صحيفة رأي اليوم اللندنية: لماذا يزور “الاميران” بن زايد وبن سلمان موسكو وليس واشنطن ؟
252
Share
لا نعتقد ان الزيارتين المتزامنتين اللتين قام بهما كل من الشيخ محمد بن زايد ولي عهد امارة ابو ظبي، والامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي الى موسكو، والتقائهما بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين كانتا زيارتين بروتوكوليتين، او بهدف متابعة سباقات “فورمولا 1″ للسيارات في سوتشي، وانما تعبيرا عن القلق، او الفضول، لمعرفة النوايا الروسية بعد التدخل العسكري، وبمثل هذه الكثافة في الملف السوري.
واذا كان الشيخ بن زايد يتخذ موقفا غير معارض للتدخل العسكري الروسي هذا، ان لم يكن مؤيدا، وبالكامل له، فان الضيف السعودي الآخر، الامير بن سلمان يمثل رأيا مختلفا، واكثر ميلا للمعارضة، لان هذا التدخل الروسي احبط كل الخطط السعودية المستمرة منذ خمس سنوات لدعم المعارضة السورية المسلحة بهدف اسقاط النظام السوري.
تعودنا، وطوال الستين عاما الماضية على الاقل، ان يكون الحجيج الخليجي حصريا الى واشنطن وبيتها الابيض، ليس الى موسكو، مثلما تعودنا ايضا ان تذهب الاموال والاستثمارات المالية، وصفقات الاسلحة، الى المصانع والشركات الامريكية والاوروبية، لكن وصول فلاديمير بوتين الى قمة السلطة، واتخاذه سياسات حازمة في قضايا عالمية مثل اوكرانيا، وشرق اوسطية مثل سورية، احدث هذا الانقلاب في المواقف الخليجية.
هناك تعارض في سياسات الضيفين الخليجيين يتمثل في الموقف من الملف السوري، بينما هناك ارضية مشتركة، وهي انخراط دولتيهما في تحالف مشترك يخوض حربا برية وجوية، ويفرض حصارا مشددا في اليمن ضد التحالف “الحوثي الصالحي”.
واذا كان الضيفان يختلفان في الموقف تجاه سورية، كليا او جزئيا، حيث يريد الضيف السعودي النزول عن شجرة المطالبة باسقاط النظام سلما او حربا، كما اكد عادل الجبير، وزير الخارجية اكثر من مرة، ويأمل ان يقدم له الرئيس بوتين السلم المطلوب، او الصيغة التي تنقذ ماء الوجه، فان ولي عهد ابو ظبي لا تعنيه هذه المسألة كثيرا، وكل ما يعنيه هو الحليف الايراني الاوثق لموسكو في المنطقة، وكيفية كسب ود الرئيس بوتين، ووقوفه الى جانب بلاده، كضمانة سياسية، وربما عسكرية، من خلال ضخ المليارات في الصناديق الاستثمارية الروسية، خاصة ان الصندوق السيادي الاستثماري الاماراتي يحتوي على حوالي 900 مليار دولار، حاليا مستثمرة معظمها في امريكا واوروبا.
ولا نعتقد ان الازمة اليمنية غابت عن مباحثات الضيفيين، خاصة ان الحرب التي تخوضها بلداهما، بريا، وبحريا، وجويا، باتت على ابواب دخولها الشهر الثامن دون تحقيق الكثير من الانجازات والاهداف التي انطلقت من اجل تحقيقها، فروسيا التي امتنعت بشكل مفاجيء عن التصويت ضد قرار مجلس الامن الدولي رقم 2216 الذي وفر غطاء امميا لهذه الحرب بصورة او باخرى، تستطيع لو ارادت، ان تساعد في ايجاد حل سياسي لهذه الازمة، يوفر مخرجا لائقا من هذه “المصيدة”.
يصعب علينا الحديث عن نتائج هاتين الزيارتين، لان كل ما تسرب عن مباحثاتهما ما زال شحيحا للغاية، لكن ما ورد على لسان السيد الجبير، الذي رافق ولي ولي عهد بلاده في الزيارة الى موسكو، تحدث عن اعراب بلاده عن قلقها ازاء العملية العسكرية الروسية في سوريا، وان موسكو شرحت ان هدفها هو محاربة “داعش” اي “الدولة الاسلامية”، واعاد تأكيد موقف بلاده بانها تريد حكومة انتقالية في سورية تؤدي في النهاية الى رحيل الرئيس الاسد.
بالامس كانت المصادر السعودية تؤكد في تسريبات صحافية انها بصدد تقديم 500 صاروخ من طراز “تاو” المضاد للدروع الى المعارضة السورية المسلحة، وتشكيل تحالف لمحاربة التدخل الروسي في سورية على غرار ما حدث في افغانستان، واليوم ينحصر الحديث في كلمة اقل تصعيدا، وهي “القلق” من التدخل الروسي، والايحاء بالاطمئنان الى الشرح الروسي للهدف من هذا التدخل العسكري في سورية، وهو عدم محاربة “الدولة الاسلامية”، وعدم اقامة “خلافة ارهابية”.
الروس قدموا في اعتقادنا السلم للقيادة السعودية للتراجع عن موقفهم المتصلب ازاء رحيل الرئيس بشار الاسد، فالقبول بالحكومة الانتقالية هي “السّلمة الاولى”، او العتبة الاولى، ثم بعد ذلك الثانية، والثالثة، والعاشرة، ويعلم الله متى تستغرق عملية النزول هذه من الزمن.. شهر شهرين.. سنة.. سنتين.. عشر سنوات.. العلم عند الله، وربما عند “الشيخ” فلاديمير بوتين.