مرسّخًا أن مواجهة الاستكبار فريضة دينية لا خيارًا سياسيًّا، مما أسس لوعي جمعي مقاوم يعيد تعريف العدوّ والصديق.

 

سادسًا: اليمن وفلسطين.. وَحدة الهُـوية والمصير

بانبعاث الهُـوية الإيمانية، لم يعد اليمن متضامنًا فحسب، بل شريكًا فعليًّا في معركة فلسطين.

وهنا تتجلّى أُمميةُ المشروع الإيماني بوصفه نُصرةً للمستضعفين في العالم، وكسرًا لمعادلات الهيمنة بمعايير الإيمان لا بمعايير الطُّغاة.

الخاتمة: اليومَ، في عهدِ قائدِ الثورة ناصرِ الطوفان، بلغت الهُـويةُ الإيمانيةُ ذروتَها التاريخيةَ كبُوصلة فعل يقودُها عَلَمُ هدى، رسالتُه للمظلومين: “لستم وحدكم”.

إن أعظمَ قُربان نتقرَّبُ به إلى الله هو الاصطفافُ الواعي في معركة كسر المشروع “الصهيوأمريكي”، وكما قال قائد الثورة: “هذا الشعب في إيمانه ومواقفه يرفعُ الرأس ويُبيِّضُ الوجه”.

فهنيئًا لهذا الشعب هذه الهُـوية التي لا تُهزَم والمشروع الذي لا ينكسر.