بعد الحظر البحري.. اليمن يحاصرُ مطارَ “بن غوريون”: هروبٌ واسعٌ لشركات الطيران الأجنبية
90
Share
أفق نيوز | أصبح الحصارُ الجويُّ اليمنيُّ على مطار “بن غوريون”، والذي تم إعلانُه في مارس الماضي، أمرًا واقعًا، بعد أن نجح صاروخٌ يمني فرطُ صوتي (لم تكشف القواتُ المسلحة عن اسمه) في الوصول إلى المطار، في وَضَحِ نهار اليومَ الأحد، متجاوزًا عدةَ طبقاتٍ دفاعيةٍ “إسرائيلية” وأمريكية أمام أنظار العالم كله،
بما في ذلك شركات الطيران الأجنبية، التي سارعت إلى إلغاء رحلاتها إلى كيان العدوّ بشكل فوري وإعادة الطائرات التي كانت قد انطلقت من الأجواء؛ الأمر الذي وضع العدوّ مباشرة وبشكل مفاجئ أمام تجسُّدِ المخاوف التي عبَّر عنها طيلةَ الفترة الماضية بشأن مغادرةِ تلك الشركات والعودة إلى أزمة النقل الجوي التي عانى كَثيرًا في الخروج من مرحلتها السابقة، على أن تأثيرَ الضربة يتجاوز هذه الأزمة بشكل واضح ويهُزُّ أمنَ العدوّ والاستراتيجيات الدفاعية الأَسَاسية التي يعتمدُ عليها؛ وهو ما يشكّل ضغطًا هائلا وفجوةً خطيرة لأزماتٍ ومشاكلَ أُخرى لن تتوقَّفَ طالما استمر العدوانُ على غزة.
في مارس الماضي، وبعد أَيَّـام من استئناف العدوان الصهيوني على غزة، أعلنت القواتُ المسلحةُ اليمنيةُ أن مطارَ “بن غوريون” في يافا المحتلّة “غيرَ آمن” وحذَّرت الشركات الأجنبية من مواصلة السفر إليه، وقد ترافق هذا الإعلان معَ عملياتٍ صاروخية تسبَّبت بتعطيلِ حركة المطار عدة مرات، ودفعت شركاتُ الطيران الأجنبية بالفعل إلى عقدِ اجتماعات طارئة لدراسة وقفِ نشاطِها في المطار، وَفْـقًا لتقاريرَ عبرية، لكن حكومةُ العدوّ بذلت جهودًا كبيرةً لتجنُّبِ ذلك، وبحلول إبريل الماضي كانت الشركات قد وصلت إلى قرار حاسم بأنها “ستنسحب فورًا إذَا سقطت أيُّ صواريخ بالقرب من المطار مرة أُخرى” وَفْـقًا لما كشف مسؤولٌ في وكالة “سفر” بالقدس المحتلّة.
بعدَ أقلَّ بقليل من شهر ونصف شهر على إعلان القوات المسلحة، يأتي وصول صاروخ فرط صوتي جديد لم يتم الكشف عن اسمه إلى المطار، ليجعل مخاوفَ العدوّ وتحذيراتِ القوات المسلحة اليمنية أمرًا واقعًا لا مجالَ للعودة إلى ما قبله، ولا سبيل حتى إلى تخفيف وَقْعِه؛ فقد أقَرَّ جيشُ العدوّ بشكل صريح بأن منظوماتِ (السهم3) وَ(ثاد) فشلت معًا في كشف واعتراض الصاروخ اليمني، وقد كانت دقة وصول الصاروخ موثَّقةً ومشهودةً في وَضَحِ النهار، وبالتالي ليس أمامَ شركات الطيران الأجنبية سوى تنفيذ قرارِها والانسحابِ من منطقة الخطر التي كانت مطارًا.
هذا ما حدث بالفعل وبشكل فوري كما أعلنت الشركات سابقًا؛ فقد قامت رحلة هندية كانت في طريقها إلى المطار، فوق الأجواء الأردنية، بالعودة وعكس مسارها تمامًا، بدلًا عن الانتظار والهبوط في وقت متأخر كما جرت العادة، فيما تم إنزال الركاب من على متن رحلة تابعة لشركة طيران “أُورُوبا” في مدريد قبل لحظات من موعد إقلاعها إلى مطار “بن غوريون”، وقامت رحلة تابعة لشركة “ترانسافيا” كانت قادمة من باريس بالعودة من الأجواء وإلغاء فكرة الهبوط في المطار تمامًا.
وحتى لحظة الكتابة، بلغ عددُ الشركات التي ألغت رحلاتِها إلى كَيانِ العدوّ قرابة 19 شركة، بحسب الإعلام العبري، حَيثُ أعلنت شركة (ويز) الهنغارية تعليق رحلاتها إلى “إسرائيل” حتى صباح يوم الثلاثاء القادم، بعد أن اضطرَّت إحدى رحلاتها التي انطلقت من رومانيا للعودة من الأجواء قبلَ الوصولِ إلى مطار “بن غوريون”.
وأعلنت مجموعةُ “لوفتهانزا” للطيرانِ والتي تشملُ خمسَ شركات (لوفتهانزا، والخطوط النمساوية، والسويسرية، وطيران بروكسل، ويورو وينجز) أنها لن تسيِّرَ أيَّةَ رحلات إلى كيان العدوّ اليوم، ومن المرجَّح أن يتم تمديدُ هذا القرار.
وإلى جانب شركات طيران “أُورُوبا” وطيران الهند، و”ترانسافيا” التي سبق الإشارة إليها، فقد ألغت شركة الخطوط الجوية الفرنسية، وشركةُ الطيران الإيطالية (آي تي إيه)، رحلاتهما إلى كيان العدوّ، فيما قالت شركة الخطوط الجوية الأيبيرية إنها تدرس نفس القرار.
وانضمت شركة “يونايتد إيرلاينز” الأمريكية إلى القائمة في وقت لاحق، كما أعلنت الخطوط الجوية البريطانية تعليق رحلاتها إلى كيان العدوّ ليومَين.
واستمرت القائمة بالتوسُّع لتشملَ شركة “ريان” الإيرلندية، و”دلتا” الأمريكية، ووَفْـقًا لصحيفة “معاريف” العبرية فَــإنَّ القائمةَ شملت أَيْـضًا الخطوطَ الجوية الصربية، وشركة “تي يو إس” القُبْرصية، وكذلك الخطوط الجوية الأذربيجانية.
هذه التداعياتُ الواسعة تشيرُ بوضوح إلى أن الوضعَ خرج عن السيطرة منذ لحظة وصول الصاروخ إلى المطار، وهو ما أقرَّ به مسؤولٌ في سلطة المطارات بكيان العدوّ، حَيثُ قال: إن “كل شيء معلَّقٌ، وكل شركة تقرّر بنفسِها ما إذَا كانت ستستمرُّ في الطيران أم لا” وَفْـقًا لما نقلت صحيفةُ “يديعوت أحرنوت”.
وعلَّقت صحيفةُ “معاريف” قائلة: إن “اليمنيين ضربوا مطارَ بن غوريون على وجه التحديدِ بعد أن أعلنوا حِصارًا جويًّا عليه، وهذا التهديدُ المعلَنُ، الذي تصاحِبُه الآن أضرارٌ فعلية، سيؤدِّي بشكل شبهِ مؤكَّـد إلى زيادة أقساط التأمين على شركات الطيران التي تسافرُ إلى إسرائيل” مشيرةً إلى أنه “سيستغرق الأمر الكثيرَ من الوقت والجهد لإعادة شركات الطيران إلى (إسرائيل)، حَيثُ تظهرُ التجربةُ السابقة أن شركاتِ الطيران حَذِرَةٌ للغاية في قرارها بالعودة إلى الأسواق التي يُنظَرُ إليها على أنها محفوفة بالمخاطر”.
ووَفْـقًا لهذه التعليقاتِ فَــإنَّ الضربةَ اليمنيةَ قد أعادت بالفعل كيان العدوّ إلى قلب أزمة النقل الجوي التي عانى منها لأشهر قبل وقف إطلاق النار في يناير الماضي، عندما غادرت شركات الطيران الأجنبية على خلفية المواجهة ضد حزب الله وإيران، وقد أسهمت الجبهةُ اليمنية في تمديد تلك الأزمة بعد ذلك، في تجربةٍ يبدو بوضوح أن صنعاءَ تعلَّمت منها الكثير لفتحِ أُفُقٍ جديدٍ ومهم للتصعيد ضد العدوّ، بعد استئناف الحرب، من خلال تدشين مسار حصار جوي يتزامن ويتكامل مع مسارات الحصار البحري القائم والضربات المباشرة على الأهداف العسكرية والحيوية داخل الأراضي المحتلّة؛ لزيادة الضغط الأمني والاقتصادي على كيان العدوّ بشكل كبير.
ومن نافلة القول إن الحصار الذي بات ملموسًا وواضحًا على مطار “بن غوريون” يشكِّلُ نموذجًا واحدًا من نماذج التأثير الأمني والاقتصادي الكبير الذي تُحمِلُه عملية اليوم؛ باعتبَارها هي أَيْـضًا واجهةً بارزةً للتصعيد المُستمرّ منذ أَيَّـام والذي يأتي متزامنًا مع تصاعد شدة الإبادة الجماعية والتجويع في غزة، حَيثُ تُبرِزُ عمليةُ استهداف المطار العدوّ سيناريوهاتٍ مرعبةً وصادمة للعدو بشأن ما يمكن للقوات المسلحة أن تفعلَه إذَا استمر التصعيد، خُصُوصًا وقد بات نطاقُ النيران اليمنية يغطِّي كاملَ فلسطينَ المحتلّة.