استراتيجية جديدة لمعاقبة المخالفين.. الإغراق الكامل للسفن في البحر الأحمر
أفق نيوز|
تقرير | أحمد داود
عادت العمليات اليمنية إلى البحر الأحمر بزخم قوي بعد هدوء استمر لأشهر، غير أن العودة ليست كسابقاتها، فقد تغيرت استراتيجية إلحاق الضرر بالسفن من ضرر جزئي إلى “الإغراق الكامل”، وهي رسائل مهمة سيتلقفها كل المتعاونين مع العدو الإسرائيلي بجدية.
القرار اليمني المعلن منذ أشهر يتضمن منع عبور السفن – أياً كانت جنسيتها – من البحر الأحمر ومضيق باب المندب إذا كانت وجهتها إلى موانئ كيان العدو الإسرائيلي، وتحديداً إلى ميناء “أم الرشراش” الذي يطلق عليه العدو اسم “إيلات” ويقع جنوب فلسطين المحتلة.
في السابع من مارس الماضي، ألقى السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي – يحفظه الله – خطاباً استثنائياً حول التطورات في قطاع غزة، محدداً مهلة أربعة أيام لكيان العدو الإسرائيلي لإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وإلا فإن القوات المسلحة اليمنية ستستأنف هجماتها في البحر الأحمر. ومنذ ذلك التاريخ، لم تجرؤ أي سفينة على المرور من البحر الأحمر والتوجه إلى ميناء “أم الرشراش”، رغم العدوان الأمريكي على اليمن ومحاولة إنقاذ الكيان المؤقت وفك الحصار المفروض عليه في البحر الأحمر.
وعلى الرغم من الحملة العسكرية العدوانية الأمريكية على اليمن، إلا أن واشنطن فضلت في النهاية الانسحاب والإقرار بالهزيمة، واضطرت إلى توقيع اتفاق مع صنعاء لوقف العدوان على اليمن مقابل عدم استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر، دون أن يكون للاتفاق أي علاقة بكيان العدو الإسرائيلي، وهو ما عده كثيرون -في ذلك الحين- تخلياً من قبل واشنطن عن ربيبتها “إسرائيل” لأول مرة في تاريخ أمريكا.
وخلال هذا الأسبوع، حدثت مستجدات مهمة، إذ بدأت بعض الشركات ذات الارتباط بكيان العدو بمحاولة العبور من البحر الأحمر، والتوجه نحو ميناء “أم الرشراش”، في تحد سافر لقرار الحظر اليمني، حيث لا يُفهم طبيعة هذا التحدي، وما الهدف أو المغزى من المغامرة، مع أن جميع الشركات تدرك جيداً بأن اليمن لا يطلق تحذيراته جزافاً، وأنه إذا قال فعل، ومع ذلك جاءت المحاولات “لجس النبض”، ولمحاولة تقييم الموقف اليمني، لا سيما بعد توقف العدوان الصهيو أمريكي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتسويق البعض ادعاءات بأن اليمن مجرد تابع لإيران، ولذا جاءت عمليات إغراق السفن لتنسف كل هذه الدعايات.
ويعد إغراق سفينتين في البحر الأحمر من الأحداث المهمة التي ستهز الكيان الصهيوني وداعميه الأمريكيين والغربيين، فنتنياهو سيستغل الأحداث لمحاولة إقناع أمريكا والغرب على ضرورة حماية الملاحة في البحر الأحمر من خطر من يسميهم بـ”الحوثيين”، ليدفع بالمزيد من العمليات العسكرية ضد اليمن، غير أن هذا السيناريو قد أثبت عدم جدوائيته، لا سيما في ظل القدرات العسكرية اليمنية المتصاعدة، وعجز حاملات الطائرات والمدمرات والبوارج الحربية الأمريكية والغربية عن تحقيق انتصار بحري على اليمن، ما يثبت بأن اليمن هو سيد البحر الأحمر بلا منازع أو منافس.
على كل، فإن استهداف سفينة “ماجيك سيز” وإغراقها بالكامل، وبث مشاهد الغرق بالصوت والصورة، وكذلك استهداف سفينة ETERNITY C وتوثيقها كذلك بالصوت والصورة، يبعث بعدة رسائل مزدوجة: أولاها للكيان الصهيوني بعدم جدوى أي محاولات لفك الحصار البحري على موانئه في البحر الأحمر، وأن الحل يتمثل في إيقاف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة.
الرسالة الأخرى من الاستهداف هي للشركات والسفن التي تتعامل مع كيان العدو، بأن عليها عدم المجازفة والمغامرة، فاليمنيون لا يمزحون، وأي محاولات للتمويه والخداع لن يقابلها اليمن إلا بالمزيد من التأديب، ولهذا يجب على كل الشركات أن تلتزم بالقرار اليمني.
أما الرسالة الأهم فهي لقوى الاستكبار العالمي، ومفادها بأن اليمن سيمضي في قراره بحصار كيان العدو، وهو لا يخشى أية قوة بحرية في العالم، وهو مستعد لمواجهة أي سيناريو محتمل، وإذا ما غامرت أمريكا والدول الغربية وفكرت مرة أخرى في الحل العسكري لرفع الحصار عن الكيان الصهيوني، فإن مشاهد الغرق بالكامل لن تقتصر على السفن التجارية المتجهة إلى الموانئ الصهيونية، وإنما ستطال القطع الحربية العسكرية والمدمرات والبوارج، وربما حاملات الطائرات.
وأمام هذه الوقائع، لا يمكن فصل ما يحدث في اليمن عن بقية الجبهات، ولا سيما ما يحدث في قطاع غزة، الذي يعيش أهم مرحلة تاريخية، فالعدوان الأمريكي والإسرائيلي لا يريدان الذهاب نحو خيار السلم وإيقاف العدوان ورفع الحصار، وإنما يتجهان إلى تعزيز المزيد من حرب الإبادة الجماعية، وتخيير الفلسطينيين بين التدمير أو التهجير، معتقدين أن هزيمة حماس وحركات المقاومة باتت محسومة، وأن النصر العسكري واحتلال غزة قاب قوسين أو أدنى.
ما يفكر به الإسرائيليون ليس تدمير غزة فحسب، وإنما السعي لتفجير المنطقة برمتها والقضاء على حركات المقاومة؛ فحزب الله اللبناني يواجه تهديدًا وجوديًا، واليمن تُحاك ضده الخطط والمؤامرات لثنيه وعزله عن إسناد غزة، والنيران تشتعل لتمتد إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والمجرم نتنياهو لا يقبل إلا بتدمير الترسانة الصاروخية لطهران وبرنامجها النووي.
نحن إذًا أمام أعداء لا يقبلون بأنصاف الحلول، ولا بوجود دول أو حركات تخالف الأوامر، ويريدون منطقة خاضعة مستسلمة لهم، كحال حكام الخليج وجولاني سوريا وسيسي مصر، بحيث يتسنى لهم نهب الثروات واستباحة المنطقة وسط الصمت المطبق لشعوبها وحكامها، وهذا ما لا يقبله اليمن والأحرار في المنطقة.